الدكتور صالح العجيري قراءة الطالع والأبراج من التنجيم وهو لا يرتكز على أسس علمية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن تنسيق هذا الكون يملأ القلب روعة ودهشة وشعوراً بضخامته وامتلائه بحقائق بعيدة الآماد عميقة الأغوار· ولم يدرك الناس بعلومهم إلا أطرافاً منها، ووقفوا تجاهها مبهورين تغمرهم الدهشة، وتأخذهم الروعة، ويعجزون عن تعليلها بغير افتراض قوة كبرى مدبِّرة مقدرة، ولو لم يكونوا من المؤمنين بدين من الأديان إطلاقاً·

والإشارات في القرآن إلى الحساب والتقدير في بناء الكون الكبير هي إشارة إلى اتجاه هذا الكون وارتباطه، وإشارة موحية إلى حقيقة هادية، إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول وخالقه المبدع·

وقسَّم الله - سبحانه وتعالى - بالمشاهد الكونية في مواضع كثيرة في القرآن الكريم من شأنه أن يخلع على هذه المشاهد الكونية قيمة كبرى، وأن يوجه إليها القلوب تتأمل وتتدبر، ما لها من قيمة، وماذا بها من دلالة، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم·

ومن هذا المنطلق، اتجهت <الوعي الإسلامي> لتسبر أغوار علم عالم جليل، قضى نحو من <65> عاماً في البحث والدراسة للظواهر الكونية في علوم الفلك، ومن ثم كان هذا الحوار:

 

من هو صالح العجيري:

صالح محمد صالح عبد العزيز العجيري عالم فلكي، ولد في الكويت في حي القبلة ـ سنة 1921م، تلقى تعليمه الابتدائي في الكتاتيب فتعلم اللغة العربية· والفقه والحسابات، ومبادئ اللغة الإنكليزية وطرق مسك الدفاتر المتعلقة بعلم الحساب التجاري، ثم انتقل إلى مدرسة لتربية الأطفال أنشأها والده في الفترة 1922 حتى 1928م، ثم التحق بالمدرسة المباركية العام 1937م، واستمر فيها حتى أتم بنجاح دراسة الصف الثاني الثانوي فقط، لعدم وجود العدد الكافي من الطلاب لافتتاح فصل جديد للصف الثالث الثانوي بالمدرسة، ثم عمل مدرساً بدائرة المعارف في المدرسة الشرقية، ثم في المدرسة الأحمدية، واهتم خلال هذه الفترة بعلوم الفلك فتوجه إلى القاهرة لدراسة علوم الفلك، وفي 01 فبراير العام 1946م مُنح شهادة مدارس المراسلات المصرية من مدرسة الآداب والعلوم التابعة لجامعة الملك فؤاد الأول، وفي العام 1952م، انعقدت اللجنة الفلكية العليا للاتحاد الفلكي المصري بمدينة المنصورة، ومنحته الشهادة الفلكية العلمية الثانية تقديراً لأبحاثه العلمية والرياضية القيمة، ثم عاد بعدها إلى الكويت ليكمل مسيرته العلمية في علم الفلك وتوصل إلى معلومات قيمة، وقد أثرى المكتبة العربية بالكثير من المؤلفات الفلكية منها <علم الميقات>، <كيف تحسب حوادث الكسوف والخسوف>، <خارطة ألمع نجوم السماء>، <دورة الهلال>، وتقديراً لجهوده المثمرة في هذا المجال، منحته جامعة الكويت <كلية العلوم> درجة الدكتوراة الفخرية سنة 1981م، وهي أول دكتوراه فخرية تمنحها جامعة الكويت في تاريخها، وفي العام 1988م، قُـلِّد قلادة مجلس التعاون الخليجي في العلوم الفلكية·

 

*دكتور صالح: كيف كانت بدايتك مع علم الفلك، وما الذي جذبك إليه؟

* في ربيع العام 1933م، أرسلني والدي إلى البادية لأتعلم الرماية والفروسية والحياة الخشنة، وإكرام الضيف، وكنت ضيفاً على قبيلة الرشايدة في بر <رحية> جنوب غرب الجهراء، فبهرتني سماء الصحراء بجمالها وجلالها، فتعلمت منهم أول درس في الفلك، وهو معرفة الجهات من النجوم ليلاً ومن اتجاه الكثبان والتموجات التي تحدثها الرياح على الرمال نهاراً، كذلك فإن كل شجيرة أو حجر في الصحراء يتكون في أسفله مثلث من الرمال الناعمة، ومن اتجاه المثلث نعرف الجهات، لكن سبب شغفي بعلم الفلك هو أنني منذ صغري أخاف الظواهر الطبيعية مثل قصف الرعد، ووميض البرق، والظلام، وهبوب الرياح، فدخلت بذلك إلى علم الفلك والأرصاد الجوية من باب <إعرف عدوك>، وسبق أن اطلعت على <تقويم العيوني> في صغري كما تعلمت العمل <بالربع المجيب> وهو آلة إسلامية قديمة استعملها المسلمون قديماً كأداة مسح وتوقيت، وكان علم الفلك في المنطقة من الأمور التي يصعب الحصول عليها لقلة المؤلفات في هذا العلم وندرة المهتمين به، إلا أن شغفي الشديد به مكنني من كسب حصيلة لا بأس بها من هذا العلم، ولقد تجشمت الصعاب في دراستي لعلم الفلك، فمثلاً وقع في يدي كتاب في الحسابات الفلكية اسمه <الزيج المصري الجديد> لمؤلفه الشيخ <عبد الحميد مرسي غيث>، فقرأته مراراً إلا أنه تعذر عليَّ فهم بعض أبحاثه، فقررت السفر إلى مصر للقاء المؤلف نفسه، فسافرت بالسيارة إلى البصرة، ومنها إلى بغداد بالقطار، ثم إلى بلاد الشام بسيارات شركة

<نيرن> ثم ركبت الباخرة من بيروت إلى الإسكندرية، ومنها تنقلت بالقطار إلى القاهرة، وبعد أن انتهى خط المواصلات، تنقلت على ظهور الحمير في غيطان <ميت النحاس> بمحافظة الشرقية، حتى وصلت إلى المؤلف، فوجدته قد جاوز الثمانين عاماً، فحولني إلى أحد تلامذته في القاهرة، وهو المرحوم عبد الفتاح وحيد أحمد، فأخذت عنه دروساً في الفلك·

 

توحيد الرؤيا

*ما رأيكم في الاختلاف المستمر بين الدول الإسلامية في تحديد يوم الصيام، ويوم الفطر رغم أن الهلال واحد؟ وهل من جهود نحو توحيد المسلمين في صومهم وفطرهم؟

* هذا الموضوع طويل، وكتب فيه كثيرون، وعقدت له مؤتمرات كثيرة، إلا أن أهم هذه المؤتمرات في نظري هو مؤتمر اسطنبول الذي انعقد في شهر نوفمبر العام 1978م، حيث تقدمت تركيا بدعوة لجميع الدول الإسلامية إلى عمل مؤتمر يمثل كل بلد إسلامي شخصان أحدهما عالم في الفلك، والآخر عالم في الدين، وقد حضرت كل الدول الإسلامية تقريباً إلى هذا المؤتمر، وتداولنا فيه جميع المساعي المتعلقة بالشمس والقمر، وكل ما يتعلق بهذا الموضوع، وأخيراً اتفق على أنه إذا أردنا توحيد التقويم الهجري، وتوحيد يوم صومنا، ويوم فطرنا يجب أن نتبع الأمور التالية:

1 ـ أن يولد الهلال بمعنى أن يبتعد الهلال عن الشمس·

2 ـ أن يكون للقمر مكث بمعنى غروب الشمس أولاً ثم غروب القمر·

3 ـ أن يظهر النور في جرم القمر وهذا لا يتأتى إلا إذا كان البعد الزاوي بين الشمس والقمر 7 درجات فأكثر·

4 ـ أن نضمن خروج القمر من حيز شعاع الشمس، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان ارتفاع القمر وقت غروب الشمس لا يقل عن 5.5 درجات فأكثر·

هذه الأمور هي التي تحدد بداية الشهر، وقد قام المؤتمرون بتكوين لجنة لعمل هذه الحسابات وعمل خرائط خاصة بها وكانت تمثل تسع دول من بينها الكويت للاجتماع، كل سنة، في دولة إسلامية لتحديد بداية الشهر القمري، إلا أنه في النهاية اتضح لنا أن هذا المؤتمر شأنه شأن باقي المؤتمرات، تتخذ القرارات وتحفظ في الأدراج؟! وفي رأيي أن هذه اللجنة يجب أن يُعاد إنشاؤها، وقد بدأ المسلمون في العامين الأخيرين يتقاربون في صومهم وفطرهم، فالفارق يوم بين بعض الدول وكل حسب رؤية الهلال لديه·

 

الأبراج السماوية

*نسمع كثيراً عن دخول القمر في برج العقرب، وكذلك الشمس! ما معنى ذلك وما أهمية معرفته؟ وهل من تأثير سلبي أو إيجابي على بني البشر من هذه الظواهر؟

* الإنسان في حال وجوده الأول على الأرض بهرته صفحة السماء بجلالها وجمالها، فظن أن هذا الشيء هو المسيطر على العالم، وأن هذا هو الخالق، ومن هنا ولد علم التنجيم قبل علم الفلك، فالثاني وليد للأول، وبعد أن نزلت الأديان السماوية وعلم الإنسان أن لهذا الكون خالقاً ومدبراً بدء علم الفلك·

وبدأت عملية دخول القمر في الأبراج، فالأبراج عبارة عن اثني عشر شكلاً تتكون من تجمعات النجوم والشمس والقمر في دورانهما يمران على هذه المجاميع، ومازال أهل التنجيم يعتقدون أن الأبراج السماوية في أثناء مرور القمر والشمس بهم له علاقة بطول العمر والرزق والحياة السعيدة والشقية وفي الزواج والطلاق··· إلخ، وأنا من الذين لا يعتقدون في هذا الكلام، وهذا ليس من علوم الفلك، ولكن من علوم التنجيم والذي ليس له أي أساس علمي يستند إليه·

 

*هل من علاقة بين علم الفلك وعلم الأرصاد الجوية والتنجيم؟

*علم الفلك علم رصين يستند إلى الحقائق الثابتة والقواعد الراسخة في تعلمه، وكذلك علم الأرصاد الجوية ويشبهه في كثير من النواحي فهو علم صحيح راسخ لا يستند إلى الحدس أو التخمين، أما علم التنجيم إن صح لنا أن نسميه علماً ففيه الكثير من الملابسات الخاطئة، ويفتقر إلى القواعد والأسس الصحيحة، ويعتمد ممارسوه على تغليب الظن على القواعد، ويخلط الكثير بين العلوم الثلاثة، ويظنون أن المعلومات الفلكية تأتي عن طريق الإيحاء من الجان، وهذا أمر يؤسف له، وأنا كوني فلكياً لست بعيداً عن الاتهام من أنني أمارس التعامل مع الجان، والعلوم الثلاثة كلها في مظهرها الخارجي، بل ربما في محتواها متشابهة ومتكاملة، والمنجمون يحتاجون إلى دراية الفلكيين، والفلكيون يحتاجون إلى كفاءة الأرصاد الجوية، وأرباب التنجيم يدلِّسون على الناس، ويوهمونهم، ومع ذلك فهذا العلم يقل اهتماماً عند بعض الناس ومدلولاته ترقى عندهم إلى حد التصديق، وطوالع الأبراج التي تنشر في الصحف كلها للتسلية ولإشباع فضول القراء لاستطلاع المستقبل، وإن كان فأل البرج يناسب رغبات الفرد، فإنه يقول صدق الطالع أما إذا كان في غير ما يرغب فإنه يقول <كلام جرائد>·

 

*هل للأبراج أو للكواكب الأخرى تأثيرات مزاجية ونفسية على البشر، كما يدَّعي بعضهم، على غرار تأثير القمر على البحار في عملية المد والجذر؟ وما رأيكم في عملية توفيق الأبراج للزوجين قبل الزواج؟

* لا صحة لما يقال عن تأثير الأبراج على نفسيات البشر، لكننا لو سألنا أحد العلماء الكبار ـ وهم عادة لا يقولون <لا> لأجاب لم يثبت ذلك علمياً، وكل ما أستطيع أن أقوله في هذا المجال هو أننا معشر البشر على سطح هذه الأرض خلق وسط نمر على كواكب المجرة والشمس والأبراج صعوداً ونزولاً، وهي عبارة عن مكونات، عناصر، جزيئات، كهيربات، وكل ما يجري هذا النظام في صعود أو نزول يمر علينا نحن البشر ولا شك أنه يؤثر فينا بأمر ما، أو بآخر، أما قراءة الأبراج بالشكل المبتذل فلا صحة له·

أما عن توافق الطباع بين الزوج والزوجة، فلا تحكمها الأبراج وكذلك فإن القدرات لأي شخص لا تتدخل فيها أو تغير فيها سلباً أو إيجاباً، وإرادة الله شاءت أن يختلف الناس في طبائعهم ومشاربهم لحكمة هو يريدها ونحن نلمس ذلك في شتى مناحي الحياة، وقراءة الطالع والأبراج وغيرها لا أصدقها لأنها من التنجيم الذي لا يرتكز على أسس علمية·

 

الوصول إلى سطح القمر

*تشكك بعض وكالات الفضاء في مصداقية وصول الإنسان إلى سطح القمر، معللين تشكيكهم بوجود ظل لرواد الفضاء على سطح القمر في كل الأفلام التي يعرضونها والتي صوروها على سطح القمر في حين أنه ثبت علمياً اختفاء الظل على سطح القمر، ويقولون: إنهم قد يكونون وصلوا إلى منطقة صحراوية مرتفة لها مواصفات متشابهة مثل انخفاض الجاذبية كصحراء <الأريزونا> فما تعليقكم على ذلك؟!

* هناك من يعتقدون أن الإنسان وصل إلى سطح القمر لأن هؤلاء الرواد سارو(400000 كم، ومحيط سطح الأرض كله (40000كم) أي أن المسافة المقطوعة تعادل 10 مرات ما يعادل محيط الأرض·

 

نجاة كوكب الأرض

*طالعتنا جريدة <الإندبندنت> البريطانية بتاريخ 21/6 بخبر عنوانه: <نجاة كوكب الأرض من كارثة مروعة> عندما مر كويكب في حجم ملعب كرة القدم على مسافة قريبة بلغت 75 ميلاً فقط، ليصبح سادس كويكب يهدد كوكب الأرض، ولو قُـدِّر له الارتطام بالأرض لأحدث دماراً يعادل انفجار قنبلة نووية، فما تفسيركم لهذه الظاهرة؟

* عندما تخلَّقت الكواكب السيارة وانتزعت من الشمس، وتكونت وتحجَّرت بقيت هناك أقمار تتبع هذه الكواكب وحجارة كبيرة غالباً ما تسقط على كوكب المشترى، إلا أنها أحياناً تصل إلى الأرض، وهي لا تسير في مجرات أو مسارات منتظمة، ومثال ذلك، في العام 1908م نزل كويكب في صحراء <سيبريا> وأحدث حفرة كبيرة جداً واقتلع الأشجار وأحدث دماراً·

 

ضياء الشمس ونور القمر

*في القرآن الكريم التصقت كلمة ضياء بالشمس، ونور بالقمر، وبعد مراجعة المعاجم العربية لم نجد فوارق جوهرية بين الضوء والنور، فهل من تفسير فلكي لهذا التلازم؟

* النور مستمد، والضياء ذاتي، فكلمة ضياء لازمت الشمس، لأن الضياء ينتج من إفناء الشمس لذراتها، أما القمر حجر، فنوره مستمد من الشمس·

 

كلمة العجيري للقراء:

*اجعلوا العلم من أجل أهدافكم فالمرء يدرك بالعلم ما لا يدركه بسواه، وأن ليس هناك معلم يستطيع أن يهبك العلم مثلما تهبه أنت لنفسك، فأنت خير معلم لذاتك، وبنفسك ترقى إلى سلَّم الإدراك· ويقيني أن كل إنسان يوطد العزم على أن يحصل على مبتغاه، والمعرفة أو أي عرض من الدنيا فإنه سيبلغ لا محالة بالجد والاجتهاد والعمل الدؤوب والإخلاص والتفاني.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply