لمحة عن حياة داعية حوار مع فضيلة الدكتور عدنان علي رضا النحوي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يعتبر الأديب عدنان علي رضا النحوي أحد أبرز المنافحين عن التصور الإسلامي للأدب. وقد كرَّس لهذا الجانب جُلَّ وقته وإمكانياته. فجاء إنتاجه الأدبي غزيراً ومتنوعاً خاض به كثيراً من المعارك الفكرية مع التيار الحداثي في العالم العربي.

 

 وتتسق مؤلفات النحوي المتنوعة مع خطه الدعوي في الحياة، إذ يرى النحوي أنّ الشعر والأدب والنقد والفكر هي أشياء مترابطة لا يستغني فيها جزء عن جزء، لأنها \" تنبع من منهاج الله وترتبط به \". ويقول الدكتور النحوي: إنَّ بعض الموضوعات التي طرحها خلال مسيرته الفكرية كانت جديدة على الساحة الإسلامية خاصة في مجالي الأدب والدعوة، ويشرح النحوي في هذا الحوار جانباً من مسيرته الفكرية بين الشعر والعمل الدعوي ومنهجه الفكري.

 

س: أيٌّهما يستهلك جهداً أكثر كتابة ملحمة أم تأليف كتاب؟!

ج: يكاد يكون الوقت متقارباً بالنسبة لكتابة الملحمة أو تأليف الكتاب. إذا كان الكتاب بحجم الملحمة، ذلك لأنَّ الملحمة عندي تتألف غالباً من ثلاثة أجزاء: التعريف بمفهوم الملحمة، وهو مغاير لما تعارف عليه الكثيرون من تصوّر الملحمة على أساس وثنيّ! وأساطير كما هو عند اليونان وغيرهم، ثمَّ يأتي الجزء الثاني أعرض فيه موضوع الملحمة نثراً لأنقل رسالتي واضحة لمن لا يرغب قراءة الشعر، ثمَّ يأتي الجزء الثالث وهو موضوع الملحمة شعراً. كلّ من الملحمة والكتاب يحتاج- إلى دراسة ومراجع، وتنقيح، وهو جهد غير قليل.

 

 س: هل هناك تناسب طردي أو عكسي بين غزارة الإنتاج والجودة والإبداع؟!

ج: الجودة والإبداع في الإنتاج لا تعتمد على غزارة الإنتاج أو قلته في معظم الأحيان، إلا عند من يكتب للدنيا ولكسب شهرة موهومة، دون أن يحمل رسالة وزاداً، وموهبة، ووقتاً، وهذه هي العناصر الأربعة الرئيسة التي تقرر الإبداع والجودة، الأساس هو الموهبة التي يضعها الله فيمن يشاء من عباده، والزاد هو مسؤولية الإنسان أن يسعى بنيّة خالصة لله لينال أعلى قدر يستطيعه، والرسالة هداية من الله، أمَّا الوقت فمسؤولية الإنسان كذلك أن يوفر لكلِّ عمل الوقت العادل الأمين ليوفي بما يكتب. وربما يتساءل بعضهم عن سبب غزارة إنتاجي، فأودّ أن أشير إلى الوقت الذي أوفّره، فأنا أبدأ عملي يومياً من بعد صلاة الفجر إلى ما بعد صلاة العشاء، لا أتوقف إلا لأمر طارئ أو ضروري، وكان من رحمة الله أن هيَّأ لي أسباب ذلك. والناحية الأخرى التي سهَّلت عليَّ العمل كثيراً أني أقرأ وأكتب وفق خطة عامة، وخطة يومية أُحدِّدها مع صباح كل يوم. كما أودّ أن أشير إلى أنَّ كل ما أكتبه هو كتب منهجية مترابطة لترسم رسالتي ونهجي في الحياة، وناحية أخرى أن هذه الدراسات المنهجية ليست دراسات نظريَّة فحسب، وإنما تحمل معها الجانب المنهجيّ التطبيقي الذي أتعهّد به نفسي وأهلي وأبنائي وكل من يرغب بالتزام ذلك. والأمر الآخر هو أني بدأت أكتب في سنّ متأخرة بعد أن نما الزاد ووضح أمامي السبيل، ودرست كثيراً قبل أن أكتب، إلا الشعر فقد بدأت فيه مبكراً.

 

س: من هو النحوي الذي تريد أن يبقى في أذهان الناس: النحوي الداعية، أم الشاعر، أم المفكر؟!

 

 ج: نعم! أنا داعية إلى الله ورسوله ودين الإسلام، وبذلك كنت مفكراً وأديباً وناقداً وشاعراً. يستحيل أن أفصّل شيئاً عن شيء. إنما هي صفات مترابطة لا يستغني جزء عن جزء، ذلك لأنها كلها تنبع من منهاج الله وترتبط به. وقد يظنٌّ بعضهم أنَّ الشعر والأدب والنقد لا علاقة له بمنهاج الله. ولكن الحقيقة أنَّ منهاج الله يقدّم منهجاً متكاملاً للأدب والنقد والشعر، ولكلِّ ميادين الحياة. وقد بيّنتُ ذلك في كتابي: \" الأدب الإسلامي إنسانيّته وعالميّته \". وقد أوضحتُ ذلك في كل كتاباتي ودراساتي النظرية والتطبيقية. ولقد يسَّر الله لي بهدايته وفضله أن أقدّم موضوعات جديدة تُطرح لأول مرة في الساحة الإسلامية: الدعوة والفكر والأدب والنقد والشعر. والفضل كله لله.

لذلك أرجو أن تستقرَّ في أذهان الناس هذه الصفات كلها حتى تتضح رسالتي في الحياة.

 

س: ما الفرق بين الحداثة والتحديث؟!

ج: الفرق بين الحداثة والتحديث فرق لغوي من حيث الأساس. فالتحديث هو فعل التجديد، والحداثة هو الشيء الجديد المستحدث. وذلك سواء أكان الأمر خيراً أم شراً. وهذا من حيث الأساس، أما من حيث التطبيق فقد اكتسبت الكلمتان معاني مختلفة مع الاستعمال. كان التحديث والإتيان بشيء جديد مرفوضاً لدى الجاهليين عندما جاءهم الإسلام بالحق الذي تخلَّوا عنه وثبتوا على تقاليد وأعراف باطلة:

(مَا يَأتِيهِم مِن ذِكرٍ, مِن رَبِّهِم مُحدَثٍ, إِلا استَمَعُوهُ وَهُم يَلعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُم وَأَسَرٌّوا النَّجوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَل هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثلُكُم أَفَتَأتُونَ السِّحرَ وَأَنتُم تُبصِرُونَ)        [الأنبياء: 2-3]

فالأمر المحدث والتحديث الذي جاء به الإسلام حق وخير يجب اتباعه في الحياة كلها. أما حين استقرَّ الإسلام وثبت شرعه وبأنه الحق، فكلٌّ تحديث أو حداثة تخرج عن ذلك فهي باطلة وبدعة، فعن عائشة - رضي الله عنها - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه.

وفي الحديث الشريف الذي يرويه العرباض بن سارية - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأتي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (..... وإياكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلّ بدعة ضلالة) أخرجه أبو داود والترمذي.

وجاء أهل الحداثة اليوم، وقد ألبسوا اللفظة معاني ليست من الإسلام في شيء، فهي ردّ، وأتوا ببدع هي ضلالة. وأصبح لكلمة الحداثة تعريفات كثيرة، والحداثة أصبحت ثمرة عمليّة تحديث باطلة، وحسبنا أن نشير هنا إلى ناحية رئيسة في معناها اليوم، وهي قطع الصلة مع الماضي ديناً وتاريخاً وغير ذلك، مما هو مفصّل في كتبي عن الحداثة.

 

س: كنت من أبرز من وقفوا بوجه الحداثة؟ ماذا تقول لأصحابها بعد مرور زمن على تلاشيها؟!

ج: ماذا أقول لأصحاب الحداثة اليوم؟! أقول ما قلته سابقاً، أذكرهم بأسس الإيمان والتوحيد، وقواعد منهاج الله، وأدعوهم إلى الالتزام وعدم الاكتفاء بالشعارات. في جميع ما كتبت عن الحداثة كنت آتي بأقوالهم من كتبهم ثمَّ أعرض الآيات والأحاديث ليتبيّن بشكل واضح مخالفتهم الصريحة. ولكن لا أفتري عليهم، ولا أعتدي، إنما هي الحجّة والبيّنة من الكتاب والسنَّة. ولكن السؤال: هل تلاشت الحداثة؟!

 

س: تُرى أين اختفت الحداثة؟ وهل ستعود بلباس جديد؟!

ج: عرفت الحداثة ورجالها منذ الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، وهم يختفون تحت شعارات كثيرة ويتسللون إلى مواقع شتى، ويجدون دعماً مكشوفاً من قوى كثيرة، فيظهرون ويختفون. إنما ثمرة أعمالهم تنكشف وتظهر ولو اختفى بعض رجالها. الحداثة المباشرة ضعفت حتى ظنَّ بعضهم أنها تلاشت. إنما ما زالت تعمل متخفيّة أو متسللة. وهم يعملون على تناسق فيما بينهم. آثارهم في العالم الإسلامي واضحة فيما نلمس من انحرافات. وهم يصرون، ويعملون بوسائل تتناسب مع كلِّ واقع وحال. ويمكن أن تظهر بأي لباس جديد، وشعار جديد، وزخرف كاذب جديد، فيقع في شباكها بعض المسلمين. وقد وقع فيه الكثيرون.

 

س: ما رأيك في مصطلح \" الأدب الإسلامي \" من حيث التسمية لا الأهداف؟!

ج: مصطلح \" الأدب الإسلامي \" مناسب من حيث إنه مختصر. وقد اقترح بعضهم مصطلحات أخرى مثل: \" الأدب الملتزم بالإسلام \"، وهذا مصطلح أدقّ وأوفى، وآخرون اقترحوا \" أدب الدعوة الإسلامية \". وهذا جائز، ويمكن الاستفادة من هذه المصطلحات حسب الحاجة.

 

س: من هو الصديق الذي تمرٌّ عليك ذكراه أكثر من غيره ؟!

 ج: كل مسلم تقيّ لم ينحرف في دينه، في عمله وفكره، فمن عرفتهم في حياتي تظلّ ذكراهم حيّة نديّة في فؤادي، أدعو لهم وأكثر الدعاء!

 

س: بعد كلّ هذا العمر والجهد في التأليف والنظم، مـاذا كسبتَ وماذا افتقدتَ؟!

ج: افتقدت كثيراً من زهوة الحياة الدنيا وزخرفها، وما تقدّمه من زينة وفتنة. لقد واجهتُ تحدِّيّات كثيرة في حياتي، فكان فضل الله عليَّ عظيماً إذ أنجاني من فتنة بعد فتنة. فكسبت كما أعتقد كثيراً، وأرجو أن يكون ما عند الله خيراً من ذلك كله. أهمٌّ ما كسبته في الحياة الدنيا إيمانيّ بالله ورسوله، وبكلِّ ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكسبتُ شيئاً من العلم أهتدي به بفضل الله، وذلك أعظم ما يكسبه الإنسان في هذه الحياة الدنيا. ويبقى السؤال الأهم:هل كسبتُ رضا الله؟! هذا ما أرجوه وأدعو به وألحٌّ في الدعاء.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply