بسم الله الرحمن الرحيم
الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر، و تُعدّ من أبرز الداعيات وصولاً إلى قلب الجماهير، كونها صاحبة آراء واجتهادات في معظم القضايا والمشكلات التي تمس المجتمع الإسلامي، وللدكتورة آمنة نصير رؤيتها المتميزة في شتى القضايا الإسلامية التي تُطرح بين الحين والآخر على الساحة الإسلامية، ومن هذه القضايا دور المرأة في مجال الدعوة الإسلامية، وفتاوى الفضائيات، وعمل المرأة في المجال السياسي... ومعها كان هذا الحوار..
لأي مدى نجحت المرأة في مجال الدعوة؟
بكل صراحة مازالت خطوات المرأة بطيئة في مجال الدعوة، و على الرغم من أن عمل المرأة بالدعوة جديد في هذا العصر لكنه ليس جديداً على الدعوةº فعمل المرأة في هذا المجال هو من منطلق الحرص على خدمة الدين، فكثير من زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - كن معلمات وداعيات بين السيدات في إطار النبوةº فعمل المرأة بالدعوة قديم، ولو عدنا إلى تاريخنا لوجدنا الكثير من السيدات كن راويات للحديث وفقيهات ومعلمات...
على الرغم من أننا في جامعة الأزهر نخّرج سنوياً الآلاف من الفتيات من كليات الشريعة، فإننا لا نجد على الساحة داعيات إلاّ عدداً قليلاً لا يُعدّ على أصابع اليد الواحدة، وهذا أمر غير صحي، ونتساءل: هل أخفقنا في أن نخرج داعيات على قدر من الكفاءة حتى يخرجن للساحة الاجتماعية، ويبدأن العمل الدعوي؟
كما أننا نشعر -للأسف الشديد- أن هناك داعيات من النساء، ولكن هناك من لا يريدون إفساح الطريق أمامهن... !!
كثير من الفنانات بعد الاعتزال عملن في مجال الدعوة. كيف ترين ذلك؟
الدعوة واجب على كل مسلمة مؤهلة لذلكº فالمرأة والرجل كلاهما يسعى إلى إعلاء شأن الدين الإسلامي بالدعوة إلى الله، والقرآن الكريم قرن الرجال بالنساء في الدعوة، فيقول - تعالى -: (وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ). [سورة التوبة: من الآية 71]. ولا يمكن أن نحجر أو نمنع أي شخص من الدعوة إلى الله قال - تعالى -: (ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ). [النحل: 125].
وعندما تكون المرأة داعية مع النساء مثلها فهذا لأنها تستوعب مشاعرها ومشاكلها، وتكون لديها القدرة على الإقناع والتأثير أكبر، خاصة في الأمور التي لا تستطيع الخوض فيها بحرية مع الرجل، وعندما تكون الداعية واعية ومتمكنة من العلم الشرعي يمكنها التأثير في النساء الأخريات ومن كافه المستويات الاجتماعية والثقافية، والداعية لابد أن يكون لديها استعداد وقدرة على ممارسة الدعوة، كما أن المرأة الداعية يمكنها أن تدمج بين خبرتها وثقافتها وتجاربها والآراء الفقهية، وهي بذلك تفيد نفسها وتفيد غيرها... فالمرأة تستطيع تقديم الكثير في هذا المجالº فهي تخاطب الأمهات اللواتي يربين الأجيال، ويعددن النشءº فهي تتعامل مع لب الأسرة والمجتمع، والداعية توجه النساء اللاتي يحضرن دروسها، وتوجههن إلى كيفية التعامل مع أزواجهن، وكيف تكون كل واحدة منهن مسئولة من منطلق الحديث النبوي: \"كلكم راعٍ, وكلكم مسؤول عن رعيته\".
ولكن لابد من أن تتوافر في أي داعية الشروط، مثل: أن تكون على علم كافٍ, ووافٍ, بما تدعو الأخريات إليه، حتى لا تنقل لهن معلومات مغلوطة، وعلى أن تكون على بصيرة بما تدعو إليه، وأن تكون على وعي تام بالسيرة النبوية وعلوم القرآن الكريم، وأن تكون قدوة لغيرها من المسلمات من خلال تحليها بالأخلاق الإسلامية وآدابها.....
البعض ينظر إلى المرأة الداعية نظرة اندهاش واستغراب. هل من مسوغات لهذه النظرة؟
هذا صحيح، ولكن مرده أن هناك جهلاً عاماً بالدين، وخاصة في ظل الفترات التي ابتعد فيها الناس عن الدين، ليس فقط بالنسبة للمرأة بل والرجل أيضاً ونحن نعلم أنه خلال القرون الماضية والتي خضعت فيها البلاد الإسلامية للاستعمار ضعفت بنية المسلمين.
وأصبحت العادات والتقاليد هي المتحكم في المرأة، مما عاد بالمرأة خطوات متأخرة إلى الخلف، وجعلها تتراجع عما كانت عليه من تقدم وتطور، وعانت المرأة من الأمية الدينية، وأصبحت الدعوة يقوم بها أي شخص، وأياً كان فعلى الرغم من أن الدعوة في الأساس تُوجّه لغير المسلمين لكن الجهود التي تُبذل الآن تنصبّ على تحسين إسلام المسلمين... وقد قرر التشريع القرآني حق المرأة في ميدان الدعوة إلى الإسلام في قوله - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ, فَامتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِن عَلِمتُمُوهُنَّ مُؤمِنَاتٍ, فَلا تَرجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لا هُنَّ حِلُّ لَهُم وَلا هُم يَحِلٌّونَ لَهُنَّ). [سورة الممتحنة: من الآية 10].
وماذا عن اجتهاد المرأة؟!
إن المرأة في الإسلام صنو الرجل وشريكته لا تختلف عنه سواء في الأحكام الدينية أم في الأمور الدنيوية، إلاّ ما وضع الشارع الحكيم من ضوابط تختص بها المرأة وتناسب طبيعتها كأنثى، ولذا حدثنا التاريخ كيف أن المرأة في العهود السابقة في عصر الصحابة ومن بعدهم كانت مشاركه للرجل في كافة أعماله، فإلى جانب كونها ربة بيت كانت ترعى الأبناء وتنشر العلم وتجاهد في سبيل الله، وعليه يجوز للمرأة الاجتهاد كالرجل تماماً، وفي السلف الصالح من أمهات المؤمنين وغيرهن عالمات أخذ عنهن علماء، وتتلمذوا على أيديهن، وفي بحثنا في سير وتراجم من سبقونا كالإمام البخاري والإمام مسلم كان بين شيوخهم نساء عالمات حافظات، ولكن لما كان الاجتهاد لا يقربه إلاّ من نذر حياته لطلب العلم والرحلة، لذا نرى أن قلة من النساء ممن سهل لهن الله هذه السبل، وهذا لا يعني أن الإسلام يحظر على المرأة الفقه والاجتهاد، بل هي مع الرجل من حيث وجوب طلب العلم وتحصيل ما لابد منه كالضروري في مسائل العلم، وهي في ذلك مع الرجل سواء، بل لها الحق في إبداء الرأي والنظر فيما يقبل مثله الاجتهاد والنظر، كل ذلك في ظل أحكام الشريعة، وما تسمح به القواعدº فالإسلام بريء من التقاليد البالية والأعراف الباطلة التي تنادي بالحجر على النساء بمنعهن من إبداء الرأي والاجتهاد. إذن فالإسلام لا يتعمد تغييب المرأة عن الاجتهاد متى حازت شروطه وتوافرت الظروف المناسبة لذلك...
ما رأيك في فتاوى الفضائيات التي انتشرت بشكل كبير عبر القنوات الفضائية؟
أنا ضد \"فتاوى التيك أواي\" وطالبت كثيراً بوجود مجمع فقهي علمي يشمل كل علوم العصر، خاصة علوم البحث والحديث والتفسير والتاريخ والطب وكل العلوم والتخصصات من قبل أساتذة لهم باع طويل في هذا المجال وعقل ناضج مستنير، ويمكننا تحقيق ذلك من خلال الشخوص على اختلاف تخصصاتهمº فالفتوى في قضايا عديدة يجهلها العامة قد تثير نوعاً من البلبلة داخل المجتمع الإسلامي... علينا أن نستعين بما قدمه أسلافنا من العلماء حتى لا نُقتلع من جذورنا، ونناقش في ضوء منهجنا ما استجد من قضايا في عصرنا حتى لا نتغرب عنهم، وفي تصوري أن تُطرح كل قضية وحدها، ومن كافة الزوايا، وبهذا نستطيع أن نعيد للفتوى احترامها، ومصداقيتها، ونعيد للإفتاء هيبته وتفعيلة وسيادته. كما أن ما يُثار عبر القنوات الفضائية من فتاوى إنما هي فوضى وعشوائية، وهذه النوعية أسميها \"رصاصات الفتاوى\"، هذا أمر يجعل الناس في بلبلة وضيقº فيجب أن تكون الفتوى في مجمع شامل يضم كل العلوم والتخصصات، ثم تُذاع على الفضائيات أو بأي وسيلة بدلاً من تلك الفوضى. ولنا في فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة، فما خير بين أمرين قط إلاّ أختار أيسرها ما لم يكن أثماً، فنحن لدينا إطار ومقومات بالنسبة للفتاوى...
المرأة المسلمة والعمل السياسي إشكالية تُثار دائماً.. كيف ترينها؟
إن المرأة المسلمة شاركت في العمل السياسي منذ زمن بعيدº فبيعة النساء للنبي الكريم بعد فتح مكة سنه 7 هجرية تُعدّ وثيقة الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام، وخير شاهد على دورها في المجتمع العهد النبوي، وممارستها العملية لهذا الحق، مستمده مقوماتها التشريعية من القرآن الكريم، وذلك لقوله - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ إِذَا جَاءَكَ المُؤمِنَاتُ يُبَايِعنَكَ عَلَى أَن لا يُشرِكنَ بِاللَّهِ شَيئاً وَلا يَسرِقنَ وَلا يَزنِينَ وَلا يَقتُلنَ أَولادَهُنَّ وَلا يَأتِينَ بِبُهتَانٍ, يَفتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرجُلِهِنَّ وَلا يَعصِينَكَ فِي مَعرُوفٍ, فَبَايِعهُنَّ وَاستَغفِر لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة الممتحنة: 12]. وقد سجلت بيعة النساء وما دار فيها من حوار صريح بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين النساء دستوراً عقدياً وسياسياً على مستوى رفيع من الممارسة الفعلية لحق المرأة السياسي، وقد حوت البيعة ارتباطاً وثيقاً بين الانتقال من سلطة دوله الشرك والوثنية إلى سلطة دار الإسلام، فهو عمل سياسي وديني ترتب عليه كيان سياسي سليم للمجتمع الإسلامي.
والمنهج الإسلامي يحفل بتوضيح وبيان أنّ ما يُكلّف به الرجل تُكلّف به المرأة من مسؤوليات في ميدان العمل السياسي...
ولم يقف نشاط المرأة السياسي عند هذه البيعة بل امتد إلى بيعة العقبة الثانية التي كانت إيذاناً بهجرة الرسول الكريم من مكة إلى المدينة، ذلك على أساس قيام أصحاب تلك البيعة من أهل يثرب بحماية النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجلت المرأة في هذه البيعة دورها في البناء السياسي للدولة الإسلامية، وذلك على قدم المساواة مع الرجال، ولم يقف دور المرأة على المبايعة بالقول، ولكن شاركت بالفعل في ميدان الجهاد لتثبيت مبادئ الدعوة...
برأيك لماذا زادت حدة الخلافات الزوجية والتي أصبحت غالباً تنتهي بالطلاق والتي تصل إلى نسب مرتفعة في مجتمعاتنا الإسلامية؟
هذا واقع للأسف وكل الأسباب التي تُثار حول ذلك واهيةº لأن هناك غفلة عن السبب الرئيس لارتفاع نسبة الخلافات بين الزوجين، والتي تكاد تصل إلى حد الطلاق، والسبب الرئيس هو الابتعاد عن جوهر الإسلام، فكم من خلافات بين أزواج وزوجات حديثي الزواج، وكم من خلافات تقع بعد عشرة طويلة، والسبب هو عدم الالتزام بين الزوجين بمعاملة كل طرف للآخر، وعدم وعي بالدستور الذي وُضع لقيام العلاقة ما بين الزوجين، والواقع أنّ بناء البيت على أسس قوية تتحمل أزمات الحياة، والحقيقة أن بناء البيت هدف إسلامي كبير، لذا لابد من أن يقوم البيت على أساس كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي حال اتفاق الطرفين أنهما إذا اختلفا في أمر ردّاه إلى الكتاب والسنة فلن تصل الخلافات الزوجية إلى الحد الذي تنهار معه الأسرة...لذلك عندما يقع الخلاف أو الطلاق بين زوجين فعلينا أن نفتش عن مدى تمسكهم الحقيقي بالإسلام، وليس مجرد التمسك الظاهر دون الجوهر...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد