جلست بين أوراقي أقلب القلم بين يدي لا أدري ماذا أكتب في مقالي الأسبوعي مع أنه أسبوعي إلا أن الأسبوع لا يكفي لصياغة فكره أو تدبيج خطبة أو تنميق عبارة غادرت الغرفة ماضيا نحو الردهة توقفت عند صندوق أسود يا الله ما هذا الصندوق ؟ وماذا يفعل هنا ؟
ثم تذكرت القصة ، هذا الصندوق هو تلفازي الذي قاطعته منذ زمن بعيد يا الله دعني أفتحه فلربما اليوم عيد انزاحت فيه آلام الأمة واندفعت فلول البغي منهزمة .
طالعتني النشرة ، قال المذيع بصوت يشبه الهمسة :
أعزائي المشاهدين إن الرؤية في ساعات الليل الأولى ستكون ضبابية بمشيئة الله لذى يرجى من الجميع لزوم منازلهم ، والاستعداد لسهرة منزلية وعند حدوث طارئ يرجى الاتصال بأقرب مركز للهلال الأحمر .
كانت هناك ضوضاء في الأسفل وجموع الدهماء حول المنزل، يا الله ماذا هناك ؟
إننا في وقت الظهيرة ، ولكن الضباب حولي ودمعي مهراق على وجنتي نظرت في الجوار ، فإذا الناس حولي جموع كأنهم ليوم الحشر ماضون ، بالكاد أبصرهم ، كلهم بين مهموم ومهزوم، وإذ جهوري شق سمعي بصوته يدعو الناس لانتفاضة تزيل عنهم الكآبة وآخر يدعوهم للرقاد فهو محض الصواب ، وهاج الجمع وماج واتسع الفتق على الرتق ، ومضيت أشق الصفوف أسعى للعتق ، إذ ذاك ليس عنا ببعيد رتل من المدرعات يسير ومعهم ضابط كبير أو إن شئت قلت جبل صغير ، وكان يستعد لإلقاء كلمه وجنوده يجلدون الناس يسوون الصفوف وأنا إلى سماعه مشوق ملهوف ، ثم عمت الفوضى الدهماء كان حظي منها لكمة عشوائي فما أن هدأت الفوضى وعم السكون واقترب الوقت المعلوم حتى دفعني أحد الدهماء فتسورت المنبر من غير حول مني ولاقوه وسقط الخطيب ثم ماذا... لسوء الحظ ما هذا الناس ينظرون إلي ؟ و الجنود في ذهول وكل ينظر ما أقول يحسبونني فتاهم المنشود ولو أنهم يعلمون بحالتي وبالعجز الذي أسطر به مقالة الأسبوع لعذرني الجمهور وقفت مذهولا ....وما في الموت شك لواقف، ثم تذكرت مذيع النشرة ورنت كلماته جرسا في أذني فوقفت منتصباً مزهواً منتعشاً ، كأني في جفن الردى وهو نائم ، فقلت بلا تردد...إخواني المسلمين إن الرؤية في أيام الأزمة الأولى ستكون ضبابية غير واضحة، فالرجاء التريث والاستعداد لنصرة إخوانكم في العراق وعند حدوث أي جديد يرجى الالتفاف حول العلماء....والسلام .
فما أحسست إلا وأنا فوق الأعناق وقد سددت إلى حل يرضي الجميع ، و أما الضابط فقد نال ترقية وتقديرا ، والشعب غدا آمناً في طريقه يسير ، و نالني أنا ما لا يرضي الجميع من تقريع الناشر وتوبيخ المدير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد