طين يلتصق بطين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يمكنك الصراخ يا إسماعيل.. ما من أحد يسمع! لك النحيب! لك العويل! ولك العري في الأغلال، مغمض العينين غير أنك بجلدك ترى وبجلدك تسمع!

يمكنك الصراخ يا إسماعيل ولك إن شاء جلادك بلا إثم أن تركع! يمكنك الانعتاق من حواسك حين تعذّب بلا ذنب، وينتهك جسدك المحموم بلا إثم، ويتفرّق مزق روحك أشلاء ترتطم بجدران الأعين التي بحقدها تحدّق! وبشوقها للدم تبصق رحيق الرجولة وهي خاشعة تغادرك!

تنفّس السقوط بلا ذاكرة.. حياتك الموت يا إسماعيل! تشاهدهم برفّة القلب يصفّقون لموتك، فهل تموت؟ والموت حين يقترب من مزقك ألا يخجله عريك؟!

(الله أكبر) يا إسماعيل! بدمك تكتبها على صدر الزنزانة حين بأغلالهم يمزّقون صدرك.

(الله أكبر) ودم على الجدار.. يدعو الله، ينادي الأنبياء، يسترجع بالصمت الثقيل كل الأسماء..

مصلوباً يا إسماعيل! ومسامير جسدك تحدّق بحمرة دمك وتبصقنا.. ونحن الملايين لا نبض يحرّكنا! لا فجر في أعيننا، وحتى دود الأرض يعاف أن يأكلنا..

من حولك نحن يا اسماعيل، لست وحدك! من حولك نحن يا إسماعيل فتنفّس صبرك! من حولك نحن يا إسماعيل، فلا يخجلك عريك! من حولك نحن يا إسماعيل غير أننا.. طين يلتصق بطين!!

جمر أرواحنا يأكل بناره المستورة إرادة الصبر فينا، فنضم جناحينا على الحريق، ونلوذ بالصمت، نختار الحياة كي لا نشقى، فنجدها الموت!

نعدّ أرقاً في الظلمة الأبناء، نتفقّد خبزنا، وماءنا، وتستقر ضمائرنا، حين يحزننا أن غيرنا بلا ماء، ونتحسس أجسادنا وقد أربكنا عري من أمدّنا يوماً بالكساء..

تتكالب علينا الأمم! ويلاحق عشاق الدم الأذان، يهاجمون حياء نسائنا، وفي عتمة أعينهم يعدّون الخطط لمحو لغة القرآن، في الشيشان والبوسنة وكشمير، في أفغانستان في فلسطين والعراق، في كل أرض تعلّمت كيف تصير مرآة لطهر السماء يهاجم عدوّنا مواقع السجود، عبرات الدعاء، ويقين المجاهدين بصدق الوعد، وحلاوة اللقاء!

ويكاد ديننا يصير جمراً في أيدينا، أفنلقيه، لنلقى في جمر الأهواء؟!

سجون تحت جلد الأرض، سجون في الذاكرة، وسجون في احتراق العرض بين الصمت والحمية، سجون عظام الصدر لها قضبان! وسجون تغلق بوّاباتها على سجون.. فأيّنا الحرّ وقد تجرّعنا البلادة، بالجمود ننظر إلى عرضنا ينتهك! ويزكم دمنا أنوفنا، فنغطّيها بمناديل ورقية من صنع عدونا، نسبّه ونحن بأموالنا نشتريها لنتنفّس دمنا وقد تعفّن على حدود حواسنا، وتتطاير كالهباء! ويا ليتنا اشترينا بأموالنا دمنا، ويا ليتنا توقّفنا عن البكاء!

حمقى يقودون صفوفاً من صمّ وبكم، قطاع طرق استأمنتهم الشياه على أنفسها، فأنّى بعد أكلها ينفعها الرثاء..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply