بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..أما بعد..
لقد قرأنا في المقالة الماضية عن المخطط الماكر والعداء المستميت، والحديث عن الهجمة الصليبية التي تُحاك خيوطها، ويُستكمل كيدها، والتي قد طبقت بعض حلقاتها وهي في طريقها إلى تطبيق الباقي، وسمعنا على وجه الخصوص مكائد هذه الحملة الصليبية على بلاد الحرمين، وما هي مساعيهم ومطالبهم. وبينا أن هذا ليس بغريب على أمة الصليب وحماة الصليب، لكن الأشد من ذلك كله هو مواكبة هذه الهجمة لغفلة تامة من المسلمين إلا من رحم الله، وبردة قلب وانعدام الغيرة على هذا الدين أن يطال بأذى، أو يُمس جنابة بسوء..
وحتى لا أكون أيها الإخوة ممن يلقي الكلام على عواهله دون إثبات أو دليل.. دعونا نستعرض حال المسلمين الآن مع هذه الهجمة الشرسة، وهل أفاق المسلمون فعلا أو أحسوا بعظم الخطر أم لا؟ لأبين لكم أن ما دمنا على هذا الحال فسيحقق العدو أحلامه وأهدافه وذلك عبر أمور..
فمن مظاهر الغفلة عند المسلمين:
لقد هام أكثر المسلمين تطبيقاً لما بثه الأعداء من اليهود والنصارى لتخدير الشعوب المسلمة، وإشغالها بما لا يحقق لها هدفاً، أو يجلب لها انتصاراً، أو يحقق لها رقياً بين الأمم، فاشغلوا الأمة بتوافه الأمور، كإقامة المسابقات والمباريات، وإغراق السوق بالكم الهائل من المسلسلات والأفلام، وانتشار القنوات الفضائية بكل ما تحمله من سقوط القيم والمبادئ، والمتاجرة بالأجساد، وغير ذلك من صور إلهاء الشعوب المسلمة عن قضاياها المهمة..
وليس العجيب أيها الإخوة أن يبث الأعداء لنا ذلك، لكن الأدهى والأمر أن يطبق هذا كله أكثر المسلمين دون وعي أو انتباه، ولئن كان الاشتغال بهذه الأمور مقبولاً أو مستساغاً في حين وأن كان لا يستساغ فإنه في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة لا يستساغ أبداً..
ومن مظاهر الغفلة عند المسلمين: فشو المنكرات والمحرمات في أوساط المسلمين إلا من رحم الله، والتهاون بالمعاصي، والتساهل بما حرم الله - سبحانه وتعالى -، ومن أعظم المحرمات والمنكرات الشرك ومظاهره، والكفر بأنواعه، مما تغص بها بلاد المسلمين إلا من رحم الله منهم.. فأضرحة وقبور، ومقامات وزيارات بدعية، واحتفالات صوفية، إلى التعلق بالكافرين، ومحبتهم ونصرتهم، والمسارعة في إرضاءهم، فكيف تتوقع النصر أمة هذا ديدنها، وتعاملها مع ربها، ناهيك عن تضييع الصلاة عن وقتها.. انظر لشوارع المسلمين وطرقاتهم إذا نادى المنادي إلى الصلاة لتراها على اكتظاظها وزحامها ولا كأن منادي الصلاة يناديهم، ولكن انظر إليها مرة أخرى لو أقيمت مباريات أو مسابقات، أو عرض مسلسل هنا أو هناك، لتراها عكس ذلك تماماً، ناهيك عن الذين في بيوتهم ويسمعون النداء بالصلاة ومع ذلك يبقون في بيوتهم، لا يحركهم النداء إلى الصلاة. ففي كل حي عشرات من الناس الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين، كيف سينصرون الله ونحن لم ننتصر على أنفسنا في أمور يسيرة كهذه، ناهيك عن الليالي الحمراء، والتي تدار فيها المحرمات والمسكرات، والأغاني والقينات، التي هام في لياليها أكثر شباب المسلمين، كيف تنتصر الأمة وهي تفجع بحماتها، بقلبها النابض، بشبابها الذين هم أولى أن يعيشوا لدينهم، وينافحوا عن عقيدتهم، وأن يحموا الديار، ووالله لو علمت دولة الصليب وهي تهجم على بلاد المسلمين أن ستجد شباباً قاموا بحق الله، ولم يستسلموا للشيطان، وعاشوا هم هذا الدين، والدفاع عن حماه، فلا والله لن تتجرأ أبدا أن تخوض حرباً مع المسلمين..
ومن طريف ما يذكر.. أن ملك الروم أراد الهجوم على بلاد الأندلس (ردها الله) فأرسل رجلاً لينظر ما هي اهتمامات شباب المسلمين وطموحاتهم هناك، فلما جاء هذا الرجل وجد فتى يبكي..
قال: له ما يبكيك؟
قال: أبكي لأني لم أصب الهدف، وكان يتدرب على الرماية..
فقال له: وما يضرك؟ ارمِ مرة أخرى تصيب الهدف..
قال: ولكن عدو الله لا يمهلني، فإذا لم أصبه لأول مرة فإنه سيقدر على قتلي..
فرجع الرجل إلى ملك الروم فقال: لا أرى أن تدخل الآن..
فمضى زمن ثم عاد الرجل ليرى فتى آخر يبكي.. فسأله: ما يبكيك؟ وظنه كسابقه..
فقال: لقد وعدت صديقتي هاهنا ولم تأتي، فأنا حزين على تركها لي..
فقال لملك الروم الآن الآن.. وفعلاً بسطوا نفوذهم على بلاد الأندلس أندلس الإسلام..
وهكذا دائماً أيها الإخوة.. فمتى ما استطاع الأعداء إضاعة شباب الأمة، فقد استطاعوا ولا شك بسط نفوذهم، واستيلاءهم على بلاد المسلمين..
وانظروا مرة أخرى لأسواق المسلمين، ولأوساط النساء بالذات، لترى ما يندى له الجبين، وتتقطع لأجله الأفئدة، فمظاهر التبرج والسفور الذي بدأ يظهر في مجتمعنا بعد أن لم يكن، ومظاهر إظهار الزينة، والخضوع في القول، إلى البروز في طرقات المسلمين بلباس ملفت، بحجة الرياضة، وتحريك البدن، ونحن نعلم يقيناً أن هذا بداية الهاوية، لأن المرأة هي صمام الأمان في هذه الأمة، متى فسدت فسد المجتمع وضاع، وصدق الصادق المصدوق إذ يقول: (إياكم والنساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
أين نساء المسلمين اللاتي كن يربين أبناءهن على الجهاد في سبيل الله، وإرخاص النفس لإعلاء كلمة الله، أين أمثال الخنساء التي قدمت أربعة من أولادها في سبيل الله في معركة القادسية، وقبل بدء المعركة قالت لهم: (إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وجللتم ناراً على أرواقها، فيحموا وطيسها، وجالدوا رسيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة).
فلما كشرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها وتواقعوا إليها حتى تساقطوا واحداً تلو الآخر.. فلما أُخبرت بعد المعركة بمقتلهم قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة..
أين نساء اليوم من أسماء أم عبد الله بن الزبير، التي قالت لولدها عبد الله بن الزبير حينما أراد الجهاد، فلمست صدره، فوجدت درعاُ، قالت: ما هذا يا عبد الله؟ قال: هذا درع يا أماه.. قالت: ما هذا بلباس رجل يريد الشهادة في سبيل الله!!
نعم بهذه المعاني كن يربين أبنائهن، فكيف تنصر الأمة ونساؤها ذبن تقليداً للشرق والغرب؟ كيف تنصر الأمة ونساؤها بهذه الصورة من لبس ما حرم الله؟
دعونا نكون صرحاء مع أنفسنا أكثر، ولست أقول هلك الناس، ولكن هو واقع ومن الخطأ تجاهله، والناصح الذي يضع اليد على الجرح خير من الذي يؤمل الأمة بآمال، ويعلقها بخيالات هي منها بعيدة، إنها سنة في كتاب الله لن تتغير ولن تتبدل أبدا..
أيها الإخوة.. ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ, حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم)) إن هذا التسلط الكافر، والتهديد المستمر على بلاد المسلمين، ووجود العدو جاثماً على أراضي المسلمين، لن يزيله إلا بالعودة إلى الدين، العودة إلى الله، وإني أدعوا بدعوة عامة إلى كل من يبلغه كلامي، من حاكم ومحكوم، ورئيس ومرؤوس، وصغير وكبير، وذكر وأنثى، أدعوهم ونفسي إلى تجديد التوبة، وأدعوهم إلى تقوى الله، والتعلق بالله، وترك الذنوب والمعاصي، فهي السبب في كل ما جرى وسيجري، أدعوهم إلى سنة التضرع التي لن تظهر في أوساط الناس مع هذا البلاء المتتابع.. قال - تعالى -: ((فَلَولا إِذ جَاءهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ, حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مٌّبلِسُونَ)).
أدعوهم بتحقيق العبودية لله رب العالمين، أدعوهم بأن الناصر هو الله وحده، وإذا لم ننصر الله فلن ينصرنا أحد، وستبقى تتخبطنا شياطين الإنس من اليهود والنصارى، ويسبوننا في كل جانب.
متى تفيقي يا أمتي؟
إلى متى هذه الغفلة؟
إلى متى موت الغيرة وبرودة القلب على أهله؟
إلى متى ولا هم لأحدنا إلا خاصة نفسه، ولا عليه بعد ذلك أنُصر الدين أم هُزم ما دامت دنياه صحيحة، وحياته مريحة، وما علم المسكين أن السنة التي حاقت بهؤلاء ستحيق به إن لم يسارع لنصرة هذا الدين، ويذود عن حماه؟
إلى متى يا أمتي وهذا التقحم في معاصي الله، وفي ما يغضب الله جل جلاله؟
إلى متى هذا الضياع يا شباب الإسلام؟
إلى متى هذا السفور يا أمة الله؟
إلى متى ينشغل المسلمون بما يضيع عليهم دينهم ودنياهم؟
انزعي ثوب الغفلة يا أمتي، وأوقفي هذا النزيف، وأزيلي عنك دثار الذل والخنوع، وتقنعي بثوب الحق، فإن الأمور ستقدم على أمور مهولة، وإننا لنرى والله - تعالى -أعلم على الأبواب، وأما الصغرى فقد انتهت منذ زمن وما زلنا في بعضها نسير..
قال مرعي الحنبلي المتوفى سنة 1730هـ في كتابه أشراط الساعة: وأما العلامات الصغرى فقد انتهت منذ زمن، ونحن في انتظار كبارها، فالله المستعان إذا كان - رحمه الله - يقول ذلك وقد توفي في القرن الحادي عشر، فكيف بعهدنا هذا الذي نراه والله أعلم يقترب من علامات الساعة الكبرى شيئاً فشيئاً، فإلى الثبات يا أمة الإسلام، فإن العلامات الكبرى إذا وقعت فهي كالخرزة انقطع سلكها فتتابع، فإن المرء لا يدري ربما يفتن في تلك العلامات، ويضل عن دينه مع ظهور هذه الفتن، فإن الثابت على دينه ذلك الزمن لقليل.. فقد ثبت عن المسيح الدجال أنه يتبعه كثير ويتأثر بدعوته ويفتن به كثير، فقد جاء في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قناة (وادي قرب المدينة) فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى أن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه)، وثبت من عظم هذه الفتنة أن الشخص لا يأمن على نفسه، فقد روى الإمام أحمد وأبو داوود وصححه الحاكم في المستدرك عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله أن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات) فالذي لم يثبت أمام هذه الفتن الصغيرة فكيف سيثبت أمام هذه الفتن القادمة العظيمة، واعلم أن الناجين المنصورين هم الذين جاهدوا وصبروا على طاعة الله، وصدق الله إذ يقول: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ)).
أما كيف نتصدى لهذا الهجوم الظالم على الإسلام والمسلمين، فإن أحداً من المسلمين لن تعجزه الطريقة المشروعة لنصرة هذا الدين، وحماية أرضه، ولكني أقترح وأذكر ببعض الأمور على سبيل الإجمال، وذلك بعد تحقيق التوبة العامة والخاصة، وعلى مستوى الأفراد والشعوب، واستمداد النصر من الله العلي القدير، والسعي الحثيث لإقامة دينه، وتحكيم شرعه في أرضه وتحت سماءه..
أول هذه الأمور:
بذل الوسع والجهد كل بحسبه لنصرة هذا الدين، فالإعلامي مطالب أن ينافح عن هذا الدين من خلال منبره الإعلامي، والطبيب هو الآخر مطالب أن يدافع عن هذا الدين وينصره ما استطاع، وكذلك المهندس والرياضي والتاجر إلى غير ذلك من أبناء هذه الأمة، الكل يسعى لنصرة هذا الدين، إن أمريكا ما خاضت هذه الحروب إلا بعد إعداد تام، وتأهب مستمر، وبعد أن بثت أقمارها الصناعية على العالم كله، وقوت ترسانتها العسكرية، وبعد أن أوجدت لها أنصاراً هنا وهناك، وبعد هذا الإعداد الطويل تقدمت لتحقيق أهدافها، نحن نريد الأمة أن تتحد جهودها، وتجمع كوادرها، ويتحد مفكروها وعلماؤها لانتشالها من هذا الحضيض، واذا لم تتلاقح الأفكار، وتجمع العقول، لانتشال هذه الأمة فستبقى مهددة في كل حين وحين.
ثانياً: يجب أن نشارك جميعاً على توعية الأمة، يجب على العلماء والدعاة والمصلحين والأئمة والخطباء والمربين أن ينشروا الوعي لدي المسلمين، فيوقظوا في الأمة حسها الديني، ويحركوا حميتها الإسلامية، ويوقظوا هذه الأمة من سباتها العميق، لتقف أمام هذا المارد الذي لا يرحم.
ثالثاً: دعوة للمربين والمصلحين والمعلمين وللآباء خاصة أن يربوا الشباب والناشئة على معالي الأمور، وعلى الغيرة على هذا الدين، والذود عن حماه، فإن الجيل القادم والله أعلم إن يكن هذا الجيل، سيعيش أحداثاً عظيمة، فيجب أن يعد لمثل هذا..
رابعاً: فضح المنافقين، ودعاوي المبطلين، وهتك أستار أفراخ الاستعمار، وبيان خبثهم، وأنهم امتداد لأولئك الذين قال الله عنهم: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُم لاَ تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ)) فإن هذا نوع من الجهاد عظيم، جهاد مراغمة الشيطان وحزبه من أعظم الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله.
خامساً: إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي صمام الأمان، كيف لا وقد أخبر الله - سبحانه - أن الأمة الصالحة المصلحة لا تهلك، فقال عز من قائل: ((فَلَولاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُوا بَقِيَّةٍ, يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبٌّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ, وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ)).
سادساً: دعم قضايا المسلمين، ورفع الضراء عنهم، ونصرتهم بما نستطيع، ومن ذلك إعانتهم بالمال، ودعم أنشطة الخير هنا وهماك، وتفعيل دور الدعاة، ودعم نشاطاتهم ليستمر العمل، ودعم المسلمين في كل مكان وزمان، وخاصة المجاهدين على الثغور.
سابعاً: استمرار الدعاء والتضرع إلى الله أن يكشف هذه البلوى، وأن يظهر هذا الدين أهله، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، لنستمر في الدعاء، ولنؤمل من الكريم الإجابة، فإن الله لا مكره له.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد