نعم ـ والله ـ إنَّها كانت نشازا، تلك الصورة التي تصدَّرت واجهة صحيفة الرياض في أكثر من عدد، وبالتحديد في عددها رقم (13013) والتي تحمل دعاية لشريط غنائي بعنوان سخيف مستهلك (حبيتك)، أطلَّ علينا فيها ذلك الفنان ـ وللأسف ـ بتسريحة أنثوية ونظرات ناعسة، لولا ذلك الشارب الذي بقي في مكانه!!
الأسوأ في الأمر أنَّها احتلت مكانها بين صور القتلى والجرحى في فلسطين والعراق، ولم تتوار خجلاً من تلك الدماء والأشلاء، كأنها تقول:
لقد دفعت ثمن هذه المساحة فأنا أحقّ بها، أمَّا تلك الدماء والصور المأساوية، فبالمجان، ولا سواء!!!
حقاً ـ والله ـ لا سواء!! فدماء المسلمين غير مدفوعة الثمن، فبالمجان تراق وبالمجان تُنشر وتُعلن.
إنَّ الاستهتار بالمشاعر والاستخفاف بالدماء أمرٌ لا نقبله من كل أحد، عدواً كان أو صديقاً، ولا أعتقد أنَّ الأغراض الدعائية والمكاسب المادية لدينا غير مضبوطة بضوابط أخلاقية وذوقية، وأنَّ وجود تلك الدعاية ـ على الأقل ـ في الصفحة الأولى هو من هذا القبيل.
ولعلَّ في سؤال طفلي الصغير، الذي صدر عن براءة تامة، ما ألجمني عن الكلام ودفعني لكتابة هذا المقال، فبينما أشار إلى صورة ذلك الفدائي الشهيد ـ إن شاء الله ـ ليسأل عنها، أخبرته أنَّها لإخوته في فلسطين، وأنهم يدافعون عن دينهم وكرامتهم، فالتفت إلى تلك الدعاية في ركن الصفحة الأسفل ليقول: وما هذا؟ وقتها لم أستطع أن أفجعه بالحقيقة فأقول: هذا دليل على أننا أمة استمرأت الغناء والطرب ولو على الجراح!!
وأخيراً: عذراً إن قسوت في العبارةº فالتناقض لا يُحتمل، فصورة ذلك الشاب الذي نفذ العملية الفدائية ملقى في إحدى الحفر مضرجاً بدمائه التي سالت من أذنه لتغطي وجهه وعنقه كانت مؤثرة جداً، ولم تكن تسمح لأعيننا أن تتقبَّل تلك الصورة النقيض على نفس الصفحة، وخفقات القلب العجلى جراء تلك الصورة لم تسكن لتستوعب تلك الدعاية، ولا أعتقد أنَّ عاقلاً يرضى أن توضع هذه الدعاية بجوار خبر نعي لميتٍ, من الناس..
فهلاّ أحسنَّا نعيَ جراحاتنا؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد