بسم الله الرحمن الرحيم
الإعلام بشتى أنواعه المقروء والمسموع والمرئي له تأثير في بلورة التوجهات لدى قطاع عريض من المتلقين وذلك بسبب ما تفرضه الصورة والكلمة المؤثرة من بريق أخاذ على أي موضوع تتناوله، ولهذا نرى كماً مخيفا من التأثيرات الخلقية والتوجهات الفكرية والسلوكية طرأت على كثير من شبابنا وشاباتنا كان للتجليات الإعلامية المخزية في كثير من وسائل إعلامنا العربي دور في غرسها في نفوسهم بل والترويج لها.
إن المجتمع العربي والإسلامي يعاني في الحقيقة من كثير من وسائل الإعلام فهناك تحولات خطيرة جدا طرأت على الحياة الاجتماعية العربية والإسلامية سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي، فلقد ألقت القنوات الفضائية خصوصا بظلالها على كثير من العلاقات الزوجية فتسببت في انفصام روح المحبة والوئام الذي يحكم الحياة الزوجية لينتقل إلى حالات من التشنج والخصام ومن ثم إلى الطلاق والفراق الذي هو في الحقيقة ضرب للكيان الأسري في صميمه، وهو مشهد أدى إليه ما تعرضه تلك القنوات من مناظر النساء الفاتنات المفتونات التي يكفي النظر إليهن فقط إلى اللعب بعقول كثير ممن لا عقل لهم ولا دين فيؤدي به ذلك إلى المقارنة بين ما عند تلك الفتاة القادمة من الفضاء وبين ما عند زوجته الأرضية البسيطة التي لا تعرف تغنج ولا مياعة فتيات الغلاف الفضائي ومن ثم تبدأ المشاكل والخلافات التي تبدأ بالخصام ولا تنتهي بالطلاق.
إننا في الحقيقة أمام أزمة إعلامية كبرى ويجب أن نعترف وألا ندس رأسنا في التراب بل لابد من القول بأن الكثير من وسائل إعلامنا العربي بشتى أنواعه هو تحت يد قسمين من الناس، القسم الأول قسم مادي بحت لا يهتم بالخلق ولا بالقيم بقدر اهتمامه بالربح المادي فقط فعقيدته الإعلامية وهمه الأكبر الكسب المادي والمادي فقط ولهذا تراه لا يمانع من إنشاء قناة دينية إن كان الكسب المادي فيها فإذا تغيرت موازين الربح والخسارة ورجحت كفة قنوات (الرقص والفيديو كليب) حول تلك القناة إلى قناة الأغاني وقد يتحول إلى قناة الرياضة وربما تكون في يوم آخر قناة التربية والتعليم وهكذا يدور حيث دار الربح المادي دون مراعاة لثوابت الأمة وقيمها وأخلاقها لأن (الجمهور باختصار عايز كده).
وأما القسم الثاني فهو صاحب مبدأ وصاحب فكر ولكن غالب هذا القسم هم من أرباب الفكر المنحرف المتأرجح بين العلمانية والقومية والاشتراكية، وهؤلاء هم مكمن الخطر فإذا كان الفريق الأول قد تكفل بنشر الشهوات والترويج لها باسم التفتح والحرية فإن الفريق الثاني قد تولى أمر نشر الشبهات الفكرية والتشوهات العقلية بين جمهور عريض من الناس فلم يترك أرباب هذا التوجه ممن يسيطرون على كثير من الوسائل الإعلامية وسيلة من وسائل التشكيك في عقيدة المسلمين وأخلاقهم إلا سلكوه، فمن تهوين أمر التدين في قلوب الناس إلى تزيين ما عند الغرب وتصويره في صورة الحسن وإن كان مصادماً للدين إلى إشاعة عقيدة التبرج والسفور والدفاع عنها باسم حقوق المرأة إلى الرقص على جراحات الأمة وخذلانها في أدق مواقفها حساسية إلى الأدوار المخابراتية الصرفة، وكل ذلك في قائمة تبدأ من حيث نتخيل أو لا نتخيل ولا تقف عند حد ما ضربناه من الأمثلة التي هي غيض من فيض الواقع المزري للإعلام العربي المستغرب.
إنه وفي ظلال العولمة أو بالأصح في ظلال الأمركة نجد الحرص الرهيب من قبل الآخر على نقل ثقافته إلينا كراهية لا طوعا مع حرصه المتناهي على إلغاء هويتنا تماما وهو أمر قد لا نتعجب منه خصوصا أنه يأتي من عدو حاقد متربص يعلم أن مصير جميع مصالحه مرهون بمدى قدرته على تدمير بنيتنا الروحية والخلقية والاجتماعية ولكننا نتعجب حين نرى الكثير من وسائل الإعلام العربي أشد حرصا وأكثر إصرارا من صاحب الشأن نفسه على تسريع التغريب وتزيين التذويب.
لقد أصبحت أكثر وسائل الإعلام العربي بوقا سمجا ملأ الدنيا إزعاجا وضجيجا لقضايا جعلت من الكماليات ضروريات ومن العقائد عادات ومن العبادات تشنجات ومن الأخلاقيات مخالفات، وهذه الغثائية طاشت بالعقول وغيرت وبدلت وحللت ما حرم الله وحرمت ما أحل الله وقربت من أبعده الله وأبعدت من قربه الله، فأصبحنا نرى القنوات العربية تفتح باب الحرام على مصراعيه من خلال الترويج للعلاقات الآثمة بين الجنسين فهذا مسلسل (رومانسي) يتناول العلاقات خارج إطار الزوجية بأسلوب يضفي عليها الشرعية، وذلك برنامج يتم فيه جمع فتاة بلغت الثالثة والعشرين مع شاب في التاسعة عشرة من عمره ليحاورهما في موضوع يدور حول الفراش ومغامراته بأسلوب بهيمي همجي يتم تسويقه تحت شعار الثقافة والحرية والانفتاح الذي تبشر به بعض قنوات الفضاء السمجة.
إنني أرى أننا أمام وضع إعلامي صارخ في جملته محتاج ودون تأخير إلى إصلاح شامل جذري، حيث لا تكفي الحلول الترميمية للتشوهات العقدية والخلقية التي يكرسها ذلك الإعلام فنحن بحاجة إلى إعادة ومراجعة شاملة للأهداف التي من أجلها وجد الإعلام فمن غير المعقول أن ندعي الخيرية لأنفسنا والتي هي في الحقيقة من صفات الأمة المحمدية ثم يكون هذا هو واقع إعلام أمتنا.
إنه لزاماً علينا أن نقر بأن الإعلام العربي والإسلامي في جملته لا يمثل فكر هذه الأمة ولا طموحها كما هو مشاهد وهو إعلام يهدم ولا يبني في غالبه، ولا أبالغ إن قلت بأنه إعلام مترجم لما عند الآخر من توجهات ترجمة حرفية دون تنقيح أو تمييز وهذا ما جعله إعلاماً محاكياً ليس له شخصية مستقلة تميزه عن غثائية إعلام الأهواء والشهوات.
قد يتساءل الكثيرون وهذا من حقهم: ما هو الحل إذاً؟
وجوابي على ذلك في نقطتين أختم بهما هذا المقال:
الأولى: أن يعاد النظر في كثير من القائمين على وسائل الإعلام العربي وخصوصاً الفضائي منها وأن يكون المقام مقام القوي الأمين وليس مقام المتسلق الرزين.
والنقطة الثانية: دعم وسائل الإعلام التي تنطلق من ثوابت الأمة ولا تغفل الأخذ بكل ما هو جديد لا يتعارض مع الدين، ولعله يتيسر في القريب العاجل حديث عن تجربة إعلامية رائدة كمثال لما أردت من النقطة الثانية والله من وراء القصد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد