المثقف والسلطة.. شكل العلاقة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أكثر الأسئلة جدلاً.. ربما: من هو المثقف؟

خطر هذا السؤال على بالي مرتين في الفترة الأخيرة. الأولى وأنا أقرأ كتاباً، ترجمته (مرهقة)، للمفكر الأمريكي، الفلسطيني الأصل، (إدوارد سعيد). سعيد.. في فصل سماه (صور المثقف)، من كتابه: (الآلهة التي تفشل دائماً)، حاول أن يجيب على سؤال مماثل.. من خلال استقراء أراء بعض (المثقفين)، أمثال الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي تحدث عن (المثقف العضوي).

 

المرّة الثانية، التي قفز فيها السؤال إلى ذهني، كان في مناسبات (محلية). موقفان لشخصيتين، هما الأكثر إثارة، وربما حضوراً، في المشهد الثقافي في المملكة. الأوّل أعلن أنه رفض التوقيع على خطاب (إصلاحي)، تبنّاه عدد من المفكرين والمثقفين، بحجة أنه يصادم (مبادئه).. التي فسرها شخص مقرب منه، على أنها موقف من الخطاب (الإصلاحي)، الذي يمثل مكسباً للتيار الإسلامي.. وهو ما لا يتفق معه ذلك المثقف.. (أيدولوجياً). الثاني شخصية ثقافية وأكاديمية، شاركت في جلسات الحوار الوطني الثاني. خرج الحوار بتوصيات اتفق عليها المشاركون.. وهو أحدهم. في اللقاء الذي جمع المتحاورين بولي العهد، تسلل (المثقف) الأكاديمي الكبير، من بين الصفوف، مستخفاً بزملائه، وارتجل خطاباً (أيدولوجياً) عن الحب (!!)، نسف فيه مفهوم الحوار، وتوصيات اللقاء.. وأصول اللياقة..!

 

المثقف هو المفكر، وهو طليعة المجتمع فكرياً واجتماعياً. هو الذي يثير الأسئلة المشروعة، ويتبنى قضايا المجتمع وهمومه.. هل يكون (انتهازياً)..؟ هل يقــــــــــف مع (الحزب)، أو السلطة.. ضد الأمة..؟!هل ينقلب (ميكيافيليا) ضد فروسية المثقف؟ تبدو العلاقة بين المثقف والــــسلطة ملتبسة. هناك علاقة تضاد، وتكامل.. وعلاقة احتواء. تتوجس السلطة من المثــــقف المستقل، فتجعل منه ضداً، وخصماً.. ويصبح كل ما يصدر منه، قابل لتأويل عكسي، ويصير هو.. مطالب بتفسير أي موقف يقفه. وطنيته متهمّة، وولاؤه موضع تساؤل..!

حينما تكون العلاقة بالسلطة.. احتواءً، يتحول (المثقف) إلى بوق للسلطة، وينحدر إلى مستوى (الأداة)، التي تستخدمها السلطة، لإضفاء شكل (أخلاقي) على ممارسات (لا أخلاقية). تحتاج السلطة المثقف، لـــ (أنسنة) سياساتها، تجاه الفرد والثقافة والمجتمع. تلك السياسات الموسومة بكل ما فيه انتهاك للآدمية، وامتهان للثقافة.. إذ المثقف والثقافة، يمثلان أعلى شكل من أشكال الفعل الإنساني.

 

تكامل السلطة مع المثقف، يأخذ اتجاهين: سالب وموجب. التكامل السلبي للمثقف مع السلطة يتبدّى، حينما يتبنى (المثقف) دوراً،ضمن ترتيب معين، يظهر من خلاله، أنه ضد الطروحات الرسمية، وهو في حقيقته.. وواقع الأمر، يسعى لتكريس صـورة (نمطية) إيجـابية للسلطة.. مثل (ديمقراطية) السلطة.. وتسامحها، حيث تسمح له بالمعارضة.. وتعطي الرأي الآخر حق التعبير عن نفسه، ضمن هامش محسوب. قد يتكامل المثقف إيجابياً مع السلطة.. وهذا أمر جيد، حينما يدعم توجهاتها الإيجابية، في مسائل مثل، صيانة الحريات، والتحرك نحو هامش أوسع للمشاركة الشعبية، والشفافية في التعاطي مع الشأن العام، والتوزيع العادل للثروة، واستقلال السلطة القضائية.. واحترام حقوق الإنسان.

 

انتهازية المثقف، أفرزت تقسيمات من نوع المثقف (المرتزق): كل شيء على ما يرام طال عمرك. أو المثقف (المُسـتَـلَب): طليعة الآخر.. المغاير، الثقافة الخصم. أحداث سبتمبر، كشفت عن نماذج مخيفة من هذا النوع.. الأخير، من أولئك الذين يقومون بدور (أبي رغال)، فيقودون (الفــيل) الأمـريكي، إلى ما اعتبروه ثغـرات في (جدار) الثقافة المحلية. التقيت بمراسل لإحدى الصحف الأمريكية، كان يدور على بعض المثقفين والأكاديميين.. يحمل كتباً لمقررات مدرسية، ويتحدث عن مواضيع، وأسطر بعينها.. من بينها آيات قرآنية وأحاديث شريفة، يزعم أنها تحرّض على الكراهية، وتدعو للعنف. ذكر لي.. لما سألته، أن الذي دلّه عليها (مثقفون) سعوديون..!

 

ليبرالية المثقف المحلي.. عندما تكون (الليبرالية) في جوهرها، احترام خصوصية الآخر.. هل هي حقيقة..؟ حـين يكون (الليبرالي) في (خـندق) الأجنبي، ضد الثقافة (الوطنية).. بسبب موقف أيديولوجي..! أو حينما يمارس ازدواجية فجة في معاييره (الليبرالية): الديمقراطية، والإصلاح الدستوري.. جيدة، شرط ألا يستفيد منها التيار الإسلامي.. والتحالف مع السلطة القمعية، والنظم الدكتاتورية مبرّر إذا كان الخصم هو الإسلام.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply