التخطيط ضرورة مفقودة


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالاً يحتذي في كل شيء كما قال الله - تعالى-: "لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" (الأحزاب: 21) ومن أعظم ما تميزت به حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - دقة التخطيط والنظام فلم تكن العشوائية تعرف طريقها إلى حياته - صلى الله عليه وسلم -، وكان الانضباط أمراً بادياً في حياته الخاصة به وحياته الدعوية والقيادية، والمتأمل في غزواته وخططه الدفاعية عن عاصمة دولته وتوفيقه بين تسعة نساء هن زوجاته يتضح له هذا الأمر جلياً.

وما كان ذلك التخطيط والنظام في حياته - صلى الله عليه وسلم - إلا ثمرة فهم عميق لواقعه وتصور متكامل للمرحلة ومتطلباتها، لقد كان - عليه الصلاة والسلام - يقود سفينة الدعوة بمهارة فائقة ودقة متناهية معتمداً بعد الله - تعالى -على التقدير ودقة التخطيط.

إن أمتنا بأمس الحاجة إلى التخطيط الدقيق، الذي يبني مجدها، ويقيها -بإذن الله- مصارع السوء، وكل تخطيط لا يبنى على فهم عميق لمجريات الأحداث، وتصور متكامل للواقع من جميع جوانبه، سيدخله خلل إن لم ينقلب تخبطا لا تخطيطا.

والأوضاع التي مرت بها بلاد المسلمين، والمحن التي نعيشها كشفت عن تأخرنا عن أعدائنا في كثير من أمورنا، حتى أصبحنا عالة عليهم في كثير من شئون حياتنا.

وفي الوقت الذي يخطط فيه أعداؤنا لما بعد مائة سنة أو تزيد، نجد الفشل الذريع في تخطيط المسلمين لعشر سنوات أو أقل من ذلك.

وهذا التخطيط يشمل جميع مناحي الحياة: الدعوية، والعلمية، والاقتصادية، والعسكرية، وغيرها، حتى نكون كما أراد لنا ربنا "كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ" (آل عمران: من الآية110) أمة قوية البنيان مرهوبة الجانب، تخضع لها الأمم والممالك، وتذل لها الجبابرة والملوك "وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ" (المنافقون: من الآية8).

وبهذا نحمي المسلمين، ونوجد المهابة لهم في نفوس أعدائهم، كما قال المصطفى-صلى الله عليه وسلم-: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" (1) وصدق الله العظيم: "تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم" (الأنفال: من الآية60).

إن المسلم يخطط تخطيطاً بعيداً يتجاوز الحياة الدنيا، إنه التخطيط لآخرته ومصيره بعد موته ومنقلبه عند قدومه على ربه، بل لأجل ذلك ينبغي أن يتعلم التخطيط لحياته الدنيا ليكتمل النظام في كافة جوانب حياته.

ولابد أن يسبق التخطيط وضوح الغاية والهدف ليتأتى تحديد المراحل ومن ثم التخطيط للوصول إليها، أما من عميت عليه الأهداف والغايات فلأي شيء يخطط؟

وهذه دعوة موجهة لكل مسلم أن يقف مع نفسه وقفة صادقة ليتعرف على الغايات السامية التي ينبغي أن ينفق فيها الحياة الغالية، ثم لينظر من أي الأبواب يلج إليها وماذا ينبغي عليه أن يفعل ومع من يمكن أن يتعاون للوصول إلى الهدف المنشود. 

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply