مطلب العلم والعمل في القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ما يطلب من كتاب الله تعالى يجمعه أمران، العلم والعمل:

فالله تبارك وتعالى إما أن يذكر علمًا، أي نبأ عن نفسه أو عن الملائكة أو الأنبياء؛ قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، فأعلى العلم وأشرفه وأنفعه وأحقه وأولاه بأن يُتعلم هو علم كتاب الله عز وجل، فهذا هو أعلى العلم.

وإما أن يأمرنا تعالى بأمر؛ ومن ذلك ما يأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم أو نبيًا من الأنبياء خاصة، أو ما يأمر به المؤمنين عامة.

فكيف نستخرج ما في السورة من العلم والعمل؟ وما هي الأمور التي تعيننا على ذلك؟

الخارطة العامة لذلك:

أولًا: ثلاث مقدمات.

ثانيًا: مرتبتان من المطالب.

 

المقدمة الأولى: الاستهداء بالله تعالى:

سؤال الله تعالى الهداية، جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم)، أي سلوني الهداية، ولذلك كان أعظم دعاء هو سورة الفاتحة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، {اهْدِنَا} فيها ثلاثة أمور: علّمنا، وأعنّا على العمل بما تعلمنا، وثبتنا..

فقبل أن تفكر في التفاسير و غيرها مما هو من الأخذ بالأسباب؛ استهد الله تبارك وتعالى واطلب العون، فإنما نتعلم من هذا القرآن وننال منه بما شاء الله تعالى، قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}، فلا يتعلم أحد إلا بإذن الله تبارك وتعالى.

المقدمة الثانية: الأخذ بالأسباب العامة، وهي:

العلم بلسان العرب، وهو الذي نزل به القرآن.

وبالسنة النبوية، وهي التي بينت القرآن.

وبالسيرة النبوية، وهي الظروف التي نزل بها القرآن.

وبسيرة من تبعه صلى الله عليه وسلم من الصحابة، فهم الموصوفون بالمؤمنين في القرآن.

وبآثار الصحابة رضوان الله عليهم، فهم أفقه وأعلم من علم بالقرآن وعمل به.

ثم بجمع كلام المفسرين.

وكلما كان عندك من هذه المقدمات كلما كانت لديك الأدوات التي تبصر بها ما في القرآن من العلم والعمل، ويجمع هاتين المقدمتين قول ابن تيمية رحمه الله: (ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مئة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني).

المقدمة الثالثة: الاستماع إلى السورة كاملة:

وكلما كررت السماع كان أفضل، فعبادة الاستماع إلى القرآن عبادة قليل من الناس يفعلها، أن تجمع قلبك وعقلك على ما يُتلى، وأن تجلس لتسمع فقط دون أن تقوم بأي أمر آخر، واختر للاستماع حافظًا متقنًا بالتلاوة والأحكام.

ويدخل في هذا أيضا أن تتلو السورة كاملة أكثر من مرة بترسل.

ثانيًا: المرتبة الأولى من المطالب: العلم بتفسير الآية العام وبمعنى الكلمات، وهي الأصل الذي تبنى عليه المرتبة الثانية من المطالب.

فقبل معرفة فيمن نزلت السورة وفيم نزلت وقبل البحث في الدروس والاستهداءات لا بد من معرفة معاني الكلمات وتفسير ألفاظ الآية ومعناها العام.

وهنا لدينا نوعان من الخطأ:

من يقصر دراسته في القرآن على مجرد العلم بمعاني الكلمات وتفسير الآية، دون أن ينظر فيم وفيمن نزلت وما هي الرسائل والعبر منها وكيف ينتفع بها وغير ذلك من المطالب العالية.

والصنف الآخر وهم الذين يتجاوزون تفسير الآية ومعاني الكلمات ويبدؤون مباشرة بالاستهداء والتدبر، وهذا ليس صحيحًا، لأن المقدمة الرئيسية هي أن تعلم معنى الكلمات أولًا وتفسير الآية.

المرتبة الثانية من المطالب: 1- العلم بالسورة:

متى نزلت؟

وأين نزلت؟

وفيم نزلت؟

وفيمن نزلت؟

ولم نزلت؟

يجب أن تعلم أن السور إنما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم منجمة أي مفرقة بحسب الوقائع والأحداث، فهذه أعظم مقدمة للعلم بالآية أو بالسورة.

لأن الله تعالى كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والعمل ما يكون نورًا وهدى وتثبيتًا وموعظةً له صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله: إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله، إلا أنا أعلم فيم أنزلت)، فهذا من أعظم ما يكون مدخلا لك لفهم السورة ومقاصدها والاستهداء بما فيها من العلم والعمل.

ولا يستوي أبدًا حالك مع الآية أو السورة وأنت تعلم فيم وفيمن نزلت؛ بحالك وأنت تعلم المعنى العام لها فقط.

2- اسم السورة: ودلالة هذا الاسم، وهل لها أكثر من اسم، وهل ورد فيها فضل خاص، وجمع كل ما جاء عن السورة في كتب السنن والآثار وكتب السير.

3- مطلع السورة: هو المدخل للسورة، ومن أهم المفاتيح التي نعلم بها ما الذي نزل في السورة، ويجب أن تطلبه وتستحضره أثناء السورة كلها.

4- خارطة السورة: أي ما اشتملت عليه السورة من المواضيع بالترتيب.

5- ما تكرر ذكره في السورة: لا بد أن تجمع ما تكرر في السورة فهذا يدل على أخص ما نزلت له.

6- ما الذي تستدل له السورة: أي ما الذي أقام الله تعالى عليه الحجج في السورة، كإثبات البعث والاحتجاج للقرآن وإثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فما ورد له الاحتجاج في السورة هو من أخص ما نزلت له السورة.

7- أسماء الله تعالى وأفعاله وسننه في السورة:

فإن الله تعالى يختار من أسمائه ما يناسب الحكم أو الأمر في كتابه، فلا بد أن لكل اسم يذكر في الآية علاقة بمضمونها، وكذلك قد يذكر شيء من أفعاله جل وعلا مثل: {وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ}، {وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا}، فانتبه لهذا الأمر فهو مهم جدًا.

أما السنن فمثل قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}، {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ}، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، فإنها وإن كانت ذكرت في سياق فإنها عامة يدخل تحتها كل ما يشبهها.

8- الأنباء والقصص في السورة:

الله سبحانه وتعالى يختار من الأنباء ما يناسب مقصد السورة، كقصص البقرة وطالوت وجالوت والرجل الذي يكتم إيمانه وغيرها، كل نبأ يذكره الله تعالى فلا بد أن يكون موضع عبرة، ولا بد أن يكون له صلة بأخص ما نزلت له السورة.

9- الأحكام والتشريع: الأمر والنهي في السورة، سواء كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة أو له ولأمته عامة.

10- الأخلاق والأعمال، سواء كانت أخلاق المؤمنين المتقين المخبتين، أي سبيل المؤمنين، أو الظالمين المجرمين المفسدين الفاسقين، أي سبيل المجرمين.

11- الأمثال في السورة: كل مثل في القرآن لا بد أن يكون لأمر عظيم، ولا بد أن يكون له صلة بما نزلت له السورة.

فالله تعالى يبين الحق، ومن وجوه بيان الحق أن يضرب الله تعالى له مثلا، ولا يضرب الله تعالى مثلًا إلا لأمر محكم.

12- الوعد والوعيد، والبشارة والنذارة، قال تعالى: {ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ..}.

كما قال تعالى في سورة الزمر: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، فربنا هنا بين أن أعظم ما يحذر هو عذاب الآخرة، وأعظم ما يرجى هو رحمة الله.

13- المُحكمات والقواعد والأدعية:

من مثل قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}، {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}، {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}.

14- من الذين تخاطبهم السورة.

15- جمع اللفظ أو القصة أو المعنى من سائر القرآن، والمقارنة بينها ليعلم المقصد المختلف من كل ذكر مختلف.

16- خاتمة السورة، ما ختمت به السورة من الأمر والبيان والهدى، وكثيرًا ما تُختم السورة بوصايا وأمر ونهي يكون هو الذي سيقت السورة كلها لأجله، فمن الأمور المهمةِ جدًا التي ينبغي أن تتفطن لها ما تختم به السورة خصوصًا إذا ورد فيها أنباء.

وخلاصة الخلاصة: ينال الإنسان من القرٱن بالاستهداء بالله تبارك وتعالى وطلب العون والهداية منه سبحانه، ثم بأخذ الأسباب المختلفة في تعلمه وتدبره والوقوف على معانيه وأخباره ومواعظه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply