بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد رفع الله شأن الدعاة إليه وأبلغ في الثناء عليهم، حيث يقول - سبحانه -: {وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ}[1]، ولا ريب أن هذا الثناء يحفز الهمم، ويلهب الشعور، ويخفف عبء الدعوة، ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوة.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري - رحمه الله - أنه تلا هذه الآية الكريمة: {وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} الآية، فقال: (هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحاً في إجابته، وقال إنني من المسلمين، هذا خليفة الله) انتهى.
ولا ريب أن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم سادة الناس في الدعوة، وهم أولى الناس بهذه الصفات الجليلة التي ذكرها الحسن - رحمه الله -، وأولاهم بذلك وأحقهم به على التمام والكمال إمامهم وسيدهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - صلى الله عليه وسلم -، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وصبر على الدعوة إلى ربه أتم صبر وأكمله، حتى أظهر الله به الدين، وأتم به النعمة، ودخل الناس بسبب دعوته في دين الله أفواجاً. ثم سار أصحابه الكرام بعده على هذا السبيل العظيم، والصراط المستقيم، فصدقوا الدعوة ونشروا لواء الإسلام في غالب المعمورةº لكمال صدقهم وعظيم جهادهم وصبرهم على الدعوة والجهاد صبراً لا يعتريه ضعف أو فتور، وتحقيقهم الدعوة والجهاد بالعمل في جميع الأحوال، فضربوا بذلك للناس بعد الرسل أروع الأمثال وأصدقها في الدعوة والجهاد والعلم النافع والعمل الصالح، وبذلك انتصروا على أعدائهم، وبلغوا مرادهم، وحازوا قصب السبق في كل ميدان، وهم أولى الناس بعد الرسل بالثناء والصفات السالفة التي ذكرها الحسن، وكل من سار على سبيلهم وصبر على الدعوة إلى الله، وبذل فيها وسعه فله نصيبه من هذا الثناء الجزيل الذي دلت عليه الآية الكريمة والصفات الحميدة التي وصف بها الحسن الدعاة إلى الحق، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)) خرجهما مسلم في صحيحه.
وقال لعلي - رضي الله عنه - لما بعثه إلى خيبر: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) متفق على صحته.
وفي هذه الأحاديث وما جاء في معناها تنبيه للدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله على أن المقصود من الجهاد والدعوة إلى الله - سبحانه - هو هداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وانتشالهم من وهدة الشرك وعبادة الخلق إلى عز الإيمان ورفعة الإسلام، وعبادة الإله الحق الواحد الأحد الذي لا تصلح العبادة لغيره، ولا يستحقها سواه - سبحانه وتعالى -، وليس المقصود من الدعوة والجهاد هو سفك الدماء وأخذ المال واسترقاق النساء والذرية، وإنما يجيء ذلك بالعرض لا بالقصد الأول، وذلك عند امتناع الكفار من قبول الحق، وإصرارهم على الكفر وعدم إذعانهم للصغار وبذل الجزية حيث قبلت منهم، فعند ذلك شرع الله للمسلمين قتالهم واغتنام أموالهم واسترقاق نسائهم وذرياتهم، ليستعينوا بهم على طاعة الله ويعلموهم شرع الله، وينقذوهم من موجبات العذاب والشقاء، ويريحوا أهل الإسلام من كيد المقاتلة وعدوانهم، ووقوفهم حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام ووصوله إلى القلوب والشعوب، ولا ريب أن هذا من أعظم محاسن الإسلام التي يشهد له بها أهل الإنصاف والبصيرة من أبنائه وأعدائه، وذلك من رحمة الله الحكيم العليم الذي جعل هذا الدين الإسلامي دين رحمة وإحسان وعدل ومساواة يصلح لكل زمان ومكان، ويفوق كل قانون ونظام، ولو جمعت عقول البشر كلهم وتعاضدوا على أن يأتوا بمثله أو أحسن منه لم يستطيعوا إلى ذلك من سبيل، فسبحان الذي شرعه ما أحكمه وأعدله، وما أعلمه بمصالح عباده، وما أبعد تعاليمه من السفه والعبث وما أقربها من العقول الصحيحة والفطر السليمة.
فيا أيها الأخ المسلم، ويا أيها العاقل الراغب في الحق تدبر كتاب ربك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وادرس ما دل عليه من التعاليم القويمة والأحكام الرشيدة والأخلاق الفاضلة تجد ما يشفي قلبك، ويروي غلتك، ويشرح صدرك، ويهديك إلى سواء السبيل.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويفقههم في الدين، وينصر بهم الحق، وأن يوفق ولاة أمرهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم على القيام بالدعوة إليه على بصيرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد