الصمت في الزمن النازي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

طالما تساءلت و نفسي كيف بإمكاننا دخول العولمة و نحن مازلنا مُجَرّدِينَ من كل الأسلحة، أو المعايير؟ ولا أقصد بذلك، الأسلحة الحربية المستعملة، التي صنعها غيرنا، من هم أقدر منّا على التقدم الفكري و الإبداعي، بل هي تلك الأسلحة المعنوية القادرة على فتك قوى العدو، إذن هي مجموعة من المعايير لم نتعلمها في حياتنا اليومية، ولن نتعلمها ما حيينا..\"

الالتزام، العدل، الحق، احترام الوقت و احترام الآخر، الأخلاق، المصداقية في القول و العمل، الضمير، الإخلاص في العمل، الموضوعية، و قيم أخرى استغنينا عنها في سبيل غاية ما، وكنت أتساءل في همس، أنحن في حاجة إلى فلسفة لنعيد حساباتنا، لنبني حياتنا، وهل استوعبنا كل الفلسفات الغابرة؟ أم نحن في حاجة إلى كتابة؟، و إذا كتبنا..، فهل يوجد قارئ، الكتابة تحتاج إلى لغة شفافة، حتى يتحول الحوار إلى سياق إنساني حيّ، و إلى قارئ يقرأ ما بين السطور، حين يقرأ، ينفعل و يفتعل، حين يقرأ يعي.. يقرر و يندد و لا يقف متفرجا، \" الكتابة موقف \" قالها أحد الكتاب الحديثين، وقد قالها قبله كتاب آخرين معروفين: سيد قطب، ندره اليازجي و.. و.. الخ، ربما يكون قد استنبطها منهم، لا يهم..، الكتابة التزام بقضية المجتمع و العالم ككل، هي نوع من النضال الواعي، لإبرام عقد جديد بين الكاتب والقارئ، و ينتابني نوع من التساؤل من جديد حول ماهية النضال و مدلوليته، هل يكون النضال في حزب أو جمعية أو حركة، أو منظمة؟ هي تساؤلات تحتاج إلى أجوبة..، الكتابة نضال متواصل من أجل موقف نتخذه، نحطم به جدار الصمت، الصمت موت في الزمن النازي، في الزمن البربري، في الزمن الحزبي، في الزمن اللازمني..

أجل نحن نعيش في اللازمن، في اللامعنى، في اللاوعي، لأننا قتلناه و على المشرحة أعلنا موت الحياة و حياة الموت، و كتبنا بأقلامنا شهادة وفاتنا في القائمة السوداء، بأيدي ملطخة بدماء الأبرياء، و أنات اليتامى و الأرامل، فإن كانت الكتابة هي صوت المجتمع ومرآته، يرى بها واقعه المزري، لماذا لا نزرعها في فضائها التي تستحقه، فأين هي تلك الكتابة المناسبة التي تصف تلك المعاناة، وأين هو ذلك الموقف الذي يكون أكثر تعبيرا من الكتابة؟..

أمام الموقف يقف الإنسان عاري الرأس، مكشوف الوجه، و حافي القدمين، مرتفع القامة ليقول كلمة حق، حتى في وجه جلاده، الصمت موت في الزمن النازي، في الزمن البربري، في الزمن الحزبي، في الزمن اللازمني..

في عصر ضاعت فيه قيمة الإنسان، حتى وهو على نعشه، يقودونه فوق النعش وهو فرح لأنه رحل عن عالم ينبذ الضعفاء، يقودونه و هو يجمل قلمه و كل ما كتبه تحت كفنه، لعل الموتى تروي جوعه وعطشه، يسار به فوق النعش وهو يحمل كل حشرجة وأنين، لكنه فرح لأنه رحل عن عالم ينبذ الضعفاء، أما القبور فقد تحولت إلى حظيرة حيوانات لا تصلح، أو ترفض البتة استضافة روحه..

من مرارة الزمن الموبوق نكتب، و نصرخ في العالم المستكين، كصرخة أمل دنقل الذي لم يسمعه أحد حتى موته، ونقول: نحن أمة تقتل مبدعيها، و تقدس اللامعنى، تعيش اللامبالاة و الفوضى، سقفها و فراشها و غطاؤها الذل، وعزاؤها \"لله المشتكى\"، فبقيت بلا وجه، بلا هوية و بلا وطن، حكمها هو القاضي، و هو الجلاد في زمن العبودية، يحكمها بسوطه و سجنه، والعولمة عبودية، عبودية بروح إنسانية، زمن فقدنا فيه كل ما هو إنساني نبيل..

سألت كل الفلسفات، و لم أجد جوابا لتساؤلاتي، و كلما أقف على فلسفة من هذه الفلسفات إلا و تزداد حيرتي، بحثت في مقولة كونت القائلة \" عش لغيرك من الناس\"، فلم أجد لها واقعا ملموسا، كل النظريات الفلسفية التي تدعو إلى الإحساس بالناس و مشاعرهم، التي تدعو إلى الشفقة، و أن يكون الإنسان مفيدا للغير، هي التي يجب أن تقرر للإنسان ما له وما عليه أن يقوم به، و يكشف الوجه الآخر للإنسان، بدت لي خرافة قرأناها و نحن على مقاعد الدراسة، وهي مصطلح لمفهوم العدمية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply