الإعلام العربي وغياب التأثير في الساحة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر الإعلام بشكل عام من أهم العوامل المؤثرة على العالم، مثله مثل الجيوش في تأثيرها، بل ربما يكون أكثر أثراً لما له من أثار باقية في النفوس حتى بعد انتهاء المعارك ذاتها، ومثله مثل المال!!

إن الإعلام اليوم يتصدر كل حراك العالم، بل إنه صانع الحدث الأول، ومغير ملامح الشعوب، لذلك تركز الأنظمة العالمية - خاصة الفطنة منها - على هذه الوسيلة التأثيرية الشاملة قبل غيرها، فتنفق عليها أموالاً طائلة لتطويرها وزيادة فاعليتها في التأثير، وتتسابق الأنظمة العالمية في تسهيل دورها لأنها تخدم مصالحها أكثر، فيمكنها تزيين القبيح، وتقبيح الجميل، وتزييف الحقائق، وإحقاق الزيف بحسب الهدف الذي تريده تلك الأنظمه، ويمكنها استمالة المجتمعات، وتبرير المواقف وإن كانت خاطئة.

واليوم وسط الثورة العالمية في وسائل التكنولوجيا ووسائل المواصلات والاتصالات بلغ الإعلام القمة مع تنوع وسائله التي تجعل العالم كله بين يدي على مدار الساعة.

 

الإعلام واليهود:

الأنظمة العالمية الحديثة أدركت ضرورة وسائل الإعلام وأهميتها في تحريك العالم كله إلى جانب قوة السلاح، وقوة الجيوش، فتسابقت على تحديث إعلامها، وعددت وسائله بمختلف تخصصاته وصوره، وأنفقت أموالاً طائلة عليه للإمساك بزمام السبق والتفرد.

وحيث أن قوة الدعاية الإعلامية والشائعة التي هي من أهم وسائل الإعلام عبر العصور المختلفة اشتهر بها اليهودº فقد تسابق أغنياؤهم لامتلاك مؤسسات الدعاية والإعلام، فكانت أهم وسيلة عندهم قبل التحرك العسكري من أجل تأسيس كيانهم الصهيوني في جسد الأمة العربية والإسلامية، فهم لا يتورعون عن الكذب والفحش والدجل، ولا تحكمهم قيود أو آداب، ولا يفهم من كلامي هذا أنني ألقي عجزنا كأمة عربية وإسلامية وتقصيرنا على اليهود، ولكن قولي يستند إلى استقراء واقع ملموس بين أظهرنا، فهم يسعون في خطة منهجية، ومشروع مرسومº لاستمالة عاطفة الشعوب لخدمة قضيتهم، واستمرار دولتهم وكيانهم، وقد استطاعوا بالفعل - عن طريق الإعلام والمال - الوصول إلى مراكز القرار في الولايات المتحدة، وفي أوروبا، بل جعلوا العالم الغربي كله يتعاطف معهم - خاصة عندما حبكوا قصة محرقة الهولوكوست -.

وحيث وجهوا إعلامهم في كل الدول الغربية لخدمة أهدافهم استطاعوا أن يستميلوا الرأي العام الغربي إلى جانبهم في كل قضية من قضاياهم المعاصرة، وإذا تحدث أحد عنهم بما لا يحبون، أو تطرق إلى القضايا المفتعلة سرعان ما يسيطرون عليه، من ذلك مثلاً ما أثاره البرفيسور الفرنسي روجيه جارودي وكاتب سويسري آخر حول كذب ما يدعيه اليهود حول قضية الهولوكوست، وذهبا إلى أنها مفتعلة من اليهود لكي يكسبوا تعاطف العالم معهم!! فكانت العاقبة محاكمة الرجلين، وسجنهما عندما رفع الصهاينة قضية ضدهما أثاروها في جميع وسائلهم الإعلامية باعتبارها من المسلمات التي لا تمس!

وكذلك بين الحين والآخر عندما ينتقد شخص ما اليهود يثيرون ضده سوط معادات السامية! وكان آخر هؤلاء رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد الذي قال:

إن قلة من اليهود استطاعوا حكم العالم!! في إشارة منه بقوة إعلامهم، وضعف المسلمين في هذا الجانب، وجوانب أخرى.. فضج اليهود لهذه المقولة!!

وفي السنوات الأخيرة منذ عام 1996م إلى2000م استطاع اليهود كذلك إجبار البنوك السويسرية لتعويضاتهم مليارات الدولارات تحت تأثير القضية آنفة الذكر (الهولوكوست)، فضلاً عن تأثيرهم على الحكومات الألمانية المتعاقبة والشعب الألماني في جعلهم يحسون بالذنب!! ولا ننسى ذلك النائب الألماني الذي انتقد إسرائيل في تصريحاته فكان عاقبته الطرد من البرلمان، ورفع الحصانة عنه، وطرده أيضاً من حزبه!! تحت مبرر معاداة السامية! هذه بعض الإشارات فقط في كيفية استثمار اليهود إعلامهم في خدمة قضاياهم.

إن تأثيراتهم الإعلامية بلغت في عام 1948م عند إعلانهم قيام دولتهم اللقيطة \"إسرائيل\" حداً جعلت معه أوروبا ومعظم دول العالم تتسابق للاعتراف بها فوراً!! واستطاعوا جمع الأموال الطائلة في حملة تبرعات بعد عام 1948م، جعلت الدولة الإسرائيلية أكثر ثراءً من الدول العربية مجتمعة!! وكذلك تسارعت الحكومات الغربية لتقديم المساعدة لليهود فأمدتهم بالتكنولوجيا النووية كما فعلت فرنسا.

إننا ندرك عبر المراحل التي لحقت عام 1948م كيف استطاع الإعلام اليهودي توظيف الإعلام على الساحة العالمية، وعلى مراكز صنع القرار العالمي في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمنظمات العالمية التي إن طرحت أي قضية من قضايا إسرائيل عليها كانت لصالحها، وتبنتها المنظومة الدولية بسرعة مذهلة تشريعاً وتنفيذاً، وإن كانت القضية ضد إسرائيل ذابت كذوبان الملح بل أشد، فمثلاً ما يتعلق بالقرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والتحيز الأمريكي لها، واستخدام الفيتو الأمريكي في كل قرار يمس إسرائيل، في حين إعلام الدول العربية مجتمعة والعالم الإسلامي ما استطاع التأثير ولو بـ 2% لصالح القضايا العربية والإسلامية، ومنها قضية فلسطين والعراق.

 

الإعلام وأحداث سبتمبر:

كلنا أدرك كيف استطاع الإعلام الصهيوأمريكي أن يتصاعد بسرعة فائقة، ووتيرة عاليةº في قضية الحرب على العراق، وكيف استطاع أيضاً حشد العالم كله في شهر واحد أو أقل في قضية ما يسمى \"الحرب على الإرهاب\" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بكلمة واحدة: (إما معنا أو ضدنا)، مما جعل الأنظمة العالمية بدولها كلها تسرع لإظهار الولاء التام للولايات المتحدة!! واستطاع اليهود أيضاً توظيف ذلك الحدث الرهيب لصالح قضيتهم، وخدمة أهدافهم بسرعة خاطفة، فكان أول من صرح بإلقاء الذنب على المسلمين والإسلام هم اليهودº وعلى رأسهم شارون.

ذلك الحدث الذي لا يزال غامضاً في كثير من جوانبه ومفتعليه، حيث أن كثيراً من الإشارات تدل على أنه مفتعل أمريكياً ويهودياً ليكون مبرراً لهم باتخاذ الخطوات اللاحقة كما أشارت لذلك المخابرات الألمانية وكثير من الهيئات والمنظمات الدولية، في حين أن أسامة بن لادن لم يعترف به صراحة، ولا يملك الإمكانيات الضخمة لفعل ذلك، وإخفاء بعض التقارير عن لجنة التحقيقات، وبعض التحفظات على بعض المسائل تشير بأصابع الاتهام إلى من يقف خلف هذا الحدث!! في الوقت الذي كان الإعلام اليهودي والأمريكي يوظفون الحدث ضد العرب والمسلمين، في حين وقف العرب والمسلمون مذهولين من الحدث مما جعلهم في ربكة من أنفسهم، وجعلهم يقفون موقف المدافع المذنب.

 

الإعلام والعراق:

وتصاعدت وتيرة الإعلام كذلك لتطال نيرانها العراق، واستدعى البيت الأبيض كبار المحررين في الصحف والكتاب الأمريكيين لكي يتعاونوا في صياغة الخطابات التي يلقيها بوش عقب الحدث، واجتمع كبير كتاب خطابات الرئيس وهو مايكل جرسون المساعد الرئيسي لكارين هيوز مشرفة الخطابات الرئاسية مع ديفيد فروم قائلين للأخير: (هل نستطيع الاعتماد عليك في صياغة فقرات في خطاب الرئيس تكفي لشرح الأسباب التي تدعونا لتقصد العراق؟) حيث كانت لا تزال قضية العراق غامضة في دوافع استهدافها مرة بالربط بين الإرهاب وصدام، ومرة في التحالف بين صدام وابن لادن، ووصل المستشارون الصحفيون بعد شهر تقريباً من بداية الحملة لقضية افتعال أسلحة الدمار الشامل، وربط العراق بمحور الشر، وكان لا يزال محور الشر في خطاب بوش يتمثل في العراق وإيران فقط، مما جعل أحد مستشاري الرئيس يقول له: إننا بذلك قد نستثير العالم الإسلامي باستهدافهم وحدهم، ولا بد من دولة ثالثة خارج العالم الإسلامي تحول هذه النظرة فأدخلت كوريا الشمالية كنوع من ذر الرماد على العيون، بحسب ما ورد في كتاب ديفيد فروم.

 

الإعلام العربي الغائب عن الساحة:

لم يستطع العالم العربي والإسلامي صد تلك الحملة الإعلامية التي أفضت إلى نكبة العراق، ونكبة العرب أساساً، فصار لسان حالهم (نفسي.. نفسي.. اللهم سلم سلم)، ولم يسمع للإعلام العربي صدى ولو على أبسط تأثير في الساحة العالمية بشأن السلاح النووي الإسرائيلي الذي هو حقيقة ظاهرة، ولم يستثمر تلك الضجة التي أحدثها كاشف السر النووي الإسرائيلي (موردخاي فنونو) بشأن أن إسرائيل تمتلك ما بين 200 إلى 400 قنبلة نووية كافية لتدمير الشرق الأوسط كله!!

وسط هذا الضجيج نجد الإعلام العربي لا يتكلم ولو حتى بخجل بهذا الشأن في حين أن دولة إسرائيل استعدت له استعداداً كاملاً، فأرسلت وفودها من الوزراء إلى الدول العربية ذاتها لكي تطمس هذا الأثر الذي بدأ ينتشر غباره، فأرسلت إلى المغرب وموريتانيا ومصر والأردن وقطر في حين لم تتحرك الأنظمة العربية بشيء يذكر مع أنهم هم المستهدفون بذلك السلاح الإسرائيلي، وكانت فرصة الدول العربية سانحة لتأجيج هذه الحملة، وتسليط الضوء على هذا السلاح الفتاك، مع تحرك وحيد لقناة الجزيرة بهذا الشأن، ولو كانت القضية مثل: العراق أو إيران فإن القيادات العربية لا تخجل أن تكون هي أولى المتحركين تنديداً وتصريحاً كما فعلت مع عدم وجوده أصلاً.

ومن القضايا الأخرى التي لم يستثمرها الإعلام العربي - في حين ثارت في أوروبا - استطلاع الرأي العام الأوروبي حول أي الدول تمثل أشد خطراً على السلام العالمي - والذي رعته إحدى المؤسسات هناك - فجاءت الآراء بغالبية كبيرة أن إسرائيل تمثل أشد الدول خطراً على السلام العالمي بنسبة 59% من الأصوات!!، فلم نر أو نسمع أي استثمار لهذا الحدث الذي يعري وجه إسرائيل أمام المجتمعات الدولية، في حين أحدث هذا الموضوع زلزالاً على الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل شارون وحكومته يتحركون فوراً إلى البلدان الأوروبية التي استنطقها الاستطلاع لتقديم احتجاجهم على هذا الأمر!! وضجت كذلك الولايات المتحدة لهذا الحدث الهام، وأشهر الإسرائيليون مرة أخرى سوطهم المسلط (معاداة السامية) أمام عمل إعلامي كهذا!

 

مواقف نادرة:

لقد ظهر الإعلام العربي والإسلامي في أحسن حالاته وصوره في بداية انتفاضة الأقصى المبارك مطلع عام 2000م حين بدا عليه بعض التوجه الصحيح، والعمل الدؤوب، بشكل أحدث أثراً حسناً لاستمالة الرأي العام العالمي مع القضية الفلسطينية.

حتى بدأ الناس يعرفون عن القضية أشياء كثيرة، لكنها كانت شمعة مضيئة سرعان ما انطفأت، ونكص الإعلام العربي على عقبيه مرة أخرى!! مما أشعرنا أننا لسنا قليلي الإمكانيات - بل هناك إمكانيات ضخمة لو وظفت التوظيف الصحيح لغيرنا مجرى الأمور -، فقد جعل الإعلام العربي والإسلامي يومها الكيان الصهيوني يشعر بالعزلة، والموقف الأمريكي بدأ مطأطئ الرأس، لكن أحداث سبتمبر أعطت للصهاينة الفرصة ليردوا بها الصاع صاعين للعالمين العربي والإسلامي، مما جعل الأمل في انفراج القضية الفلسطينية يبدو مستحيلاً في الوضع الراهن.

إن الأنظمة العربية وإعلامها اليوم أمام اختبار حقيقي أمام هذه القضية الخطيرة التي ظلوا يتحدثون عنها باستحياء في الأعوام السابقة - في مواقف نادرة -، وباستطاعتهم لو وجهوا إعلامهم لمدة شهر واحد فقط أن يقلبوا الأمر رأساً على عقب، وأن يحرجوا الأنظمة الصديقة لهم، والراعية للكيان الصهيونيº لتجبر هذا الكيان لإخضاع أسلحته النووية للتفتيش الدولي، والعمل على نزعها، ونحن ندرك أنهم قادرون على فعل ذلك إذا امتلكوا الجرأة والشجاعة، ورسموا الهدف، والمشروع الذي يسعون لأجلهº عندها سيتحول الأمر، لكن عزائمهم لم ترد ذلك، وما فتئوا يخرجون من الدوار الذي أصابهم به حادث سبتمبر الذي زود الكيان الصهيوني بشيئين اثنين هما: قوة تأثيره على مصادر القرار العالمي، وضعف وصمت أعدائه العرب والمسلمين.

إننا لا ندرك من إعلامنا - وللأسف - سوى الترويج للأنظمة، وتزيين كيانها للشعوب، وستر عورات تتكشف يوماً بعد آخر، وكم سيرقع المرقع، وإلى متى سيستمر هذا الترقيع، ربما إلى حين يتفرغ الإعلام من القضايا الكبيرة التي ينشغل بها في مقابلة مع فنان، أو الاحتفال بمغنية تفتن الجمهور بصدرها العاري، أو حدث الساعة حول ممثلة تظهر في ثنائية جميلة مع زوجها، بعدها سيتفرغ الإعلام العربي الموقر إلى الترهات الصغيرة في تغطية أحداث المقاومة في العراق، والملف النووي لإسرائيل الأقل أهمية إلى حركة عيال الانتفاضة!!

 

أسباب ضعف الإعلام العربي والإسلامي، وقوة الإعلام اليهودي والأمريكي:

·         عدم التوجيه الصحيح لوسائل إعلامنا المختلفة، في حين أن الإعلام الآخر موجه توجيهاً يخدم كافة القضايا التي يريد إثارتها وتحقيقها.

·         عدم وضوح الرؤية والهدف والمشروع أو بالأصح \"إعلام بلا مشروع يسعى إلى تحقيقه\" بعكس الإعلام الآخر.

·         العشوائية، وعدم تقديم الأولويات، في حين أن للإعلام الآخر أولويات لا يتجاوزها إلى غيرها.

·         التقييد المتبع، والتقليد، وعدم التطورº فالحكومات العربية والإسلامية تقيد الإعلام، وحرية الكلمة، وحرية التعبير، والانفتاح على الإعلام العالمي، ولا أقصد الانفتاح السلبي الذي يفهمه كثير من الناس - ومنهم الإعلاميون - المتمثل بالغناء الغربي، والرقص، والتمثيل العاري وما شابه ذلكº وإنما الانفتاح في أخذ الجيد النافع الذي يخدم قضايانا التي نسعى إليها، وإيجاد النقد البناء وليس السب والشتم للآخر، والتشكيك فيه.

·         عدم الشفافية في الفكر والآراء المطروحة بعكس ما عند الآخرين.

·         عدم إيلاء الاهتمام الكافي والدعم اللازم لوسائل الإعلام المختلفة لكي تظهر بمظهر القوة، في حين أن اليهود وأثريائهم ما إن يسمعوا بوسيلة من وسائل نشر من صحافة أو كتب أو إذاعة أو تلفزيون تعلن إفلاسها إلا سارع المشترون لها ليدفعوا بسخاء يصل إلى مليارات الدولارات، لأن ذلك سيكسب لهم وسيلة جديدة، وسلاحاً إضافياً يحاربون به غيرهم، في حين أن وسائلنا غير كافية، وغير مدعومة الدعم الكافي من مال، وسياسة، وكادر، وإمكانيات.. وغير ذلك من الاحتياجات العصرية للإعلام.

هذه بمجموعها أسباب ضعف إعلامنا في مقابل إعلام غيرنا، ومن ذلك أعداؤنا!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply