بسم الله الرحمن الرحيم
تعاني الساحة الإسلامية من نقص في الكوادر النسائية، فقليلات هن النساء العالمات الداعيات ذوات الباع الطويل في علوم الشريعة. ود. آمنة نصير عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع الإسكندرية واحدة من هذه القلة الواعية المثقفة. وعن نشأتها، وجوانب شخصيتها، والقضايا التي تتبناها، ورؤيتها لأهم المشكلات التي تواجه العالم الإسلامي كان هذا الحوار.
* أين كانت نشأتك وطفولتك، وهل أثرت فيك هذه النشأة؟
** ولدت في قرية \'موشة\' التابعة لمركز أسيوط قلب الصعيد، وهي منطقة من أشرس وأعنف المناطق في صعيد مصر، وكان تعليم البنات في ذلك الوقت ضربًا من المستحيل، وقد تلقيت تعليمًا إلزاميًا حكوميا لمدة أربع سنوات وأراد والدي أن أكتفي بهذا القدر من التعليم ويكفيني أنني أقرأ وأكتب، وكان دخولي المدرسة يعني ذهابي إلى أسيوط وكان هذا مطلبًا صعبًا أن تدخل فتاة ريفية صعيدية المدرسة عام 1954، وأضربت عن الطعام وظللت أبكي ليل نهار وأتوسل لأبي حتى وافق على ذهابي إلى المدرسة، واختاروا لي المدرسة التبشيرية الأمريكية بأسيوط لأنها كانت حسنة السمعة من حيث الانضباط الذي يروق لوالدي كرجل صعيدي يحرص على القيم والوضع الاجتماعي، وكان والدي من كبار الملاك بل من الإقطاعيين ويحرص على أن يختار لأبنائه المدارس التي تناسب وضعه الاجتماعي فاختار هذه المدرسة.
وكان والدي رجلاً متفتحًا رغم أنه يعيش في بيئة منغلقة في تفكيرها، أما والدتي فكانت سيدة تقية جدًا وكانت تفوق أهل قريتها بل أهل عصرها، فكانت شاعرة بالفطرة, وكانت تقرأ القرآن وتجوده بالسماع من الراديو أو من المقرئ بصورة يعجز عنها أي إنسان، وكانت تقرض الشعر بالفطرة وتملك من حكيم الكلام ما يكفي لوضعه في كتاب، ولذلك تعلمت من أمي، التي لم تذهب إلى مدارس ولم تتعلم، تعلمت منها بلاغة العبارة، ورغم أن تعليمي أجنبي طيلة سنوات الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية ولم أكن أدرس شيئًا عن اللغة العربية، إلا أن فصاحة أمي وبلاغتها جعلتني أتذوق العبارة البليغة وأجيد الكلام بها، كما أن أمي كانت تواظب على الصلاة وتتهجد فعلمتني الصلاة وأنا عمري أربع سنوات.
* ذكرت أنك تلقيت تعليمك في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدرسة تبشيرية... فهل كنت تعانين في هذه المدرسة؟ وهل أثرت على مفاهيمك وعلى ثقافتك؟
** المدرسة التبشيرية الأمريكية بأسيوط كانت ملونة بأجمل الألوان الثقافية من كنائس وحفلات -حيث الاحتفال بالكريسماس وعيد القيامة الخ. وقد قضيت في هذه المدرسة اثني عشر عامًا. أي أنني قضيت فيها كل طفولتي وأخطر مرحلة من عمري حتى وصلت إلى الجامعة. وكانت فترة المدرسة التبشيرية فترة عصيبة في حياتي أوجدت عندي صراعًا نفسيًا هائلاً ما بين الثقافة الإسلامية والثقافة التبشيرية، وأحمد الله أن ذلك أفرز في داخلي نوعًا من اليقظة والحساسية لكل كلمة في النص الإسلامي أو في النص المسيحي، فقد كنت أدرس العهد القديم والعهد الجديد، شأني شان الطالبة المسيحية، ويوضع ذلك في تقريري وشهادتي الشهرية وهذه الدراسة كانت إجبارية ولم تكن اختيارية.
وما بين ثقافتي الإسلامية وبين العلوم التي ندرسها والمنهج الخاص الذي كانوا يلقنونه لنا، والحوار الهجومي العنيف الذي يشكك في نبي الإسلام الذي يصورونه بأنه لم يكن له عمل سوى الزواج المتكرر، وأن الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه دين دموي ودين لا إنساني.... هذه العبارات كانت دائمًا تدخل في نفسي نوعًا من الكآبة والرعب، ثم إنني كنت في سن صغيرة لا أستطيع أن أملأ هذه الفجوات التي يدخل منها المدرسات المدربات على الأساليب الماكرة للتبشير، وهذه الأساليب التي كانت تلقى أمامي الشبهات حول نبي الإسلام ومنهج الإسلام وفكر الإسلام تركت في نفسي زلزالاً عنيفًا، ولذلك فحينما تخرجت من هذه المدرسة وجاء أوان الالتحاق بالجامعة رفضت أن ألتحق بقسم اللغة الإنجليزية لدرجة أن أستاذي حجز أوراقي في هذا القسم ولكني رفضته رفضًا شديدًا رغم أنني مؤهلة لدخول هذا القسم فدراستي أجنبية وأنا أجيد الإنجليزية أفضل مما أجيد العربية، وصممت على دخول قسم الفلسفة ولا أحد يعلم لماذا هذا الإصرار.
لكني أردت أن أتسلح بالسلاح الذي أستطيع أن أرد به على الشبهات والافتراءات التي عشتها مع المبشرات طوال دراستي بالابتدائية والإعدادية والثانوية.
* هل كانت البيئة المحافظة عائقاً في طريق ثقافتك وتحقيق طموحاتك العلمية؟
** لقد كان منزلنا كبيرًا وتحيط به الحدائق، وكنت أجلس بجوار البيت بالساعات الطويلة التي تصل إلى عشر ساعات يوميًا، أقرأ كل ما تصل إليه يداي من كتب أو قصص، فقرأت كل كتب يوسف السباعي ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس والمازني والعقاد الخ. وتقريبًا قرأت كل ما كان متاحًا في الأسواق في هذه الفترة وكان عمري وقتئذ لا يتجاوز خمسة عشر عامًا.
وكان أخي الأكبر مني في كلية الحقوق وكنت أقرأ كتبه القانونية كلها، فكنت أقرأ وأخزن في عقلي كما يفعل الكمبيوتر، لدرجة أنني كنت أقرأ ما أفهمه وما لا أفهمه، وفي هذه الفترة من حياتي انشغلت بأفكار العقائد كلها.. فقد شدوني في المدرسة الأمريكية التبشيرية إلى وسوسة خطيرة، لدرجة أنني أحيانًا كنت أقول لنفسي لماذا خلقت مسلمة حتى يحرجني الناس هكذا؟.
وكنت أتمنى ألا يكون رسول الله قد تزوج كثيرًا حتى لا يعيروني به، وكنت من كثرة تجريحهم لي أشعر بنوع من الخزي ولا أستطيع الرد عليهم، وكنت أذهب فأحكي لوالدتي ذلك فكانت تهتز جدًا، وكان أخي يحضر لي كتب قصص الأنبياء وكتابات جودة السحار والطيب النجار.
وهنا أقول إن كون الإنسان ولد في دين شيء خطير جدًا، والإنسان الذي ينسلخ من دينه إنما يتعرض لزلزال، فشهادة الميلاد لإنسان في دين معين كفعل السحر بالنسبة له، والانسلاخ منه يحتاج إلى مشوار طويل من المعاناة.
* لكن ألم تكن هناك مظاهر إيجابية منك ومن زميلاتك المسلمات لمقاومة أستاذاتك المبشرات؟
** هذه المدرسة الأمريكية التبشيرية كان فيها أكثر من ألفي طالبة وكان عدد الطالبات المسلمات خمسة فقط، وكنا نحاول أن نتجمع سويًا وان نرتبط ببعض، وكانت لدينا غيرة على ديننا وهويتنا ولكن على قدر أعمارنا.
وذات مرة كانت أستاذتنا تحدثنا عن ديننا وتشكك فيه وفجأة انفجرت فيها زميلتي الأكبر مني سنًا وسبتها سبًا عنيفًا وقالت لها ليس لك دخل بديننا ونبينا وإذا جلست معنا مرة أخرى فالتزمي الصمت في هذه الأمور وبدلاً من هوايتك السخيفة هذه انظري ماذا يفعل القساوسة معكن في غرفة الاعتراف في الكنيسة.
وكان انفجار زميلتي في هذه المبشرة بردًا وسلامًا أثلج صدري وفرحت بها فرحًا شديدًا لأني أدركت أن لهم معايب مثل التي يعيبون بها ديننا.
* كيف كانت الجامعة مرحلة هامة في صياغة شخصيتك؟ وما هو دور أساتذتك في هذه الصياغة؟
** تجمعت فعلاً عدة خطوط لصياغة شخصيتي في مرحلة الجامعة، أول هذه الخطوط كان الأساتذة، ففي الفلسفة كان أستاذ التصوف هو د. محمد مصطفي حلمي - رحمه الله - وكان شخصية عملاقة ترك بصمته على شخصيتي إلى هذه اللحظة وجعلني أحب تدريس التصوف.
وفي علم الكلام تأثرت بأستاذي محمد رشاد سالم وتعلمت منه خلق الباحث المدقق الذي نفتقده للأسف في هذا العصر، كما كنت انبهر بأستاذتي الدكتورة فوقية حسين حينما كانت تقف على المنصة وتحاضر بثقة وعلم وكبرياء، وكنت أحب فيها لوازمها وهي تشرح فحينما تشعر أننا بدأنا نتغافل أو يصيبنا الملل كانت تقول النكتة التي تعيد النشاط والانتباه.
وتعلمت في علم النفس على يد أستاذتي سمية حسين أن أغوص في الشخصية وان أعرف النفسية التي أمامي وكيف أغير فكري حينا أقف لأحاضر وأشعر أن سيكولوجية البنات بدأت تنصرف عن عبارتي، وكيف أشيع جوًا من البهجة والتغيير في المدرج، وكيف أفهم شخصية الذين أتعامل معهم سواء زوج أو ابن أو ابنة أو طالبة أو تاجر أو سائق تاكسي الخ.
ولا أنسى شخصية د. محمود قاسم عميد دار العلوم الذي أحببت على يديه ابن رشد الفيلسوف وكيف نفهم تراثنا الإسلامي بقوالبنا الإسلامية مع فهم رأس المستشرق وعقليته في التعامل مع فكرنا. ولا يمكن أن أنسى أستاذي الروحي والعقلي د. علي سامي النشار وكان أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الإسكندرية.
ثم كان هناك توحد بيني وبين المنهج الذي أدرسه في حياتي المهنية والعلمية وهو اهتمامي الثقافي في نفس الوقت، ولم يحدث انقسام وهروب من التخصص ولأنني اخترته بمحض إرادتي وبحب له.
* معروف عنكم اهتمامكم بالمذهب الحنبلي ورجاله وتراثه، وكذلك الاهتمام بفكر الإمام محمد بن عبد الوهاب... ما هو سبب ذلك؟
** بعدما تخرجت من كلية البنات، وكنت أول دفعتي، اتجهت للدراسات الإسلامية، وكان اتجاهي للتيار الحنبلي بالذات فأخذت شخصية أبي الفرج ابن الجوزي، وهو الموسوعة العلمية للقرن السادس الهجري، وكان اختيارًا موفقًا بتوجيه من أستاذي د. محمد رشاد سالم وكان متخصصًا في ابن تيمية، وقال لي يا آمنة أنت صبورة ولديك استعداد عقدي معين فليتك تدرسين شخصية ابن الجوزي فهو شيخ المدرسة الحنبلية بعد أحمد بن حنبل، وكل الباحثين يخافون من الإقبال عليه من كثرة مؤلفاته.
وأقدمت خلال سنتين أقرأ تراث الرجل ليلاً ونهارًا وكان ذلك ابتداء من عام 1966 ولم يكن أحد يعرف ابن الجوزي ولم يكن يوجد من مؤلفاته البالغة 280 مؤلفًا أكثر من ستة كتب مطبوعة وجميع مؤلفاته مخطوطة، وقد أجهدتني الرسالة جدًا وكانت بعنوان \'أبو الفرج بن الجوزي.. آراؤه الكلامية والأخلاقية\' وحققت مؤلفات ابن الجوي تحقيقًا خارجيًا أكثر من مائة مخطوط.
وقد بهرت الرسالة أساتذتي المناقشين وكان منهم الشيخ عبد الرحمن بيصار الذي قال لي \'عجبت للأيدي الناعمة وهي تنحت في صخور تراث الحنابلة\'.. فقد أقبل على شخصية أبي الفرج أربعة من الباحثين الرجال قبلي وتركوه لأنه شخصية ثرية وليست سهلة وملاحقة مؤلفاته عملية شاقة جدًا.
وبعد رسالة الماجستير طلبتني السعودية بالاسم فقالوا نريد سيدة مسلمة ولها احتكاك بالتراث الحنبلي، وذهبت إلى السعودية ومكثت فيها 4 سنوات ثم وجدت أن هذا سوف يؤدي إلى تأخير رسالة الدكتوراه فقدمت استقالتي ورجعت.
ومن كثرة ما وجدت تراث الإمام محمد بن عبد الوهاب مهيمنًا على المناهج الدراسية في السعودية وعلى التفكير بأكمله في الجزيرة العربية قررت أن تكون هذه الشخصية موضوع رسالتي للدكتوراه، ودرست ابن عبد الوهاب في حيدة تامة بعيدًا عن طعن الطاعنين بحق وبدون حق وبعيدًا عن المجاملين له.
* هل أثر المخزون النفسي الذي تعرضتم له على يد المبشرين في المدرسة في إنتاجكم الثقافي والمعرفي؟
** بعد أن انخرطت في سلك التدريس بدأت أعود إلى ذاكرتي القديمة، ذاكرة مدرسة التبشير والبنية المسلمة المحافظة، وبدأ قلمي يتحرك للرد على ما كبلوا به عقلي ونفسي وما أثاروه داخلي من شبهات، وقد صببت هذا الرصيد وأفرغته في دراسة علمية من واقع المنهج والشريعة الإسلامية فكتبت ما يقرب من خمسة كتب، فكتبت عن \'حكمة الإسلام في تعدد الزوجات\' وأوضحت أن الزواج في الإسلام لم يوجد تعددًا وإنما كان التعدد موجودًا قبل الإسلام ولكنه كان تعددًا منفلتًا وبلا قيود فجاء الإسلام وقيده، وكان بلا ضوابط أخلاقية فجاء الإسلام ووضعه في ضوابط أخلاقية، فمن أنبياء بني إسرائيل من كان لديه ما يزيد عن مائة امرأة، وبالتالي فتعدد الزوجات الذي يقوم الغرب ولا يقعد بسببه ليس من تشريع الإسلام، والمتتبع لآيات القرآن في التعدد: كيف يكون؟ وما هي شروطه؟ والتعقيدات التي وضعت أمامه.. لو أراد أن يحققها جميعًا لابتعد ألف ميل قبل أن يقترب منه بميل. وإنما جعل التعدد لعلاج نفوس إنسانية جبلت على هذه الرغبة، فكان هذا التشريع لصيانة المجتمع الإسلامي ولحماية النفس البشرية حتى يبقى المجتمع نظيفًا.
وكتبت أيضًا عن \'المفهوم الحضاري للإسلام في الحرب والسلام\' ورددت على المخزون الذي اختزله اللاشعور حول أن الإسلام دين دموي لا يعرف مكانة للإنسان وأنه لا يهتم بإنسانية الإنسان، وبينت كيف أن الإسلام دين متحضر وليس دين عدوان ولا دين دموي انتشر بحد السيف كما يزعم الغرب، فوصايا الخلفاء المسلمين للمحاربين كانت من قبيل [لا تجهزوا على جريح، ولا تتعقبوا هاربًا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تذبحوا ذبيحة لإتلافها، ولا تطاردوا عجوزًا] وبالتالي سبق الإسلام ميثاق حقوق الإنسان الحديث الذي لا يحترمه الغرب.
وتوجد وثائق إسلامية كثيرة في احترام الإنسان واحترام الحيوان واحترام الجريح والأسير بصورة لم تعرفها البشرية، ولا تحدث الحرب إلا بعد المكاتبات والمراسلات والدخول في الدعوة إلى الدين، ولا تأتي الحرب إلا بعد العدوان على العقيدة.. فأين الدموية وأين اللاإنسانية الغربية من كل هذا؟. وماذا نقول عن الجرائم التي ارتكبت في البوسنة والهرسك والشيشان وكوسوفا وأفغانستان والعراق وفلسطين. ؟ إنني أقول للغربيين إن هذه اللعنات ستطاردكم إلى يوم القيامة.
وكتبت عن الحدود في الإسلام، التي قالوا عنها إنها صورة بشعة ولا إنسانية، وقلت إن الحدود لا تنفذ بهذه الصورة الساذجة التي يتصورها البعض، فعندما نتأمل حد القتل في الزنا فمن غير الممكن أن ينفذ هذا الحد في الإنسان إذا كان عنده ذرة من أخلاق لأنه لا ينفذ فيه الحد إلا إذا شهد عليه أربعة، ومن هو هذا الفاسق الذي يصل بمجمونه وفسقه حتى يكون على مرأى من أربعة أفراد.
وهذا الحد تحصين لكرامة المجتمع إذا وجد مثل هذا الإنسان الذي لا يجوز أن يبقى في المجتمع، ولا يوجد في تاريخ الإسلام إلا عدد محدود نفذ فيه هذا الحد، وكان بعد أن يأتي هو ويقر ويعترف.
ولي كتاب عن موقف الإسلام من حماية البيئة، وآخر عن المرأة الإسلامية بين عدل التشريع وسوء التطبيق، وإنسانية الإنسان في الإسلام، ومباحث في علوم العقيدة الخ.
* من خلال تخصصك كيف ترين هموم ومشاكل العالم الإسلامي؟
ج: لابد أن ندرس التاريخ وخاصة تاريخ بني إسرائيل بالذات، من عهد موسى - عليه السلام - حتى عهد يشوع بن نون، إلى عهد رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلى عهد مناحم بيجن ورابين ونتنياهو وشارون.. لابد أن ندرس هذا التاريخ ونتأمله سياسيًا وسيكولوجيًا واجتماعيًا؟.
فبنو إسرائيل شعب كما لقبه المسيح - عليه السلام - \'شعب صلب الرقبة\' أي أن طبيعته أنه شعب متغطرس لا يسلم لإنسان ولا يثق في إنسان ولا يعرف حسن النية ولا يعرف إيفاء بعهد ولا سلامًا مع غير. وهذه قضايا مسلم بها في تاريخهم منذ نشأتهم وإلى يوم القيامة حتى وهم مع موسى نبيهم الكريم، فقد خرجوا من مصر بمعجزة حيث انشق لهم البحر ونجوا من فرعون.
وكان ينزل عليهم المن والسلوى وكتب لهم الله جل جلاله الشريعة، وبعد ذلك يمسكون بهارون ويقولون له لقد جئت بنا في برية سيناء أنت وأخوك كي تقتلوننا ونترك قدور اللحم والثوم والبصل والعدس.
وفور أن يتركهم موسى يسبكون الذهب الذي سرقوه من المصريين ويصنع لهم السامري منه العجل ليعبدوه، وحينما أمرهم نبي الله موسى بدخول الأرض المقدسة رفضوا وقالوا: [اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون] وحكم الله عليهم بعد ذلك كله أن يتيهوا في سيناء أربعين سنة وكانت هذه الفترة هي الصدمة الشديدة التي تعلموا منها كثيرًا.
فحينما جاء يشوع بن نون ربى أطفالهم عما يعنيه دخول الأرض المقدسة.. لكنهم للأسف حينما دخلوا الأرض المقدسة دخلوها كالكلاب الناهشة فحرقوا الأرض وقلعوا الزرع وقتلوا الأنفس وضربوا أريحا وحرقوها.
وهكذا فقد تعلم بنو إسرائيل من درس الكسل الذي عاملوا به موسى - عليه السلام -.. وبالتالي فحينما دخلوا الأرض المقدسة مع يشوع بن نون دخلوها على الجثث وهذا هو التاريخ يعيد نفسه فالفلسطينيون منذ عام 1948 تعرضوا للتيه ودخلوا فيه من خلال بيع الأرض والتعاون على الخيانة والجاسوسية ولم يكترثوا بقيمة الوطن ولم يتكاتفوا مع من ذهب إليهم.
وأنا أعتبر أن أطفال الانتفاضة وأطفال الحجارة في فلسطين مثل أطفال بني إسرائيل الذين تربوا على يد يشوع بن نون الذي قاد إسرائيل حتى دخل بهم الأرض المقدسة. فأطفال الحجارة الفلسطينية الآن يحزنون لإذلال اليهود لهم من خلال سجنهم وغلق الشوارع وغلق المدن وقتل المصلين وتكسير العظام والتعذيب وهدم المنازل ومصادرة الأراضي الخ.
وسيأتي اليوم الذي يعيد التاريخ فيه نفسه.. فهذا عامل نفسي يصيغ طفل الحجارة الآن.. وعلينا - نحن المسلمين - أن ندرس التاريخ جيدًا وألا نكون سذجًا.. فإن كثيرًا من العرب تصوروا أن العرب واليهود أبناء عمومة وسيأتي اليوم الذي ستنمى فيه المنطقة اقتصاديًا وتقوم فيها المشاركة والنسب. وأنا أقول هيهات هيهات، فلو كان ذلك حقًا لتحقق في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلنا، فاليهود كما هم اليهود الذين كان يناديهم المسيح \'يا الأولاد الأفاعي\'.
كما أنني أتأسف لأن العالم الإسلامي لم يستطع أن يجعل من صلة العقيدة وشيجة للقربى وتذويب الفوراق والاختلافات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد