القنب الهندي Cannabis Indica الحشيش HASCHISCH


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(أ) المنشــأ النباتــــي:

 القنّب نبات نشأ في آسيا الوسطى ثم انتشر فيما بعد في البلاد الأخرى.

 

 وتبعًا لرأي بعض النباتيين وخاصة منهم العالم بوكيه J. Bouquet لا يوجد إلا نوع واحد من القنب. إلا أن الصفات الشكلية لهذا النبات تتبدل بسهولة وبسرعة تحت تأثير تغيرات الأقاليم والارتفاعات مما أدى للحصول على تنوعات عديدة منه.

 

 ففي أوربا ينمو القنّب وترتفع ساقه إلى حوالي مترينº ويزرع بقصد الحصول على ألياف القنّب المستخدم في صناعة الحبال والنسيج، وكذلك بقصد الاستفادة من بذوره الزيتية - القنب Chenevis.

 

 وفي بعض المناطق كأعالي الهضاب الآسيوية وهندستان وإيران واليونان وأفريقيا الشمالية ينمو النبات تحت تأثير الجفاف وطبيعة الأقاليمº فيبدو قصير القامة وأقل قيمة من الناحية النسيجية.. وتنفرز حول القمم المزهرة من النبات المؤنث مادة راتنجية (وسيلة من وسائل دفاع النبات) تتمتع بخواص فيزيولوجية فعالة. وأطلق على هذا التنوّع من النبات اسم القنّب الهندي Cannabis Indicaº وهو النبات الذي يعطي المادة المسببة للإدمان المسماة بالحشيش.

 

 ولقد عرف منذ القديم أن تناول هذه المادة الراتنجية يؤدي إلى نوع من الخدر الخاص. وقد صنع رهبان الهند منها شرابات سحرية يستعملونها في التأثير على الناس في الاحتفالات الدينية المنحرفة.

 

 ومع الزمن انتقل استعمال هذا النبات إلى عامة الناس وانتشر من الهند إلى الشرق الأوسط (إيران - تركيا - مصر... الخ) ومن ثم إلى شمالي أفريقا فإسبانيا فأوربا الوسطى والشمالية ثم أخيرًا إلى أمريكا. ويقال بأن محمد علي باشا هو أول من أوصل زراعة هذا النبات إلى مصر للاستفادة من أليافه النسيجية.

 

 (ب) التركيب الكيميائي والخواص الفيزيولوجية:

 تمّت الدراسات الأولى على هذا النبات أثناء حملة نابليون على مصر من قبل عدد من العلماء أمثال سيلفستر دوساسي Sylvestre de Sacy وروييه Rouyer، بينما قام بعضهم بدراسة وتحليل نماذج حملت إليهم من الشرق أمثال فيري Virey و لا مارك Lamarck.

 

 - يستعمل القنّب الهندي بشكلين:

 

 (1) إما بشكل راتنج تفرزه القمم المزهرة:

 

 ويطلق عليه أسماء مختلفة باختلاف البلدان كالشاراس Charas في آسيا، والحشيش في الشرق، والشيرا Chira في أفريقيا.

 

 يجنى هذا الراتنج بطرق خاصة وتعمل منه كتل صفيحية أو لفافات مستديرة بقصد الاستهلاك.

 

 (2) النبات الطبيعي:

 

 (الأوراق والقمم المزهرة للنبات الأنثوي). يجنى النبات ويجفف ثم يقطع قبل الاستعمال بآلات خاصة. وكثيرًا ما يمزج مع التبغ. ويحمل هذا أسماء مختلفة تبعًا للبلاد كاسم

 

 · البانغ Bhang أو الغانجا Ganja في الهند.

 

 · والـ كيف Kif في الجزائر والمغرب.

 

 · والتكروري Takrouri في تونس.

 

 · والهَبَك Habak في تركيا.

 

 · والحشيش أو الكَيف في سورية ولبنان.

 

 · والجومبا Djomba أو اليامبا Liamba في أفريقيا الوسطى والبرازيل.

 

 · والدقة Dagga في استراليا.

 

 · والـ \"الماريوانا\" في أمريكا.

 

 · والغريفا Grifa في المكسيك.

 

 ونظرًا لانتشار الحشيش في جميع أصقاع الأرض لذلك يعرف له اليوم أكثر من (350) اسمًا مختلفًا في العالم.

 

 ومن الجدير بالذكر أن جميع هذه الأشكال لا تتمتع بالخواص السمية نفسها كما أشار إلى ذلك الدكتور كمرون Cameron رئيس مكتب المخدرات في منظمة الصحة العالمية O. M. S فالماريوانا المستعمل في أمريكا خفيف نسبيًا ويشابه البانغ Bhang الذي ينقع في الماء في الهند. أما الغانجا Ganja فهو يقطف في مرحلة معينة من نمو النبات وهو أقوى بمرتين أو ثلاث من البانغ Bhang. وبالنسبة للحشيش فهو أيضًا أقوى بـ (2-3) مرات من البانغ Bhang.

 

 إن المركب الفعال في كل هذه الأشكال هو رابع هيدرو كانا بينول ر. هـ. ك = T. H. C وإذا ما استخرج صافيًا من النبات فإنه يتمتع بخواص مشابهة لفعالية الـ ل. س. د L. S. D. إن الراتنج أكثر سمية من النبات الكامل. ففي الراتنج تبلغ نسبة المادة الفعالة (40%) أما في النبات الكامل فلا تتجاوز النسبة (8-12%).

 

يقول بعض العلماء: إن التأثير المديد لتدخين الحشيش يعود إلى أحد المركبات الناتجة عن تفكك الـ (ر. هـ. ك) في البدنº ذلك لأن الـ (ر. هـ. ك) يختفي سريعًا من البدن. وقد لوحظ أن هناك خميرة لا تصادف عادة في البدن في الحالة العادية وإنما تتشكل لدى التفاعل مع الـ (ر. هـ. ك) وتقوم بأكسدته إلى هيدروكي بتترا هيدرو كانابينول. ولهذا السبب فإن كثيرًا من الأشخاص الذين يتناولون الحشيش للمرة الأولى لا يشعرون بالنشوة التي يشعر بها المدمنون.. إذ لا بد من فترة من الزمن لتشكل الخميرة في البدن بعد تكرار التدخين.

 

تدل التجارب أن فعل الحشيش يتم على القشرة الدماغية مما دعا إلى تسميته بسم العقل والذكاء.

 

 (جـ) طرق استعمال الحشيش:

 قدم العالم البحاثة بوكيه J. Bouquet دراسة مستفيضة عن الحشيش وصنف الأشكال التي يستعملها المدمنون وفقًا للمجموعات الثلاث التالية:

 

 1 - الأشكال المستخدمة في التدخين:

 أشهرها الحشيش وقد يسمى حشيش كافور Haschich Kafour ويتألف من لفافات رفيعة من الراتنجº وعند الاستعمال تفتت هذه اللفافات (العصيات) وتخلط أحيانًا مع الأفيون أو ا لبنجº ثم يخلط المزيج الأخير مع تبغ السجائر.

 

 وفي بعض البلدان (كالجزائر مثلاً) يدخن في غليون خاص ممزوجًا مع التبغ الصوفي Tabac Soufi وهو نوع من التبغ يزرع في الجنوب. أما في أمريكا فيدخن عادة في لفائف التبغ (السيكار الرفيع) ممزوجًا بالماريوانا.

 

 2 - الأشكال المستخدمة في الشرب:

 هي أشكال تنشأ من نقع الأوراق أو القمم المزهرة في الماء. وهي أشكال ضعيفة التأثير نظرًا لقلة انحلال النبات في الماء. وقد تهيأ بشكل مستحلبات من النبات المسحوق. وتمزج فيما بعد مع بعض الشرابات العطرية (البرتقال - الياسمين …الخ) أو قد تضاف إلى بعض المشروبات الغولية كالعرق Chats - Raki.

 

 3 - الأشكال المستخدمة في الأكل:

 هي أشكال متنوعة استخدمت فيها كل أنواع الخيال الشرقي في صناعة الحلويات أو المربيات. ونجد فيها جميع الأصناف التي تباع بمختلف الأسعار بما يتناسب مع حالة الزبون وذوقه الخاص فمنها المربيات والمعاجين الطرية والمعاجين القاسية (للقرط) الممزوجة بالمواد الفعالة.. ومن الأسماء المشهورة نذكر: المنزول Manzoul والمعجون Madjoun ودواء المسك Dawamesk والغاراويش Garaouich ويدخل في صناعتها جميعًا اللوز والفستق والجوز والبندق وجوزة الطيب Miscade والفلفل والقرفة وقد يضاف إليها الأفيون والجوز المقيء والذراح Cantharides لأغراض جنسية مشهورة.

 

 (د) هل الحشيش مادة ســـامـــة؟

 لم تتوقف الدراسات حول تأثير الحشيش السمي منذ عام 1840 عند كثير من العلماء وفي كثير من المؤسسات العلمية. واستخدمت في هذه الدراسات مستويات مختلفة من المتعاطينº بالإضافة إلى أنواع متباينة من الحشيش على مختلف أشكاله.

 

 وتبين أن متعاطي الحشيش يمكن أن يمروا بالأطوار الفيزيولوجية الأربعة التاليةº

 

 1 - طور النشوة المحرض: (المنبـِّه)

 بعد ساعة أو ساعتين من تناول العقار يبدأ المرء بالإحساس بارتقاء نفسي وجسمي وسرور داخلي وفرح ذاتي لا يمكن تحديده. ولا يلبث هذا الفرح والسرور أن ينتشر في أرجاء البدن كلها.

 

 2 - مرحلة الهيجان العاطفية وفقدان الاتزان:

 يبتدئ هذا الطور بأن يصبح المرء مرهف الإحساس والشعور، وأن أقل حركة أو همس بجانبه يقابلها بطنين هائل يتجلى بتولد الأوهام والهلوسات المختلفة.

 

 ويتزايد هذا الخَدر الحشيشي بصورة خاصة مؤثرًا على الحالة العاطفيةº تبدأ بالحنان القلبي يرافقها القلق أحيانًا وقد تنتهي بمظاهر عدوانية أو إجرامية.

 

 وتضطرب لدى المرء مقاييس الزمان والمكانº فهو يتصور أنه يعيش في عالم واسع من الخيال والأحلام وتتراءى أمامه مشاهد عديدة بحركة مستمرة لا نهاية لهاº وكل هذا في لحظة من الأمن لا تتجاوز الدقيقة الواحدة. وتتباعد المسافات بينه وبين جيرانهº بينه وبين قدح الماء الذي بين يديه… وكأنه فقد كل عامل من عوامل الاتزان الزماني والمكانيº وبكلمة مختصرة لم يعد يعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض.

 

 3 - مرحلة النشوة العظمى:

 تبدأ في هذا الطور مرحلة من الإحساس بالنشوة العظمى بين أمواج متلاطمة من الأفكار والخيالات يميل معها إلى الهدوء والسكينة والأحلام الهادئة.

 

 وهذه المرحلة التي كثيرًا ما يطلق عليها \"مرحلة الكيف\" تستمر حتى يشعر معها بالعجز العميق بحيث لا يقوى أن يبري قلمًا أو يتناول كأسًا من الماء.

 

 وغالبًا ما يصاب المدمن في هذه المرحلة بانفصام الشخصية.

 

 4 - مرحلة الانحطاط والنوم واليقظة:

 بعد ساعات من الاسترخاء العاطفي تنزل على المدمن سكينة من النوم ولا يستيقظ إلا في اليوم التالي مصابًا بالدهشة قليلاًº ولكنه يستعيد حالته الأولى نوعًا ما.

 

 ونتساءل بعد كل هذا: هل الحشيش مادة سامة تسبب الإدمان والسيطرة على المريض أم لا؟ وللإجابة على هذا السؤال تشكلت في أمريكا خاصة وعدد من بلدان العالم عامة لجان وطنية مسؤولة لدراسة المشكلة من وجوهها المتعددة. وقد دعت اللجنة الأمريكية في بادئ الأمر إلى إلغاء العقوبات الجنائية بحق الذين يتعاطون الحشيش إلا إذا كان بحوزتهم مقادير تتجاوز (50) غرامًا بقصد التهريب. وفي عام 1972 رفض الرئيس الأمريكي هذه التوصية وتمسك بالقوانين الدولية التي تجعل من المادة الأولية الفعالة للحشيش مادة مخدرة تخضع للرقابة الدولية. إلا أن عددًا من الولايات الأمريكية لم يأخذ بقرار الرئيس الأمريكي وتبنّى توصية اللجنة الوطنية المذكورة. ولهذا أخذ تعاطي الماريوانا بالانتشار والاتساع بصورة تفوق حدّ التصور، حتى يمكن أن نعتبر أن أمريكا اليوم هي أول المستهلكين للحشيش في العالمº ويليها إنكلترا ثم هولندا فالبلاد السكاندينافية حيث يعتبر تعاطي الحشيش في هذه البلاد جائحة عامة عند الشباب (40 - 50% من الشباب يتعاطون تدخين الحشيش).

 

 هذا وقد رصدت الولايات المتحدة الأمريكية عدة ملايين من الدولارات لدراسة قضية الماريوانا، ويقدّر أن عدد لفائف التبغ الممزوجة بالحشيش التي تدخن في أمريكا اليوم يزيد عن (60) مليار سيكارة في السنة.

 

 هذا ولقد بينت الدراسات العلمية الأثر الأساسي لمادة رابع هيدروكانا بينول وأمكن الحصول عليها نقية وتجربتها على الحيوانº وتأكد أنها تحدث لديه نومًا صريحًا وتخفيفًا للألمº حتى إن فقراء الهنود غالبًا ما يلجئون لتناول الحشيش قبل أن يقوموا باستعراضاتهم في النوم على ألواح المسامير. ومع ذلك لم تصل الدراسات إلى قرار حاسم بشأن درجة السمية التي يتمتع بها الحشيش ومقارنة هذه السمية مع غيره من المركبات كالهيروئين مثلاً.

 

 وانتقد بعضهم هذه الدراسات باعتبار أنها تناولت بالدرجة الأولى الحيوان من جهة، وطبقة معينة وممتازة من الناس، دون أن تأخذ بعين الاعتبار طبقات الشعب العريضة المصابة بهذا الداء.

 

 ولهذا اتخذت المنظمات الدولية إجراءات وقائية فمنعت استعمال الحشيش أولاً في المداواة وسحبته نهائيًا من الصيدليات في كل بلاد العالم واعتبر وجوده في الصيدلية مخالفًا للقانون.

 

 وإذا لم تتأكد حتى الآن درجة سمية هذا العقارº فإن آثاره الضارة في مستوى الفرد والمجتمع لا يمكن التغاضي عنها بتاتًا... ويقول أحد الأمثال الشائعة في المغرب:

 

 \"إن الكيف كالنار قليل منها يدفئ وكثير منها يحرق \".

 

 وفي الحقيقة إن زيادة المقادير تؤدي إلى القهر والإذعان والإدمان ولانحطاط الفرد في المجتمعº بل يعتبره كثيرون الخطوة الأولى نحو تعاطي المخدرات الأخرى. وقد أكدت الإحصاءات في مستوى الشباب أن غالبية من جربوا الحشيش انتهوا بالإدمان على الهيروئين وأمثاله.

 

 فإذا لم يكن الحشيش سامًا بذاتهº إلا أنه سم اجتماعي فتاك يؤدي لانحطاط المجتمع في مهاوي الرذيلة والجريمة والعطالة عن الإنتاج ويفقد الإنسان دوره في أن يكون فاعلاً في المجتمع ومؤثرًا فيه وعضوًا نافعًا في الأمة.

 

 ومن جهة أخرى فقد أكدت الدراسات الحديثة جدًا أن جميع مشتقات الحشيش الكيميائية التي تتشكل في البدن ذات أثر فعال على الصبغيات والمورثات فهي تمنع من تشكل الحموضة الأمينية والبروتينات. ولدى المدمنين الشديدين تأكد إصابة الأنسجة الرئوية وجملة الدفاع المناعية والخلايا مولدات النطف. وأظهرت بعض التجارب على الحيوانات الحوامل الأثر المشوّه للأجنّة بشكل لا يقبل الشك. ونظرًا لأن أكثر متعاطي الحشيش هم من الرجالº لذلك يصعب حقيقة مراقبة هذه الظاهرة الأخيرة في المستوى البشري.

 

 وقد أشار كثير من العلماء إلى أن المقادير المرتفعة من الحشيش تسبب الهلوسة وتؤدي عند الكثير إلى الغثيان والإقياءات المتكررة والإسهالات والرجفة وطنين الأذن والخوف والقلق وبعض الاكتئابات المزعجة.

 

 وتشير التقارير العلمية الواردة من البلاد الشرقية إلى سوء الحالة الصحية للمدمنين على الحشيش وقلة شهيتهم للطعام.

 

 ونستطيع أن نخلص إلى القول: بأنه وإن كانت السمية الحادة للحشيش قليلة نوعًا ما بالمقارنة مع المخدرات الشديدة، إلا أن السمية المزمنة الناجمة عن التعاطي المديد تتجلى بالتخريب البدني والعقلي والاجتماعي. وتشير تقارير حوادث السير في أمريكا إلى أن كثيرًا من الحوادث المفجعة ترتبط بالحشيشº بالإضافة إلى أن البيئة التي يُدَخَّنُ فيها الحشيش غالبًا ما تقود إلى الانتقال إلى المخدرات الأشد والأخطر. وقد ذكرت بعض الإحصائيات أن أكثر من ثلثي المدمنين على الهيروئين مرّوا أولاً بطريق الحشيش.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply