أقامت ندوة (الوفاء) الخميسية لعميدها فضيلة الشيخ/ أحمد باجنيد بالرياض محاضرة بعنوان: (رائعة الشعر العربي: بانت سعاد) للأستاذ/ بدر بن علي المطوّع المحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد أدار اللقاء الأديب الإسلامي د. عبد الله العريني، وحضره جمهور من الأدباء والمثقفين وروّاد هذه الندوة الأسبوعيّة.
مقدمة القصيدة وطابع العفّة..
بدء المحاضر الأستاذ/ بدر بن علي المطوّع قراءته بقوله: لقد جرى في الشعر الجاهلي، وشعر صدر الإسلام أن يستهلّ الشاعر العربي قصائده بالغزل، لذا ليس غريبًا أن يبدأ كعب بن زهير رضي الله عنه- قصيدته (بانت سعاد) بمقدمة غزليّة، وتعدّ وثيقة من وثائق الأدب الإسلامي، لأنه أنشدها بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي وثيقة شرعيّة، ومصدر السنة الشريفة يحتج بها في هذا المجال، وقد ثبتت، وثبت سماع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأسانيد صحيحة، كما ثبت عند عدد من أهل العلم أنّ كعب بن زهير أنشدها تائبًا طالبًا العفو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما عدد هذه المقدمة الغزلية فقد اختلف النقاد في ذلك بين اثني عشر وأربعة عشر بيتًا، كما اختلفوا في التراكيب وألفاظ الأبيات، ولعلّ الثابت أنها ثلاثة عشر بيتًا، مع حذف البيت الذي أورده محمد بن إسحاق، وفيه وصف حسّي للخمر، لأنّ ابن إسحاق يورد كثيرًا من الأشعار الكاذبة، والتي طعن بها أهل العلم، كذلك هل يصح أنّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - يرفض الفحش منثورًا ويجيزه منظومًا؟! ولولا عفّه هذا الغزل لرفض النبي - صلى الله عليه وسلم - سماعها!!
موقف النّقاد: الإشكاليّة والحلّ:
تحدّث الأستاذ المحاضر عن موقف النّقاد من مقدمة القصيدة فقال: إننا أمام فريقين:
- الفريق الأول: أباح من خلالها كل غزل وحملّها ما لا تحتمل.
- الفريق الثاني: رفضها كلّها لما فيها من ألفاظ غير لائقة كما يظنون.
ولذلك برزت عدّة إشكاليات في معالجتها من أهمّها:
1- الإشكالية الأولى: ورود أبيات لم تثبت بالأسانيد الصحيحة لا يّما البيت الذي أورده محمد بن إسحاق.
2- الإشكالية الثانية: الوصف الحسي للمرأة في أبيات المقدمة.
3- إشكالية وصف الخمر ومدحها في المقدمة.
أما الإشكالية الأولى في ورود البيت الذي أورده محمد بن إسحاق، فالبيت لم يثبت عند أهل العلم، أما مدح الخمر ووصفها في المقدمة، فلماذا لا يكون ذلك على وجه التشبيه، وقد حرّمت الخمر بالتدريجº إذ كانت محببة إلى نفوسهم، ولذا ليس من الغرابة ذكر كعب لهاº فهو يمدح معشوقته، ويشبه ريق محبوبته بالخمر على وجه التشبيه لا غير، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"إن من البيان لسحرًا\" فالرسول - عليه الصلاة والسلام - لا يبيح السحر، إنما يشبه البيان بالسحر، كما أنّ كعبًا لا يستبيح الخمر ولا يدعو لها، وكيف يكون ذلك وهو أمام رسول الله؟! أما إشكالية التصوير الحسّي للمرأة في أبيات كعب، فأبيات المقدمة تنقسم إلى قسمين: أوصاف معنوية، وأوصاف حسيّة، أما الأبيات الحسّية فهي قليلة لا تتعدى أربعة الأبيات، بينما طغى على المقدمة الغزليّة الأوصاف المعنويةº إذ وصلت إلى تسعة أبيات من ثلاثة عشر بيتًا، ولذلك يتبين أن طابع العفة هو الغالب على هذه المقدمة، مما دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى سماعها، فلا فُحش فيها، كما أنّ ألفاظها الحسيّة قليلة لا تكاد تذكر.
تساؤلات:
أثارت هذه المحاضرة الكثير من التساؤلات، ولذلك قال مدير الندوة د. عبد الله العريني: إن الموضوع هو موضوع اجتهاد، لكنّني أشكر الأستاذ/ بدر علي المطوّع على العناية الواضحة بالتوثيق من المصادر الشرعية، والأمر الذي يقرّه الرسول يصبح شرعًا، وقد أثبت لنا المحاضر سماع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقصيدة كعب، وإقراره لمقدّمتها.
ثم شارك الكثيرون من جمهور الحضور بطرح أسئلتهم، والتي جاءت في بعضها معبّرة عن إشكاليّة مقدّمة قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه- وهي: كيف نعدّ هذه القصيدة وثيقة شرعيّة؟ وهل سعاد التي يتغزّل بها كعب هي زوجته؟ وهل المقدمة تُعدّ حرامًا أم حلالاً؟ وهل ثبت بالأسانيد الصحيحة سماع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها؟! ألا يمكن أن نخرج القصيدة إلى إيحاء الرمز، وأنّ سعاد رمزٌ للأمان الذي كان ينشده كعب عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!
وذكّر الدكتور الأديب/ محمد بن سعد الدبل الجميع بأنّ الحديث عن صحابي هو كعب بن زهير رضي الله عنه-، وينبغي أخذ الحيطة والحذر في الحديث عن عقيدته أو أخلاقه أو أدبه، كما أنّ كثيرًا من الرواة جنَوا على النصوص الأدبية، إذ بدلّوا وحذفوا، ونسبوا للشاعر ما ليس من شعره!
كما أخبركم أن من شُرّاح القصيدة (بانت سعاد) الأديب السعودي أحمد بن حافظ الحكمي وقد طبع كتابه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد