رعد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
انتهى رعد من أداء ركعتين لم يذق مثل حلاوتهما، ولم يستشعر روحانية كالتي تخالجه الآن طيلة بضع وعشرين عاماً مضت من حياته، ربما لأنها قد تكون الأخيرة.

كان قد تلقى قبل لحظات الأمر من قائد خليته بتنفيذ العملية التي انتظرها بكل شوق.

ألقى نظرة على سيارته تأكد خلالها من جاهزيتها، ثم أخذ يثبت المادة التي أعطيت له في المكان المعد لها بحذر وهدوء، تناول باب السيارة بيده المفتولة، صعد بحيوية الشباب، انطلقت سيارته تشق طريقها بخطى رزينة، نظر إلى جهاز التسجيل كان متهالكاً.. لكنه يعمل!!

تلمس بأنامله بعض الأشرطة فآثر شريطاً لمقرئ يحبه.. انبعثت آيات قرآنية هادئة من المسجلة.. راح ينظر إلى شوارع مدينته الباسلة وهي تعج بأعلاج من جنود الاحتلال، وأرتال من آلياتهم...

تنهد بحرقة وهو يتمتم: آواه... يا بغداد..

آواه يا عاصمة الرشيد...

آواه يا قلعة الأسود.. ليتني ما رأيت هذا اليوم!

تراءى إلى بصره مبنى جامعته جامعة بغداد... تلك التي ما قدر له أن يكمل دراسته في أحضانها، إذ أصبحت مرتعاً لجنود الاحتلال، وسكناً لمليشياتهم.. فعاثوا فيها فساداً، وجعلوها مرتعاً للناهبين!

المفاجأة كانت أسرع... نقطة عسكرية مستحدثة لم تكن في خارطته!

هدأ من سرعة سيارته وهو يلملم أنفاسه، ويستجمع رباطة جأشه، والعرق يتصبب من جبينه...

توقفت السيارة وبابتسامة مصطنعة ألقى رعد تحية الصباح على ذلك الجندي، ثم أردف ببعض عبارات الثناء! ولم تخنه حصيلته اللغوية في ذلك...

وبكل زهو رفع ذلك الجندي كفه إيذاناً بمواصلة السير..

ثم أشار بالتوقف فجأة!!

فتجمدت الدماء في عروق رعد..

وظن أن شيئاً من الشك تسلل إلى ذلك الجندي...

مرت برهة من الصمت قطعها الجندي بقوله: هل أنت عربي، أومأ رعد برأسه، أن نعم!

الجندي بسذاجة: يبدوا أنك عربي متحضر وعصري!!.. تابع سيرك..هيا.. هيا!

واصل رعد سيره محدثاً نفسه: متحضر وعصري!! الخنوع والتبعية وسلب الإرادة حضارة وعصرية في قاموس المحتل!!

قالها وهو يطلق نظرات الانتقام التي تترجم ثورة تجوش بداخله.

كانت نظراته تلك إلى هدفه!!

بدأت معالم المبنى تتضح تعلوه لوحة خشبية كتب عليها ما فحواه \"المقر الفرعي لقيادة الوحدة الثالثة من مشاة البحرية\"!..

أحس رعد أنها ساعة الصفر، وضاعف سرعة سيارته، وأغمض عينيه وهو يتلفظ بالشهادتين، وترك سيارته تعانق المبنى!..

هرعت سيارات الإسعاف عند سماع دوي الانفجار المفزع..

تناثرت أشلاء الجنود في كل مكان.. وتكونت أكوام اختلطت فيها أنقاض المبنى بجثث المحتلين..

وصوت هادئ لآيات قرآنية ينبعث من المسجلة التي شاءت القدرة الإلهية ألا تتحطم..!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply