يذكر التاريخ أن القبائل العربية كانت توحّد قواها في تحالفات، ولكن بعض القبائل القوية - وتدعى \"الجمرات \"- كانت تستغني عن ذلك الإجراء..
ومن هذه الجمرات نذكر قبيلة \" نُمير \" التي أذلّها بيت من الشعر أطلقه جرير:
فغضّ الطرف إنك من نميرٍ, ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ويقول التاريخ: إن امرأة مرت بقوم من نمير فحدّجوها بأبصارهم، فقالت لهم: تباً لكم يا بني نمير، لا أنتم اتبعتم قول الله - تعالى -: ((قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم))..
ولا أنتم اتبعتم قول الشاعر: \" فغض الطرف إنك من نمير \"!
وفي عصرنا هذا ثمة قبائل جاهلية، تعددت أسماؤها وتوحدت أهدافها، من هذه القبائل نذكر:
قبيلة الحداثيين، وقبيلة العلمانيين، والليبراليين، واليساريين، إلخ!!!
وقد اتحدت كلها في حلف واحد يدعى \" الطابور الخامس \" أو \" عصابة المجان العرب \" على حد تعبير العلامة أنور الجندي. ومهمة هذا الحلف - ولن يَقدر - هي تمزيق الأمة بمحاولة هدم عقيدتها ولغتها وتاريخها..
ولأن التاريخ يعيد نفسه، فقد أذلّ هذا الطابورَ في موقع \" راصد \" قلمُ الأديب الساحر سعيد الغامدي، وقلم الأديب الساخر محمد جربوعة، وقصيدة \" وتسألني متى تغضب؟! \" للشاعر أسامة الأحمد..
وثمة فروق بين نمير والطابور، فالأولى كانت \"جمرة\" من جمرات العرب، أما قبائل الطابور فليست سوى \"رماد\" تذروه ريح الإيمان كلما هبّت..
ونمير قد استحيت حقا من بيت جرير، فتبرأت من شاعرها الراعي النميري الذي استعدى عليها ذلك الشاعر الكبير.. أما عشائر الطابور فلم يستحيوا لا من الله ولا من الأمة ولا من قلم الغامدي و جربوعة والأحمد..
ونمير كانت مخلصة للغتها ولأمتها، أما ففتش في جيوب أفرادها لتعرف نوع العملة والدولة التي تواليها..
ولأن الوقت أثمن من أن يضيع في كشف كل أقنعة \" عصابة المجان \" فسأتناول جانبا واحدا من الجرائم التي اقترفتها هذه العصابة، وهو \"شعر الحداثة\".
هذا الشعر يتميز بخصائص كثيرة تفرّد بها، من ذلك:
أولا:
يمكنك أن تقرأه من الأسفل إلى الأعلى.. ومن اليسار إلى اليمين، دون أن تخسر شيئا من معانيه.. بل على العكس يمكنك بهذا أن تحسّن من مستوى معانيه، إذ يصبح هذا الشعر حيادياً بلا معنى!. ومن شك فليجرّب، وليقرأ أية صفحة من أي ديوان لأي حداثي.. وهنا أذكر أن لوحة تشكيلية - والفن التشكيلي هو أخ لشعر الحداثة بالرضاع - لفنان تشكيلي مشهور، هذه اللوحة نالت الجائزة الأولى في مسابقة عالمية في إيطاليا. ولكن أثناء العرض كانت منكوسة ومعلقة إلى الأسفل!! تماما كذوق صاحبها وذوق اللجنة الناقدة، فلم يتجرأ ذلك الفنان على تصحيح الخطأ وإنهاض لوحته الهاوية كي لا يخسر الجائزة!.
وهكذا احترام الحداثيين أنفسهم وإنتاجهم!
ثانيا:
\"شعر الغثاثة\" لا يمكن حفظه أبدا حتى في صدور مرتكبيه! لسبب بسيط هو أنه مناف للذائقة الإنسانية، ومفتقر إلى الموسيقا الشعرية التي تأتي من الوزن والقافية، ومن نقاء المفردات الآتي من نقاء النفس الشاعرة الخالية من العقد.. وقد طلبت يوما من أحد شعرائهم أن يسمعني قصيدة من شعره فاعتذر بأنه لا يحفظ منه شيئا! بل فوق ذلك، إن واحدا من كبار القوم سمع في محفل قصيدة قديمة له، ثم فوجئ بأنها من نظمه!.
وهذا الجفاف الموسيقى من نعم الله - تعالى - على أبناء هذه الأمة، إذ حدّ إلى حدٍّ, مذهل من سيرورة هذا الشعر اللقيط.. وهيهات أن تنطلي العملة الزائفة على العقلاء..
ثالثا:
افتقار هذا الصنف من الشعر إلى الشعور الصادق، والفكر الراقي، والبيان الجميل..
رابعا:
من \"كرامات\" هذا الشعر وأعاجيبه شهرة مرتكبيه الواسعة، رغم الأرقام المخزية في عدد مبيعات دوواينه في معارض الكتب!.. وإذا ما علمنا أن أكبر شياطينهم - واسمه يشبه اسم شيطان الجن الأكبر \" إبليس \" - لم يقدر على كتمان حبه لبني صهيون، فباح أخيرا بهذا الحب، علمنا أهم سبب لشهرة هذه الزمرة..
خامسا:
أما هدم هذا الشعر القيم القويمة، والأخلاق الكريمة، وسعيه إلى تحقيق القطيعة المعرفية مع عقيدة الأمة وتاريخها ولغتها وثوابتها، أما كل هذا فلا أظنه بخاف على القارىء الفطن الكريم..
والحمد لله وحده، فقد رفضت أمتنا شعر\" الغثاثة \" كما يرفض الجسم الحي القوي كل جرثوم وكل خلية سرطانية.. وكما ترفض الأرض الطيبة كل شجرة خبيثة، فما لها فيها من قرار..
ويا أيها الحداثيون كل حمل يتم خارج رحم الأمة هو حمل كاذب.. فإلى رحم الأمة، أو إلى مزابل التاريخ..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد