عقدة السيدة \ د \


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 ما زلتُ أذكر تلك الأيام التي جمعتُ بها شُتات نفسي، واكتنستُ بها جيوب والدي حتى من رائحة النقود، ومضيتُ إلى مدينة العلم والأحلام المزنَّرة بعمر لا ليل فيه ولا عناء. ما زلت أذكر تلك اللحظات التي وقفت فيها على باب السيدة \"د\". تأملته عن بعد، كان ضخماً، ومرتفعاً -على الأقل- ليتناسب مع حجم البناية التي تقيم بها السيدة المصونة \"د\" فهي ضخة، وحدائقها فسيحة، ومدخلها يعج بالغادين والرائحين، تلوح على وجوههم الابتسامات، وتورق من ملامحهم الآمال والأماني الكبيرة.

اغتبطت نفسي، وتمنيت أن أصبح كأي واحدٍ, منهم، فأودَّع تلك التكشيرة التي طالما سدت بوجهي أبواب القبول والرضا.

وقفت بالباب الذي يرتفع كثيراً عن قامات الداخلين والخارجين، وازداد حراسه عن الخمسة من الرجال الأشدّاء، ذوي الشوارب الغليظة والبدلات الزرقاء الأنيقة، حتى خيّل لي أنني أقف أمام أبواب سفارة دولة تحارب أمثالي بغير هوادة، ولكوني وقتئذٍ, أمرد، فإن الحرّاس لم يأبهوا بأمري كثيراً، لأن رواد المكان لهم شوارب في الغالب- أو صلعات في مقدمة الرأس، أو في وسطه من الأعلى، وهذه الشروط لم تنطبق عليّ، لأنني لم أكن قد تنازلت للصلع عن شعرة واحدة من رأسي.

وحين سألني أحد الحرّاس عن غايتي، ارتبكت واختفى الدم من عروق وجهي حياءً، فالسيدة \"د\" أنثى.. وأنا كما أظن- رجل، فكيف لي أن أبدأ الحديث؟ لكنني على أية حال استجمعت قواي وقلت: أهذه بناية السيدة \"د\"؟ رمقني الحارس بنظرة استغراب لا تخلو من الاستخفاف بالسؤال-ربما وبسائله.

سألني الحارس الآخر بتقزز: ألم تقرأ...؟ وأشار بيده إلى اللافتة الكبيرة التي كانت تعلو بوابة البناية.

قلت: بلى، ولكنني أريد أن استوضح بعض الأمور، ثم استدركت بقولي \"لو سمحت\" لعل فيها ما يبدّد النٌّفور الذي بدا لي جلياً على ملامح وجه الحارس.

لوى الحارس الآخر عنقه وهو يقول: تفضل وسلني ما شئت. ودخل بي مكاناً يشبه \"الكشك\" وما أن جلست قبالته حتى قال: الأمر بسيط للغاية... ببحثين جيدين تستطيع أن تقترن بالسيدة \"د\" وهو اقتران \" أبدي\" لا رجعة عنه، ولا طلاق منه، ثم أضاف بعد أن قرأ من ملامح وجهي علامات الارتياح: الأهم من هذا أن توافق على شروطها. قلت مستفسراً وهي؟ قال: تصبح قريناً لها في الاسم، فتكون هي بادئة اسمك. قلت: ثم ماذا؟. قال: تستوعب تماماً نفختها السحرية، وتتصرف في كل شؤون حياتك بتأثير تلك النفخة. صمت الحارس هنيهة ثم قال: وقد تُعدَى بأحد الداءات الخمس، أو ببعضها، أو بجميعها.. وهذه الداءات مصنفة على النحو التالي.. أعني حسب الحروف الهجائية: فأولها الدفين ثم العضال ثم العقام. ثم العياء.. ثم المزمن..

قلت: قد سمعت ببعضها..!

قال: سأوضح لك معانيها كي لا تجيء إليّ بعد أشهر أو سنوات وتتهمني بأنني غبنتك..

أما الدفين فهو الداء الذي يظهر بعد خفائه.

وأما العُضال فهو الداء الذي تشتد وطأته على مر الأيام.

وأما العُقام فهو الداء الذي لا دواء له.

وأما العياء فهو الداء الذي أعيا الأطباء.

وأما المزمن فهو الداء الذي يلازم المريض زمناً طويلاً.

وحين استرجعت وقتلت: \"إنا لله وإنا إليه راجعون\" قال: تلك هي الأمراض التي غالباً ما تصيب البعض ممن يقترنون بالسيدة \"د\".

ولم يكن مصاباً بأي مما ذكرت..

قال: هو واحد ممن لم تؤثر فيهم نفخة السيدة \"د\".

غادرت المكان وأنا أتضرع إلى الله ألا أكون ممن يتأثرون بنفختها، أو يصابون بداءاتها وأن يُشفي من أصيبوا...

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply