الدكتور شوقي ضيف لابد من وجود صرح إعلامي إسلامي يخاطب الغرب بلغته وثقافته


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

د·شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية، ورئيس اتحاد المجامع اللغوية وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية··· عالم موسوعي من الطراز الأول وله مكانة كبرى في حقل الدراسات الإسلامية والفكرية، ويعتبر رمزاً من رموز ثقافتنا العربية، له الكثير من المؤلفات منها <تاريخ الأدب العربي في مختلف عصوره وأقاليمه< (عشرة مجلدات)، وله نحو أربعين كتاباً في دراسات أدبية ونقدية وبلاغية وقرآنية ونحوية آخرها <عالمية الإسلام< ولديه اهتمامات واسعة بمحاولة تلمس أفضل السبل للرقي بالأمة الإسلامية وانتشالها من سباتها العميق ولا سيما ونحن في بداية ألفية جديدة وعصرٍ, مغايرٍ,··· فضلاً عن كتاباته عن التراث العربي والإسلامي ومطالبته بضرورة إحيائه والاستفادة منه في مواجهة ما سمي بـ<الغزو الثقافي<·

من خلال الحوار دعا الدكتور شوقي ضيف الأمة الإسلامية إلى تصحيح أوضاعها الاقتصادية والثقافية والأخذ بمنجزات العصر العلمية والفكرية والحضارية وعدم الخمول والاتكال بدعوى أننا أصحاب حضارة وريادة، مشيراً إلى أن عالم اليوم لا يعترف إلا بالمنجزات العلمية والفكرية وأكد على ضرورة تصحيح صورة الإسلام لدى الغرب الملتصقة بالسلبية والتخلف والإرهاب وإثبات أننا أصحاب بصمة وريادة في تقدم البشرية، وأيضاً دعا إلى ضرورة وجود صرح إعلامي إسلامي يخاطب الغرب بلغته ويقدم له كل شيء عن حقيقة الإسلام وموقفه من كل القضايا المعاصرة··· وإلى الحوار·

باعتباركم من المهتمين بالتراث والحضارة الإسلامية··· كيف يمكن من وجهة نظركم تصحيح صورة الإسلام في الغرب؟

ـ يمكن تصحيح صورة الإسلام في الغرب بمحاولة نهج طرق مختلفة في التفكير والاهتمام بإبراز صورة الإسلام النقية وسماحته وحضارته العريقة وما قدمته الصورة من إسهامات علمية بارزة لعلماء أفذاذ أمثال ـ الحسن بن الهيثم، وابن سينا والخوارزمي، وابن النفيس، والبيروني ـ علاوة على إسهامات المسلمين في العصر الحديث في صفوف المعرفة المختلفة، وعلينا أن نتلمس طرق التقدم العلمي والفكري والثقافي وأن تشيع بيننا مبادئ الحرية والأمن والعدل والإخاء والمساواة، وأن نغزو بأخلاقنا الفاضلة ومبادئنا القويمة العالم، وعند ذلك لا يملك الآخر إلا التسليم لنا ولإنجازاتنا العلمية، كما علينا ألا نغفل الجانب الإعلامي الخطير الذي يسيطر عليه اليهود، محاولين تشويه صورتنا ووصفنا بالتخلف والإرهاب والرجعية والهمجية، لذلك لابد من وجود صرح إعلامي إسلامي رائد يخاطب الغرب عن الإسلام والمسلمين بثقافة الغرب ولغته وفكره، أي أن نقدم لهم عنا كل ما يريدونه وفق طرق تفكيرهم وأساليب حياتهم العصرية شرط عدم مخالفة ذلك للإسلام الحنيف، وهناك توجه على مستوى الفكر العالمي نحو المعرفة الحقيقية للإسلام بعمق وموضوعية بعيداً عن الأهواء الشخصية خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر، ونجد أن هناك أقلاماً منصفة في الغرب تكتب عن الإسلام بصفته الدين الإلهي الخاتم للرسالات وسماحته وقيمه ومبادئه، لذا فمن الضروري أن يلتقي العلماء والمفكرون المسلمون مع علماء الغرب المنصفين للحقيقة حول هذا المنظور بصرف النظر عن الاتهامات الموجهة للإسلام من بعض الكتاب والساسة الذين مازالوا يعيشون أسرى ثقافة العصور الوسطى التي تقف موقف العداء من الإسلام·

بعد موسوعتك في تاريخ الأدب العربي وكتبك في تجديد وتبسيط النحو ـ تحولت في كتاباتك الأخيرة إلى الإسلاميات··· فكيف جاء هذا التحول؟

ـ تتكون الثقافة العربية من مجموعة علوم لغوية وإسلامية، ومفروض فيمن يعني بدراسة تاريخ الأدب العربي ألا يكتفي بدراسة الشعراء والكتَّاب العرب، بل يضيف العلوم العربية لأنها جزء لا يتجزأ من الأدب، وهو ما حدث بالنسبة لي فقد عنيت في أول الأمر بتيسير النحو العربي، وألفت في ذلك كتباً مختلفة، كما كتبت في البلاغة العربية وتاريخها وتطورها ومن يدرس النحو والبلاغة والأدب العربي، إنما يدرس في كل منها جانباً من جوانب اللغة، ومعروف أن القرآن الكريم هو أساس اللغة، ومن يدرس الأدب العربي لابد أن يدرس القرآن العظيم، وهي الجوانب التي عنيت بها وكل من حظي بعد تاريخي للأدب العربي في عصوره المختلفة أن أنعم الله عليَّ بالتوجه إلى الدراسات الإسلامية وألفت الكثير من الكتب في التاريخ الإسلامي وآخرها <عالمية الإسلام< الذي ترجم إلى الفرنسية والإنكليزية وأخيراً ترجم إلى الصينية·

 

أصدرت أخيراً كتابك الأخير <عالمية الإسلام<، فهل لنا من معرفة كيف أسهم المسلمون الأوائل في تحقيق العالمية للإسلام؟

ـ إن الصحابة والمسلمين في القرن الأول الهجري كانوا يستشعرون المعاني الحقيقية لعالمية الإسلام، لذلك بذلوا في نشره كل ما في وسعهم من جهد، واستطاعوا أن ينشروه بين أكثر من نصف سكان العالم المعروف لزمنهم، وأخذ ينتشر بعد ذلك ـ بقوته الذاتية حتى عمَّ أفريقيا المدارية، والاستوائية والشرقية، وذلك عن طريق التجار وخلقهم وسلوكهم الحميد والقدوة والأخلاق الطيبة والصدق، بهذه المعاني انتشر الإسلام في أفريقيا وامتد إلى آسيا وشمل أواسطها ووصل إلى أنحاء من الصين والهند وعم ماليزيا وأندونيسيا ونزل جنوب الفلبين وبالمثل وصل الإسلام إلى أوروبا، ليس عن طريق السيف كما يزعم المغرضون، ولكن بقيمه وتعاليمه وحضارته السامية ومبادئه الراقية، وللأسف المسلمون الآن مقصرون في نشر الإسلام وتعريف الأمم بتعاليمه وقيمه في وقت العالم كله في أشد الحاجة إلى معرفة هذا الدين، وهناك نماذج سيئة تدَّعي أنها تنشر الإسلام بالعنف، ولكن الإسلام منها براء لأن الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة·

كيف يجدد المسلمون فكرهم اليوم لكي يتعايشوا مع المستجدات العصرية بصورة أكثر مدنية من وجهة نظركم؟

ـ يكون ذلك عن طريق إعمال العقل والتفكير وفتح باب الاجتهاد في مسائل الفقه الإسلامي نظراً لظهور قضايا ومسائل وإشكاليات لم يعرفها المسلمون السابقون مثل قضايا الاستنساخ وزرع الأعضاء والتبرع بها والهندسة الوراثية والموت الإكلينيكي <موت جذع المخ<، وبنوك الدم، والحيوانات المنوية المنتشرة في الغرب، لذلك لابد أن يناقش فقهاؤنا بتفكير جديد حلاً لهذه المسائل، وأن يجدوا لها حلاً في إطار الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية الثابتة والمستقرة والصالحة لكل العصور والأماكن·

 

كيف يمكن للثقافة الإسلامية مواجهة الغزو الثقافي والصمود أمام رياح التغريب العاتية في عصر تلاشت فيه الحدود والقيود؟

ـ الثقافة العربية الإسلامية إذا أردت أن أتحدث عنها أقول: إنها ثقافة منفتحة، فهي تفتح أبوابها دائماً لطلابها من كل جنس، وكل شعب لأنها تحمل في كيانها حرية واسعة ليبدي الناس فيها آراءهم، أما تعاليمها فهي أكثر من أن نعرض لها هنا، ولكن يكفي أن نعرف أنها تجعل العدل أساساً في حياة المسلمين فالمسلم مطالب بالعدل مع نفسه وجاره ووطنه ومع الناس جميعاً·

والعولمة ليست خطراً بالشكل الذي يتصوره الكثيرون، ولكن الخطر هو رفض التعاطي معها، وفي هذه الحالة ستكون خطراً حقيقياً يهدد الشعوب ثقافياً واقتصادياً ومعنوياً يهدف إلى القضاء على مقدراتها وثرواتها وتراثها ومنجزاتها الحضارية للسيطرة عليها، لذلك علينا الانتباه لواقعنا الثقافي والاهتمام بهويتنا وحضارتنا ولغتنا العربية وديننا الإسلامي وتراثه الخالد، وأن نعمل على إحياء كل ذلك حتى لا نذوب في ثقافة الآخر التي لا تسيطر إلا على الضعفاء، أما الأقوياء أمثالنا أصحاب الريادة الحضارية والتراث الضخم، فإن العولمة تتضاءل أمامنا وتندثر وتذوب إلى غير رجعة شرط إحياء تراثنا وحضارتنا في مقابل الثقافة المقبلة من الغرب·

 

قضية تعريب العلوم والطب··· قضية مهمة··· ولكن هناك آراء تقف ضد هذا الاتجاه بدعوى التخلف والتبعية وتعطيل مسيرتنا العلمية··· فما ردكم؟

ـ تعتبر قضية تعريب العلوم الغربية وتعليمها الجامعي قضية مصير الأمة العربية ومكانتها بين الأمم، فهل نظل نقترض العلوم من الغرب أم يتضافر علماؤنا على توطينها في ديارهم بلغتهم العربية مثل جميع الأمم الأوروبية التي تنبهت إلى ذلك ورأت فيه حفاظاً على هويتها وشخصيتها العلمية وضرورة لاستيعاب أبنائها للعلوم، ولا يختلف أحد على أن تعلٌّم أبناء الأمة العلوم باللغة الوطنية التي تعدٌّ قوائم أفكارهم ووجدانهم ما يجعلهم يحسونها ويتقنونها بل يبدعون فيها ويسهمون في تقدم هذه العلوم، وأكبر الأدلة على ذلك أن الأوروبيين أنفسهم كانوا يتعلمون العلوم في عصورهم الوسطى باللغة اللاتينية··· وكما هو معروف أنهم تأثروا ونقلوا العلوم من الحضارة الإسلامية وانكبوا عليها يدرسونها ويتعلمونها بلغتهم الوطنية، ما يجعلهم يتقنون هذا العلم، ومن ثمَّ أخذوا يقفزون فيها قفزات كبرى متوالية أتاحت لهم نهضتهم العلمية الحديثة، ولا نعني بتعريب العلوم أن نهمل اللغات الأجنبية كافة، بل ينبغي الاهتمام الشديد بها لكي نتابع ما وصل إليه الإنتاج العلمي العالمي وهذا ليس بدعة، فالإيطاليون والألمان يعلِّمون أبناءهم كل فروع اللغة الوطنية، ولا يتوقفون عن متابعة الإنتاج العلمي، بل المشاركة فيه ولا ينقطع حوارهم مع علماء الجنسيات الأخرى من خلال لغة أجنبية وسيطة، وهو ما تحتاجه الأمة الإسلامية أن تعدل عن التعليم بلغات أجنبية وتهم بلغاتها الوطنية حتى تستطيع أن تشارك في النهضة العالمية وتسترد قيادتها ونهضتها التي قادت بها العالم علمياً وحضارياً في القرون الماضية·

 

متى تتم وحدة المصطلح العلمي في التعريب بين بلدان العالم العربي بحيث تكون لنا لغة علمية واحدة نتداولها ونتعامل بها؟

ـ هذا أمل نسعى إلى تحقيقه في مجمع اللغة العربية، وفي اتحاد المجامع اللغوية في الوطن العربي··· وكما تحقق لأسلافنا في القديم، حيث كانوا يحاضرون ويؤلفون بلغة علمية واحدة ولم يكن لأي بلد عربي علماء مستقلون، بل كانوا جميعاً علماء لعالم تعددت أقطاره ولكل قطر دولته السياسية، أما في العلم فكانوا جميعاً ينتمون لوطن واحد، بل كانوا يتبعون لجامعة أو مؤسسة علمية واحدة، وكما تأثر أسلافنا بعلوم العالم القديم وأضافوا إليه مكونين علومهم نريد أن نتأثر نحن بعلوم العالم الحديث ونضيف إليها وتكون علومنا بلغتنا الوطنية وتعود إلى التأثير بها شرقاً وغرباً ونسهم في تقدم البشرية·

 

د·شوقي ضيف··· هل أنت قلق على حال اللغة العربية؟

ـ اللغة العربية في رأيي على عكس ما يعتقد الكثيرون تزدهر في هذا العصر ازدهاراً لم يتح لها في العصور السابقة، لأسباب كثيرة منها انتشار الصحف اليومية، هذه الصحف لو جمعت في عام من الأعوام لأصبحت تلالاً من عربية فصيحة تنتشر في جميع الأقطار العربية عن طريق الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية، وأيضاً ازدياد وعي الناس بأهمية اللغة العربية··· فهناك الكثير من المؤسسات والجمعيات والاتحادات المهتمة باللغة العربية، وفي رأيي أن اللغة العربية انتعشت منذ بداية القرن العشرين وأصبح لها كُتَّابها المشهورين وساعدت وسائل التقنية والاتصالات الحديثة على ازدهارها في ربوع الوطن العربي، فهناك نهضة لغوية تجتاح العالم العربي الآن ولاخوف على اللغة العربية لأنها لغة القرآن الذي تعهد رب العزة بحمايته فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فاللغة العربية خالدة بخلود القرآن الكريم الذي كتب لها الانتشار والعيش للأبد ومكَّن الألسنة من أن تعرفها وتتحدث بها من مختلف الشعوب العربية والإسلامية لتصبح فيما أتصور··· لغة دولية لشطر كبير من العالم·

 

رغم أنك تلميذ لـ<طه حسين< فإنك ألَّفت كتاباً عن العقاد وليس عن أستاذك··· فما السبب؟

ـ العقاد تعرض لهجوم شديد بعد وفاته، وبدأت الحملة تؤثِّر على اسم العقاد في العالم العربي، فقررت أن أكتب مدافعاً عنه وخصوصاً أن الهجوم لم يكن مبنياً على أسس علمية وللسبب نفسه وضعت كتابي عن أحمد شوقي في العام 3591م فقد هُوجم بعد الثورة لأسباب ليست أدبية أو فنية، وتحدث عنه بعضهم باعتباره شاعر العهد البائد، فأردت أن أقول لهم: إن شوقي هو أكبر قامة شعرية في القرن العشرين·

أما بالنسبة لأستاذي ومعلمي الأول طه حسين ـ الذي أتشرف بأنني تتلمذت على يديه وأشرف على رسالة الدكتوراه، فهو حامل لواء النهضة الأدبية العربية في القرن العشرين بلا منازع، ولا يمكن أي حملة أن تنال منه واسمه ثابت وقوي في العالم العربي والحديث عن طه حسين ـ وتأثيره في حياتنا الأدبية والفكرية والاجتماعية يتسع إلى ما لا نهاية·

 

باعتباركم رئيس اتحاد المجامع اللغوية ··· ما الدور الذي يضطلع به الاتحاد؟ وما تفسيركم لغلبة العضوية العلمية على اللغوية بالاتحاد·

ـ معروف أن الاتحاد يتألف من مجامع دمشق، وبغداد، والقاهرة، ومقره مدينة القاهرة، ويتكون من عضوين من كل مجمع لغوي يختارهما المجمع، العضو مدة أربع سنوات، وينتخبون أميناً عاماً، وأمينين مساعدين، واختصاصاته التنسيق بين المجامع في كل ما يتصل بالعربية، والنظر في الأعمال المطروحة على المكتب وميزانيته السنوية وتنظيم جهود المجامع وتوحيد المصطلحات العلمية، والعمل على إيجاد لغة علمية واحدة، وعقد المؤتمرات والندوات لتحقيق ذلك، والنظر في الاقتراحات التي تقدمها الهيئات اللغوة والعلمية والمشتغلين باللغة في العالم العربي·

أما بالنسبة لغلبة أعضاء العلميين على اللغويين بالمجمع فيرجع ذلك إلى أن الاتحاد يضع نصب عينيه منذ إنشائه أن يقدم للأمة العربية المصطلحات العلمية الغربية في كل علم، وهو عمل كبير قضى فيه ستين عاماً، نشر خلالها أكثر من أربعة عشر معجماً علمياً، والغرض من ذلك أن تصبح اللغة العربية لغة علمية شأنها في ذلك شأن بقية اللغات الأخرى وأيضاً حتى يصبح تدريس العلوم في الجامعات باللغة العربية أملاً في التخلص من التبعية العلمية للغرب·

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply