الكشاف في الفتن


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد الله كاشف الغم مزيل الهم مبين الحق والصلاة والسلام على النعمة المسداة والرحمة المهداة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

عند وقوع الفتن تتباين مواقف الناس، وتكثر الأقوال وتختلط المفاهيم، ويزداد الخوض فيما لا يعني، وتتضارب التفسيرات للأحداث، وتكثر الجرأة على الحق ويتكلم الرويبضة في أمر الأمة، ويمتزج الخوف وحب الذات بتفسير الفتن، ويستغل عدد من الناس تلك الفتن في تصفية الحسابات مع الآخرين.

 

ويرتقي أناس مرتقى صعبا لم يكلفوا به، ولم يحمِّلهم الله إياه، ولم يتأهلوا له، فيتفوَّهون بالفتوى ويجترئون على إصدار الأحكام بالتصحيح والتخطئة، ونسوا أو جهلوا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أجرؤوكم على الفتيا أجرؤوكم على النار».

 

ويحتار الشباب وحدثاء الأسنان والأفهام، ويموجون في أمورهم ويصبحون في أمر مريج، وتتغيَّر مواقفهم في الساعة الواحدة فرأي يصرفهم نحو اليمين، وكلمة جميلة تأخذهم إلى الجهة المعاكسة تماما، فيبقون حيارى مضطربين يبحثون عن الهادي والدليل في ظلمات الفتن، وقلما يجدون من يوجههم إلى الموقف الصحيح الذي يقيهم من المزالق والاضطرابات.

 

وغفل الكثير عن تلك الوصفة النبوية الشريفة التي تعطي بعداً في النظر وصفاءً في الرؤية وقوةً في إدراك الأحداث، ومعرفةً لخلفياتها ودقةً في تفسيرها ووعياً في اتخاذ المواقف السليمة تجاهها، ووضوحاً في المنهج، وطمأنينةً في النفس، وأمناً فكرياًّ، وتؤدي إلى السلامة من الندم في اتخاذ رأي معين أو الاضطراب في المواقف والخطوات، أو الاستعجال في الحلول المسلوقة أو المتطرفة.

 

ففي صحيح مسلم عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «العبادة في الهرج كهجرة إلي»، والهرج هو كثرة القتل، وقال بعض أهل العلم: هو كثرة الكذب، وقد اجتمعا في هذا الزمان.

 

فالعبادة واللجوء إلى الله - تعالى - مصرف الأمور ومقدر الأقدار ومغير الأحوال الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يحدث في الكون مثقال ذرة إلا بقدره وأمره فمنه - سبحانه - يستمد الحكم على كل شيء، فاللجوء إليه والانطراح بين يديه - سبحانه - في الأوقات العصيبة وساعات الشدائد، وحين اختلاط الأمور وكثرة الهرج وانتشار الكذب وشيوع التزوير وكثرة الاختلافات، يعطيك الموقف العملي الدقيق والواضح والثابت والموافق لسنن الله في الكون وحياة الناس.

 

وإن من أعظم العبادات الصلاة بدءاً بالفرائض من الاستعداد لها والتبكير إليها حتى تعطيَ أثرها الحقيقي على النفس والقلب، قال أحد السلف: كان الرجل فينا إذا سمع المؤذن وفي يده ميزان يزن للناس وضعه حتى يصلي، وهذا جهد المقل الذي لا يأتي إلا إذا نودي. فهذا الكسلان عندهم، ولهذا كانت مواقفهم من الفتن متقاربة إن لم تكن متماثلة، لحرصهم على العبادة فرضها ونفلها.

 

والآن، وفي هذا الزمن العصيب ومع كثرة الفتن والملاحم تجد الرجل فينا يسمع النداء لصلاة الفريضة خمس عشرة جملة ثم يتأخر عنها وقد لا يأتي إلا حين الإقامة، فأين العبادة وكيف نرجو الخلاص والسلامة وهذا تعاملنا مع ربنا؟!

 

أما النوافل فكان السلف الصالح قليلا من الليل ما يهجعون، فما حظنا نحن من صلاة الليل، أم أن تلك النصوص المتكاثرة في منزلة وفضل قيام الليل خاصة بذلك الجيل؟!

 

هذا وإن الله - عز وجل - جعل للكون سننا ثابتة وقوانين لا تتغير ولا تتبدل ولا تزيد ولا تنقص، نستطيع من خلالها معرفة الأحداث ومآلات الأمور، كل ذلك في كتاب الله - عز وجل -: {فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا}. فأين تدبرنا للقرآن؟ بل أين تلاوتنا له؟ هل نختم في كل خمس ليال كما كان عليه أكثر السلف أم كل ست أو سبع ليال؟ لا، إنني أقول: يا ليتنا نختم في كل عشر ليال! فكيف نطلب النور في ظلمات الفتن ونحن بعيدون عن كتاب الله - عز وجل -؟!

 

أسأل الله - تعالى - أن يكشف عن المسلمين ما بهم، وأن يُريَنا الحق حقاًّ ويرزقَنا اتباعه، وأن يريَنا الباطل باطلاً ويرزقَنا اجتنابه.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply