ولكنكم تستعجلون


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

روى البخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الارتّ - رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسدّ ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعله نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدّه ذلك عن دينه...

والله ليتمنّ الله - تعالى - هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه..

ولكنكم تستعجلون).

 (لكنكم تستعجلون) ما أحسن الكلمة، وما أجمل العبارة، وما أروع هذا البيان..

لقد كان لها وقع كبير في قلوب المستضعفين في كل زمان ومكان.

  (لكنكم تستعجلون) استدراك عجيب منه - صلى الله عليه وسلم - ليخبر الصالحين والمصلحين أن الصبر هو الوسيلة العظمى والزاد النافع لهم في طريقهم الطويل الصعب، الشاق الوعر..

ذاك الطريق - الاستقامة على شرع الله والدعوة إليها - المليء بالأشواك والعقبات.

 أخبرهم - عليه الصلاة والسلام - أن النصر والفتح وهداية الناس بيد الله وحده، وانتظارهما من قبل الجماعة المسلمة ليس صحيحاً، وليس من الطموح والهمم العالية، بل هو من الاستعجال..

الاستعجال الذي هو أكبر خطأ يقع فيه المستقيمون والمصلحون، أياً كانوا..

حيثما وُجدوا.

 وذكرهم - عليه الصلاة والسلام - بمن سبقهم من المستضعفين، ليكون لهم زاداً في طريقهم المتُعب، ويسليهم حتى يعلموا أن هناك من صبر أكثر منهم، وبشرهم ووعدهم حتى لا ييأسوا من العاقبة...

والعاقبة للمتقين.

 والله - عز وجل - لم يعد الجماعة المسلمة في العهد المكي بالنصرة وحسن العاقبة، حتى يتربّوا تربية إسلامية فدائية فذّة، تلك التربية التي مضمونها التضحية والتفاني في سبيل الله وحده والتجرد من أهداف الدنيا، والتطلع إلى ما هو أعلى من ذلك..

إلى ما عند الله (ومَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ,).

 يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: » إنه من واجب الدعاة أن يمضوا ولا يتطلعون إلى شيء إلا رضى الله ورحمته..

هذا هو الهدف الحقيقي، وهذه هي الغاية، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم، وأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم، إنما هو دعوة الله التي يحملونها «.

 ولنا في أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام - أسوة حسنة ونماذج خيرة..

 فهذا نبي الله نوح - عليه السلام - لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، طوال هذه السنين وهو يدعو قومه ليقولوا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، وفي النهاية (ومَا آمَنَ مَعَهُ إلاَّ قَلِيلٌ) قيل: اثنا عشر رجلاً وامرأتان فقط! فعلى الصالحين والدعاة والمصلحين أن يصبروا، ويواصلوا مسيرتهم الربانية دون فتور وكسل، ودون خمول واتكالية، وأن يستمدوا غذاء دعوتهم من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 قال - تعالى -: (وبشر الصابرين الذين إذا وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَذِينَ إذَا أَصَابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِم ورَحمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply