مسامرات تراثية:
طبقت شهرته الآفاق قاضياً، وعرفه القاصي والداني فقيهاً لامعاً، وله في ذلك مواقف مشهودة، لم يجانف فيها الحق، ولم يتحيز إلى باطل، وله فراسة لا تكاد تخطىء، وأجوبة سديدة، يصيب فيها المحزَّ، ويطبق فيها المفصل. وكانت له نظرات تربوية ثاقبة، يمزج فيها بين إشفاق الوالد، وحزم المعلم، وجمال الأسلوب. قالوا: كان له ولد يحب اللعب مع الكلاب، فلما عاد الولد من الكُتّاب، سأله أبوه: أصليت الظهر؟ قال: لا. سأصليه هنا. فأخذ شريح قرطاساً وكتب إلى معلمه أبياتاً، يشرح فيها الحادثة، ويوصي بالحل، محترزاً عن مجاوزة الحد:
ترك الصلاة لأكلبٍ, يسعى لها *** يبغي الهراشَ مع البغاة الرجَّسِ
فليأتينك بكرةً بصحيفةٍ,*** كُتِبت له بصحيفة المتلمسِ
فإذا أتاكَ فداوه بملامةٍ, *** وانصحه موعظة الأديبِ الكيّسِ
وإذا هممتَ بضربه فارفق به*** وإذا بلغتَ ثلاثةَ فاحبسِ
واعلم بأنك ما أتيت فنفسُهُ*** مع ما يجرعني أعزٌّ الأنفسِ
رحم الله شريحاً، ما كان أفقهه، وأعلمه بدروس التربية. عبد الرحمن الجرعي رجال ألمع يشير في هذا البيت إلى قصة المتلمس خال طرفة بن العبد، حيث كتب لهما عمرو بن هند ملك الحيرة، إلى عامله بالبحرين يأمره بقتلهماº ففتح المتلمس صحيفته فإذا فيها الأمر بقتله، فألقاها في نهر الحيرة وهرب، وفيه قال القائل: ألقــى الصحيفـة كـي يُخفف رحــله والزادَ حتـى نعله ألقاهـا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد