العالم والصراع التراجيدي عند هيجل


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

1 ـ هيجل:

يعتبر هيجل الفن شكلاً من أشكال (الروح المطلق) ويتميز مفهوم «التراجيدي» عنده بكونه يتمحور حول المشكلة الأخلاقية، فالصراع التراجيدي عنده، ينهض من خلال التعارض بين الدولة بأخلاقياتها العامة الجوهرية، وبين الفرد الذي يمثل الأخلاقيات الفردية، لذلك فهو يعتبر «التراجيدي» «صفة موضوعية، ويسميه وضع العالم ذي المضمون الأخلاقي والتراثي»، ولذا نراه يشدد على «ضرورة التصدي للقوى التي تفرق بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان وذاته» [مولوين ـ كيلفورد (الكوميديا والتراجيديا)].

 

إن الحدث التراجيدي، أو «التصادم» برأيه لا يأتي مصادفة، من دون أن يكون للإنسان دور بارز في نشوئه وتكوينه وهو، بهذا المعنى يستبعد الأفعال الخارجة عن إرادة الإنسان وذاته، كما أنه يستبعد فكرة القدر على أن تكون سببًا في الصراع التراجيدي.

 

بمعنى أن الحوادث التي تتسم بالحزن والألم لا تكتسب صفتها التراجيدية إلا إذا كان الإنسان مسؤولاً، أو مشاركًا بهذا الشكل أو ذلك في خلق الصراع.

 

ويميز هيجل، بدقة، بين الأحاسيس التي تمتلكنا إزاء مشاهدتنا لتلك الحوادث التي لا دخل للإنسان في وقوعها، عن تلك الأحاسيس والمشاعر التي نشعر بها في أثناء رؤيتنا للأحداث التراجيدية، فنحن لا نشعر لا بالرهبة ولا بالشفقة أمام «تلك الحقوق الناشئة عن الهمجية وعن مصادفات الأقدار، والشفقة التي تضامرنا لا تلبث أن تنقلب نفورًا أو سخطًا أو استنكارًا» [فكرة الجمال ـ هيجل].

 

أما الشفقة التي تساورنا لدى مشاهدتنا للتراجيدي فهي «تسعى إلى التعاطف مع ما هو نبيل وإيجابي وجوهري في شقاء من يكابد العذاب».

 

إن ثمة حوادث أليمة لكنها لا ترقى إلى مستوى التراجيدية، وفي هذه الحوادث لا يكون البطل سببًا لحدوثها، بل هي متأتية من الخارج بفعل «المرض أو الموت أو في أعقاب خسارة الثروة».

 

ويمضي هيجل في نظريته في التراجيديا ليميز بين القصص الحزينة المادية، وبين الفاجعة التراجيدية السامية، وتمتاز هذه الأخيرة، برأيه بالصراع وهو الذي يمنح «للتراجيدي» شرعيته وهويته، والذي من دونه تخفق التراجيديا في إثارة الانفعالات التطهيرية في نفوس المتلقين.

 

لقد أعطى هيجل للصراع التراجيدي مرتبة رفيعة وأهمية عظيمة في نظريته، ورأى فيه الجوهر الأساسي «التراجيدي».

 

والصراع عند هيجل يقوم بين خير وخير آخر، وهو ينهض برأيه نتيجة التعارض بين الحياة الأخلاقية، كما تجسدها الدولة، وبين الأخلاق الطبيعية الممثلة بالأسرة.

 

ونضيف إلى ذلك أن هيجل أكد على القيمة الأخلاقية في «التراجيدي» والتي برأيه يجب أن تكون الصفة الملازمة للصراع، فإذا لم يقترن الحدث أو الصراع التراجيدي، بالأخلاقي، فهو بذلك يفقد أسمى قيمة، فالصراع عندما ينشأ من «انتهاك لأشياء لا تدخل في فئة ما تستهتر بأنفسنا أخلاقيًا وعرفيًا، فإن النزاع يفقد في أنظارنا كل قيمة وكل أهمية جوهرية».

 

لذلك، فهو يرى أنه من الواجب أن يهتم الصراع بما هو جوهري، أخلاقي كلي، أي «الروح العالمي المطلق» ومن هنا يستمد الصراع التراجيدي قيمته الأخلاقية، ويكتسب صفة «التراجيدية» إذا استطاع «أن يجد تعليله الكامل في الظروف التي ينشب فيه»، وبالتالي يكتسب مشروعيته.

 

أما عن الشخصية التراجيدية، أو البطل التراجيدي، فيرى هيجل أنها يجب أن تكون قوية، وتنطوي على ما هو قيم، وبذلك تبث فينا، عند سقوطها، «تعاطفًا مع مصيبتها، بعد أن ثبت في أفئدتنا الخوف من القوة المنتقمة للأخلاق المهيضة الجناح».

 

وهكذا، فكلما كانت الشخصية أكثر غنى روحيًا، ازداد تأثيرها علينا.

 

ولابد للشخصية من أن «تحافظ داخل تعينها، وبالرغم منه، على كل امتلائها بالحياة، لكيلا يبقى الفرد محدودًا في حركاته وتظاهراته ولكي يكون قادرًا على شق طريقه في الأوضاع والمواقف كافة، وعلى إظهار غنى داخليته بمظاهرها الأكثر تنوعًا».

 

ويشترط هيجل إضافة إلى ذلك، وجود الحماسة في الشخصية، والتي تعبر عن حالة النفس الداخلية التي يهبها امتلاؤها القدرة على مواجهة جميع الأوضاع والظروف.

 

إن الشخصية المثالية عند هيجل، هي تلك التي تكون مركبة من العام الكلي، والخاص الفردي، وهو يؤكد هنا على الفردية، وفي الوقت ذاته يرفض أن تكون الشخصية ذات بعد واحد بمعنى أن الشخصيات التي يطلبها تنبع من «تداخل عمومية القوى وخصوصية الفرد، وتغدو بفضل هذا التداخل، وحدة ذاتية، وتركيبًا غير قابل للانحلال بجميع عناصر التعدد».

 

بقي أن نسأل، أنه إذا كان الصراع التراجيدي، عند هيجل يقوم بين خير وخير آخر فمن أين تأتي الخطيئة..؟

 

إن الخطيئة تكمن في أن «الخير الذي يختاره البطل هو خير جزئي فقط ولو أن البطل ينظر إليه كما لو كان خيرًا مطلقًا. فالصراع الذي يميز المأساة إنما يقوم بين ادعاءات أخلاقية متنافسة: الخير منصوب في مقابل الخير: فليس الخيار بين الخير والشر، وإنما بين خير وخير» [بروكسل ـ كلينت (النقد الأدبي)].
                                                        وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

نص غني

-

ليلى

01:38:11 2021-03-16

ان الكلام الذي طرحتموه في هذا المقال هو اختصار لمواضيع كثيرة ومهمه اهمها الصراع التراجيدي والتطهير والبطل التراجيدي مباركه جهودكم وشكرا جزيلا