دور المسجد في تربية المجتمع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّ المسجد هو المنارة التي يسترشد بها المؤمن في حياته، ومنه يستمدّ مقوّمات دينه، ويعرف أصوله ومبادئه.

إنّ المسجد يكوّن القواعد التي يبني عليها المسلمُ حياتَه في مختلف مجالاتها، وهو الذي يشعّ على كلّ هيئات المجتمع أنوارَ الهداية والرّشاد، ومنه تأخُذُ كلُّ تركيبات المجتمع أساليبَ العمل، ومناهجَ التّحرّك، وطرقَ الانطلاق.

وقد كان دوماً منذ عهد الرّسول - صلى الله عليه وسلم - الموجّهَ لحياة المسلمين، والمديرَ لشؤونهم، والمدبّرَ لأمورهم، فقد كان المدرسة والمعهدَ، والجامعةَ والثّكنة، والنّاديَ وكلَّ ما يحتاج إليه المسلم في التّكوّن، أي كان الملاذ والحصن للمسلم في تنظيــم شؤون معاشه ومعاده.

نحاول عرض بعض أدوار المسجد في الحياة العمليّة للمؤمنº حتّى نعرف مسؤوليتنا نحوه، ونعلمَ كيف نستغلّه في التّوعيّة والتّوجيه.

حين نستعرض بعض الآثار من القرآن والسنّة في الموضوع نجد أنّ المسجد يعني العقيدة، وهي أوّل ما ينبغي أن يعتني المربّي بتثبيتها في قلوب النّاس، وترسيخِ مفهومها فيهم، حتّى يكون سلوكهم صادراً عن حقيقة ما تتضمّنه، وسِيَرُهم متطابقةً مع ما تحمله، فاللّه - تبارك وتعالى - حين يستعرض حقيقة عمّار المسجد يحصرها في أصحاب العقيدة أي فيمن يتشبّع بالعقيدة قال عزّ من قائل: ((إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين))، فالذي يؤمن باللّه ويعتقدُ ويتأكّدُ من حلول يــوم القيامة، ويعرف ماذا ينتظره فيه من أهوال ومصاعب، والذي يقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ولا يخاف أحداً إلاّ اللّه أي لا يشرك في الطّاعة والخوف إلاّ ربَّ العزّة والجبروت، هذا الذي يكون بهذه المواصفات، لا يكون إلاّ صاحبَ عقيدة راسخة، وإيمان قويّ، من هو هذا؟

إنّه من يعمر مساجد اللّه بالعبادة الصّحيحة، والذّكر الطيّب.

وقال اللّه أيضاً: ((في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال رجالُ لا تلهيهم تجارة ولا بيعُ عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدَهم من فضله واللّه يرزق من يشاء بغير حساب)) يكون - أيضاً - من يأوي إلى المسجد ويرتاده من ملأت العقيدةُ قلبَه، وهو من لا يغفل عن ذكر اللّه، ولا تّشغَلُه الدّنيا بكلّ مغرياتها عن القيام بواجباته الدّينيّة، ولا تصدّه مشاغلُ الحياة عن إقامة الصّلاة، وأداء الزّكاة، يلتزم بهذا السّلوك التزاماً كاملاً، إنّ الذي يعتاد المساجد هو من يخاف يوم القيامةº اليوم الذي يكون فيه الحساب عسيراً، و في الوقت نفسه يرجوهº لأنّ فيه جزاءً حسناً لأحسن ما قدّم من أعمال صالحة، بل فيه يزيده اللّه من فضله، وما عند اللّه خير وأوفى، واللّه ذو الفضل العظيم، وهو يرزق من يشاء بغير حساب، مَنِ الذين يُعتَمَدُ عليهم في رفع المساجد، بيوتِ اللّه في الأرض؟ إنّهم أصحاب العقيدة، إنّهـم ذوو الإيمان الصّادق القويّ.

قال اللّه أيضاً: ((وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً)) إنّ المساجد لا تقبل بينها مـن يشرك باللّه شيئاً، مهما يكن هذا الشّرك، أي إنّ من يؤمّ المساجد لا يكون إلاّ صاحب عقيدة صحيحة، وإيمـان راسخ، والرّسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا رأيتم الرّجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)( ضعيف ).

إنّ الإيمـان والعقيدة هما اللّذان يدفعان المرء كي يعتاد ويرتاد المساجد، إذن فليعلم المسلم أنّه وهو يرتاد بيوت اللّه ليعبده عليه أن يتحلّى بالصّفات التي خلعها اللّه على عمّار بيته، وليَحذَر أن يكون على خلاف ذلك، وإلاّ كان تردّده عــلى المساجد خاويّاً من المعنى والمغزى أو الغاية من عمارتها.

كما أنّ على القائمين على المساجد وعظاً وتوجيهاً ورعاية، وتحمّلاً لرسالة المسجدº أن يكونوا في مستوى هذه الرّسالة العظيمة والخطيرة، وفي مكانة هذه المسؤوليّة في أثناء أداء عملهم: تخطيطاً وتنفيداً، وأسلوباً وفهماً حقيقياً وسليماً لدورهم في هذه المؤسّسة الرّئيسية في التّوجيه، والتّفقيه، والتّعليم، والتّكوين، والإعداد.

ماذا يجب على القائم على هذه المؤسّسة، أو المرابط في هذا الصّرح؟

عليه أن يعرف أنّ في عمله أولويّاتٍ, يجب معرفتُها حتّى يؤسِّس له قواعد، تعينه في نشاطهº فيثمر جهدُه ثماراً حسنة.

عليه أن يحرص على ترسيخ العقيدة في القلوب، وتثبيتِ الإيمان فيهاº إذ أنّ ذلك هو الذي يشكّل أو يُعِـدٌّ الأساس الذي يتحرك على هديه المسلمُ، ويتدرّج على خطّه المستقيم، وفي سبيل تحقيق ذلك على الموجّه أن يركّز على أمور، أو يؤسّسَ عمله على قواعد منها:

1 ـ زرع محبّة اللّه ورسوله في القلوبº حتّى تقبل على طاعة اللّه، والاستجابة لأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

فالإنسان يحترم من يحبّ، ويعلي من شأنه ويقدّره، ويستحيي أن يخالف أوامره، ويخجل أن يأتي ما لا يُرضيه، ويتحرّج من إغضابه، ويربأ بنفسه أن يأتي ما يفسد هذه العلاقة بينه وبين ربّه المنعمِ عليه، والمحبِّ له، وهذا لا يكون إلاّ بطاعتهº لتحقيق مفهوم أو مدلول استخلاف اللّه الإنسان في الأرض.

واللّه - تبارك وتعالى - يقول: ((والذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه))، ولهذا لمّا قال المشركون إنّنا نعبد الأصنام ليقرّبونا إلى اللّه زلفى، قال اللّه - عز وجل -: يا محمد قـل لهم: ((قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور رحيم))، أي إنّ محبّة اللّه تستلـزم طاعته، فإذا نجح المربّي في تثبيت محبّة اللّه في القلوب ضمن الالتزام بشرع اللّه عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللّه ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرءَ لا يحبّه إلاّ للّه، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النّار )، فالإيمان مبعثُه محبّة اللّه ورسولِه، وهذه المحبّة تعزّز الإيمان، وتثبّت النّفوس على دين اللّه، يؤكّد الرّسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبَّ إليه من نفسه ووالده وولده والنّاس أجمعين )، إذن إنّ المحبّة الصّادقة هي التي تضمن الاستمساك بالدّين، والتّقيّدَ بأوامر اللّه، والوفاءَ بالعهد، وعدمَ نقض الميثاق، إنّها الأوصاف التي ذكرها اللّه عـن عباده المؤمنين: ((الذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربّـهم ويخافون سوء الحساب...))، وفي المقابل بيّن اللّه - تبارك وتعالى - أنّ من كان متاعُ الدّنيا أعزَّ عليه وأحبَّ إليـه من اللّه ورسوله فهو عاص فاسق، قد باء بخسران مبين، فلينتظر ماذا سيفعل اللّه بهº لأنّ مثل هذا سيصرف أصحابه عن عبادة اللّه حقّ العبادة، وسيرتكبون في حقّ اللّه خطايا، وسيتعرّضون لمزالق بسبب تقديمهم حبَّ الدّنيا على حبّ اللّه، ومن ثمّ يستحقّون أن يوصفوا بأنّهم فسقة، ولِلَه أن يفعل يهم ما يشاء قال - تعالى -: ((قل إن كان آبـاؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من اللّه ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره واللّه لا يهدي القوم الفاسقين))، ونحن في الدّعاء المأثور نتضرّع إلى اللّه أن يبقينا على حبّه، وعلى صلةٍ, بكلّ ما يقرّبنا إلى حبّه: (اللّهم ارزقنا حبّك، وحبّ من يحبّك، وحبّ كلّ عمل يقرّبنا إلى حبّك ).

 

2 ـ تربيّة النّاس على الإيمان بوحدانيّة اللّه، والإيمان باليوم الآخر.

إنّ تركيز هذه الحقيقة في القلوب، وتثبيتَ هذا المفهوم في العقول قاعدة أخرى، تبعث النّاس على العبادة الصّحيحة، وتلزمها بالتّقيّد بأحكام اللّهº لأنّها تفهمهم أنّ المعبود واحد ليس اثنين، وهو صاحب الفضل والنّعم على عباده، كما تبيّن لهم أنّه سيأتي أوان يحاسبون فيه على أعمالهم، وهي ساعة عصيبة، شديدة الأهوال، إنّها يوم القيامة، الذي لا يطيق شدّتَه إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم، ومن قدّم بين يدي اللّه عملاً صالحاً.

فالقرآن الكريم ربط بين هذين الأمرين في كثير من آياته، وهو يقرّر حقائق دينيّة، أو يحذّر من مخالفة الأوامر قال مثلاً: ((... فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والّرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً))، وقال: ((والزّانيّة والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر))، وقال: ((ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون يؤمنون بالّله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين))، وقال: ((والذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قريناً وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليماً ))، إذن إنّ الذي لا يخالف أوامر اللّه، والذي لا يكون الشّيطان له قريناً يوسوسه ويصدّه عن ذكر اللّه، والذي يطبّق أحكام اللّه، ولا يشفع في حدّ من حدود اللّه، والذي يخلص أعماله للّه، والذي يتحلّى بصفات المؤمنين الحقيقيّة هو الذي يؤمن بوحدانيّة اللّه ويؤمن باليوم الآخر.

فعلى المربّي أن يعمل بكلّ الوسائل على تثبيت هذه الحقيقة في النّفوس، والرّسول - صلى الله عليه وسلم - يؤكّد هذا المعنى، حين يقرّر بعض الأحكام، وحين يقدّم توجيهاته لأصحابه، فيقول مثلاً: (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم جاره، فليكرم ضيفه، فليقل خيراً أو ليصمت )، فهذه قاعدة أخرى يعتمد عليها الموجّه في التّربيّة والتّوجيه، فليعرف كيف يركّزها في القلوب.

 

3  ـ إيقاف خلق اللّه على عظمة الخالق، وقدرة المبدع غير المحدودة، حتّى تستشعر جلاله وقدرهº فتخلصَ له الشّكرَ والتّقديرَ، وتفردَه بالولاء والخضوع والتّذلّل، وهو ما يؤدّي إلى محبّته وطاعته.

والقرآن الكريم اتّبع هذا الأسلـوب، فنَبَّه في كثير من الآيات إلى التّدبّر في مخلوقاته للوقوف على جوانبَ من عظمته وقدرته، قال اللّه - تبارك وتعالى -: ((إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك التّي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريفِ الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّمـاء والأرض لآياتٍ, لقوم يعقلون ))، هذه المخلوقات تشهد على عظمة الخالق الذي يمتلك قوّة مطلقة لا يمكن إدراكها، إنّما يدرك العقل آثارها، هذا ما يدعو صاحبَه إلى الاعتراف بالفضل للمنعم الجبّار.

وقد تعهّد اللّه أن يبيّن للنّاس آثاراً من قوّته فيما يعايشونه في الكون، وفيما يلتصق بهم ويعيشونه دائماً، وهو في أنفسهمº ليَتَبَيّن أنّ هذا القرآن الذي يحمل إليهم هذه الحقائق هو حقّ، ليس باطلاً: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد))، إنّ هذه القاعدة في مخاطبة النّاس لتربيّتها على السّير في طريق العبادة الصّحيحة تسهم في تذكير النّاس بجميل اللّه نحوهم، وبفضله عليهم، وفي الوقت نفسه تنبّههم إلى مغبّة نكران هذا الفضل بعصيانه وجحوده، إنّ هذا كما يقول عبد الرّحمن النّحلاوي: يثير في النّفس الانفعالاتِ الرّبانيّةَ: كالخضوع والشّكر، ومحبّة اللّه والخشوع له، ثمّ تأتي العبادات والسّلوك المثالي تطبيقاً عمليّاً للأخلاق الرّبّانيّة، وهذه لعمري أفضل طريقة اهتدى إليها علم النّفس لتربيّة العاطفة، إنّها تكرار إثارة الانفعالات مع تجاربَ سلوكيّةٍ, مشحونةٍ, بهذه الانفعالات، مصحوبةٍ, بموضوع معيّنº حتّى يصبح عند المرء استعداد لاستيقاظ هذه الانفعالات كلّما أثير هذا الموضوع، ولعلّ أوضح مثال على هذا الأسلوب التّربوي القرآني يتّضح في سورة الرّحمن، حيث يذكّر اللّه - جلّ جلاله - بنعمه ودلائل قدرته، بادئاً من الإنسان وقدرته على التّعليم، إلى ما سخّر اللّه من الشّمس والقمر والنّجم والشّجر والفاكهة والثّمر وما خلق من السّماوات والأرض، وعند كلّ آية أو عدّة آيات استفهامٌ يضع الإنسان أمام الحسّ والوجدان وصوتِ القلب والضّمير، فلا يستطيع أن ينكر ما يحسّ به، ويستجيب له عقله وقلبه.

 

4 ـ العمل على تلقين النّاس الدّينَ وتفقيهِهم فيه، وليس كالمسجد مكان يُنَاسبُ الجميعَ لتلقّي أمر دينهم، فليكن من اهتمامات القائمين على توجيه النّاس في المساجد تعليمُ العباد ما يجب عليهم في الدّين، يجب ألّا يُهمَل جانب مـن الجوانب: عبادات ومعاملات، وعلاقات وحقوق.

يجب أن تتنوّع الدّروس بين اجتماعيّة وتربويّة، واقتصاديّة وسياسيّة، وثقافيّة وتاريخيّة، كما يُراعَى في الوعظ والإرشاد الاهتمامُ بكلّ الفئات التي يتكوّن منها المجتمع، يُخاطَب الكبيرُ والصّغيرُ، والرّجلُ والمرأةُ، العالم ُوالجاهلُ، أي يجب أن يتحوّل المسجد إلى جامعة شعبيّة، يستفيد منه كلّ من يرتاده كي يتشوّق كلّ فرد إلى الذّهاب إليه، وحتّى يؤدّي المسجد دورَه كما أنيط به، وكما كان في العهود السّابقة، كما على الخطاب المسجدي أن يبتعد عن العموميّات، بل عليه أن يتعمّق في عرض الموضوعات، ويُعنَى بالتّحليل، والمعالجة الحقيقيّة للموضوع، والاهتمامِ الخاصّ والجاد بمشاكل المجتمع الحقيقيّة، وتقديِم الحلول المناسبة لحلّها، والابتعادِ عن الخطاب المحنّط، والجمل الجاهزة الاستهلاكيّة، والكلمات الرّنّانة التي لا تخدم الموضوع، ولا تقدّم أيّ فائدة لمن يؤمّ المساجد، وأن يُقلَّل - قدر المستطاع - من ترديد أقوال بعينها، ودروس بنسخها المعروفة والمألوفة لدى المستمع، بما يبعث عل الملل والسّأم، يجب الحرص على الابتكار في الموضوعات، والتّجديد في الأساليب، والتّنويع في المصادر.

على الواعظ في المسجد، والمشرف على التّوجيه فيه أن يراعي في تطبيق القواعد التي أشرنا إليها، واستغلالِ المسجد في أداء مهمّته العملَ على مخاطبة النّاس حسب مستوياتهم ومداركهم، وأن يراعي التّنوّع في أساليب الخطاب، والتّفنّنَ في طرق مخاطبة النّاس وتوجيههم، فيتنقّل بهم بين التوّجيه المباشر والإرشاد عن طريق قصّ القصص، وإجراء الحوار، وإقامة النّدوات وغيرها، كما يحرص على أمور مهمّة تتمثّل خاصّة في الآتي: التّدرّجَ في تقريرِ الحقائق، وتلقيِن الدّروس، وتقديمِ المعلوماتº اعتباراً لمستويات المخاطبين، والاعتمادَ على الدّليل في تعليم النّاس أمور دينهم، وفي مقدّمة ذلك القرآن الكريم، والسّنّة الصّحيحة، والحرصَ على مخاطبة العقل مع إثارة الانفعالات الإنسانيّة، أي مخاطبة العقل والوجدان معاً.

خلاصة القول: إنّ مسؤوليّة القائمين على إرشاد النّاس في المساجد كبيرة وثقيلة، بحجم ثقل مكانة المسجد ودوره في حياة المسلم، وتكفّلِه بالقيام بشؤون المسلمين التي أناط اللّه القيام به للمسجد، واعتباراً لما كان يقوم به الأسلاف بين جنبات المساجد، فليعِ ذلك من وضع فيه النّاس ثقتَهم، وحمّلوه مسؤوليّة إرشادهم وتوجيههم.

واللّه الموفّق للصّواب. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply