تراه يغذ السير مسرع الخطا، لا يلوي على شيء، وإذا ما سألته: ما لي أراك مسرعاً؟ فإنه سيجيبك أنا على عجلة من أمري، وأريد قضاء بعض الأمور قبل فوات الأوان.
وتراها مسرعة منهكة القوى مقطوعة الأنفاس، لاهثة مضطربة، ولو سألتها: لم أراك مسرعة؟ إلى أين تريدين؟ فستجيبك: أريد قضاء أمر هام لا يحتمل التأخير، أريد الوصول قبل فوات الأوان.
وتراه يستقل سيارته يقودها بسرعة جنونية يلعن الزحام، ويتجاوز الآخرين بطريقة مخالفة لقوانين السير، وعندما يستوقفه شرطي المرور ليحرر له مخالفة لتجاوز السرعة المحددة، أو لكسره بعض قواعد السير، يتعلل له قائلاً:
يا حضرة..اعذرني فإني على عجلة من أمري، فعندي موعد في المكان الفلاني، وقد تأخرت عنه، ولم يكن قصدي الإساءة لأحد، لقد كان همي الوصول إلى الموعد قبل فوات الأوان.
وتراهم يحثون سائق الحافلة ليغذ السير، ولو على حساب المخاطرة بأرواح الناس، وحينما يسألهم السائق عند سبب عجلتهم يقولون: نحن متجهون إلى المطار وقد تأخرنا، ولا بد لنا من لحاق الطائرة التي موعدها الساعة الفلانية، والتي لم يبق على موعد إقلاعها سوى بضع دقائق، فنرجو أن توصلنا قبل فوات الأوان.
وتراهن في الصباح الباكر مستاءات لتأخر المركبة عليهن، يندبن حظهن مع سائقي مركبات الأجرة، الذين لا يلتزمون بالمواعيد، وعندما تسألهن عن سبب قلقهن، يبادرن بالقول: إنهن على عجلة من أمرهن، ويردن الوصول إلى مكان عملهم قبل فوات الأوان.
وهنا يطرأ سؤال ينتظر الإجابة ألا وهو: ما الجامع بين هذه الحالات الآنفة الذكر؟
سيكون الجواب على الفور، هو السرعة للوصول إلى المقاصد قبل فوات الأوان، ولكنك لو أنعمت النظر قليلاً، وأعملت الفكر، فإنك ستجد هذا الجواب من السذاجة بمكان، وخاصة إذا ما علمت أن الجميع يسرعون مخلفين وراءهم لحظات عمرهم المعدودة المحدودة، متجهين صوب النهاية المحتومة، صوب الآخرة، صوب مصيرهم المحتوم، إنهم يهربون من أثمن ما يملكون، ليصلوا إلى ما لا يفكرون فيه في تلك الزحمة والعجلة، إنها الآخرة ملتقى الجميع، فالسباق في هذه الدنيا ينتهي بالمتسابقين جميعاً إلى الآخرة.
فيا فوز من وعى الدرس وسعى للهدف الحقيقي ضارباً الصفح عن كل هدف عارض تافه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد