أيها المسلمون المساجد هي بيوت الله في الأرض فاعرفوا لها قدرها


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المساجد هي بيوت الله - عز وجل -، وقد أضافها الله - عز وجل - إلى نفسه إضافة تعظيم وتشريف، فقال: ((وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ))، وهي أحب البقاع إليه فقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( أحب البلاد إلى الله مساجدها ).

ولهذا أوجب علينا تشييدها، وعمارتها، وصيانتها، وإكرامها عن كل ما لا يليق بها ويناسب شرفها، فقال: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ - رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ - لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)).

كان أول عمل قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن وطئت قدماه الشريفتان دار هجرته المدينة هو بناء مسجده الذي أسس على التقوى من أول يوم، فكان المسجد هو الركيزة الأولى واللبنة الأساس في تكوين المجتمع المسلم، حيث لم يكن قاصراً على إقامة الصلوات والدروس العلمية، بل سائر نشاط المسلمين من جهادي، وسياسي، واجتماعي، ونحوه كان منطلقه من المسجد.

وظل هذا الحال مستمراً في عهد الخلافة الراشدة وما بعدها، حتى غشيت المسلمين عصور الظلام والجهل، فاقتصرت رسالة المسجد على أداء الصلاة، وفي أحسن الأحوال إقامة الدروس، بينما نجد النواة الأولى للجامعات الإسلامية العريقة في عواصم العالم ومدنه الكبرى مثل المدينة، ومكة، وبغداد، ودمشق، والقاهرة، والقيروان وغيرها كانت في المسجد.

لقد حث رسول الإسلام وحض على بناء المساجد، ووعد مشيديها بالثواب الجزيل، والأجر العظيم لمكانتها في الإسلام، وحاجة المسلمين إليها في سائر البلاد والأزمان فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من بنى لله مسجداً ولو كمَفحَص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة).

هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل مشروط بشرطين كسائر الطاعات، هما:

1. أن يبتغي بذلك وجه الله، كما جاء في إحدى روايات الحديث: (يبتغي به وجه الله).

2. أن يبنيه بمال حلال طيب، لأن الله - سبحانه وتعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، لهذا قال ابن الجوزي - رحمه الله -: \"من كتب اسمه على المسجد بناه فهو بعيد عن الإخلاص \"، قال الزركشي - رحمه الله -: (خصَّ القطاة بالذكر دون غيرها لأن العرب تضرب به المثل في الصدق، ففيه رمز على المحافظة على الإخلاص في بنائه، والصدق في إنشائه).

 

زخرفة المساجد وتزيينها:

لقد أمر الشارع ببناء المساجد وبتشييدها وتعميرها، ولكنه نهى عن المبالغة في زخرفتها فعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد )، وروي عنه أنه قال: \"إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدبار عليكم\"، وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، ثم لا تعمرونها إلا قليلاً ).

وكتب عمر - رضي الله عنه - لأحد عماله: \"ابن لهم ما يكنهم الحر والبرد، وإياك أن تحمِّر وتصفِّر فتفتن الناس\".

قال القرطبي - رحمه الله -: (إذا قلنا إن المراد بنيانها فهل تزين وتنقش؟ اختلف في ذلك، فكرهه قوم، وأباحه آخرون، ثم ذكر بعض الآثار السابقة التي تنهى عن الزخرفة، وقال: احتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد، والله - تعالى - أمر بتعظيمها في قوله: ((في بيوت أذن الله أن ترفع )) يعني تعظم، وروي عن عثمان أنه بنى مسجد النبي بالساج وحسنه، وقال أبو حنيفة: لا بأس بنقش المساجد بماء الذهب، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالغ في عمارته وتزيينه وذلك في زمن ولايته، وذكِرَ أن الوليد بن عبد الملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وفي تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات، وروي أن سليمان بن داود - عليهما السلام - بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه).

قلت: الآثار التي تنهى عن المبالغة عن زخرفة المساجد وتزيينها أحق بالاتباع، والمهم كما قال عمر: أن يكون المسجد واسعاً يقي الناس الحر والبرد والمطر، ولا مانع من الزخرفة والتزين غير المبالغ فيهما من باب تعظيم شعائر الله، وإكرام بيوته في الأرض.

 

من الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها عند بناء المسجد ما يأتي:

1. أن تكون المحلة أو الحارة أو القرية أو الحي في حاجة إلى مسجد، حيث نلاحظ كثرة المساجد في بعض الأحياء، وندرتها أو عدمها في أماكن أخرى هي في أمس الحاجة إليها.

2. الحرص أن يكون للمسجد وقف ثابت بقدر المستطاع، يستفاد من ريعه في صيانته، وتجهيز ما يحتاجه من فرش ونحوه.

3. الاهتمام بدورات المياه والمواضئ، والعناية بنظافتها وتهيئتها.

4. توفير الماء، سواء كان بحفر بئر أو عمل خزانات ونحو ذلك.

5. اختيار إمام كفء مقتدر، وأن لا تكون الإمامة خاضعة للأهواء، أو أن تورث.

6. اختيار مؤذن وعمال لحراسة المسجد ونظافته ممن يقدرون المسجد قدره.

7. تشجير المسجد.

8. تنظيفه وتجميره.

9. الاهتمام بتهوية المسجد وتكييفه إن أمكن ذلك.

 

أمور ينبغي أن تصان منها المساجد:

إنما بنيت المساجد لذكر الله، ولإقامة الصلاة، ولتعليم الناس أمور دينهم، ولهذا لابد أن تصان من بعض الأمور التي لا تليق ولا تناسب الأغراض التي بنيت المساجد من أجلها، سنشير في هذه العجالة إلى أهم تِلك الأمور، وهي:

1. لا يُقبَر في المسجد أحد، لا أمام القبلة، ولا في الجهات الأخرى، مهما كان الموصي بذلك فلا تنفذ وصيته، ولو كان الذي بناه، لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )، وقال: (إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد ).

2. إنشاد الضوالِّ في المسجد.

3. أن يتخذ المسجد مكاناً للإعلانات عن الأفراح والأتراح.

4. الصخب ورفع الصوت في المسجد إلا في العلم، وقد كره مالك أن يرفع الصوت في المسجد ولو كان في حلقة علم.

5. تجنيبه الروائح الكريهة.

6. البيع والشراء ولو في رحاب المسجد، ولو عن طريق الجوالات.

7. دخول الكفار، حيث أصبحت المساجد الأثرية في بعض البلاد أماكن يرتادها السواح الكفار والنساء العاريات.

8. لا يشهر فيه سلاح.

9. لا يقام فيه حد من حدود الله - عز وجل -.

10. لا يتخذ مسكناً دائماً اللهم إلا لغريب أو محتاج، مع مراعاة الآداب المتعلقة به.

11. يجنب السماع الصوفي، وعمل الموالد والحوليات.

12. يجنب المجانين والأطفال إلا إذا كانوا بصحبة آبائهم وذويهم.

13. إنشاد الأشعار الماجنة، أو التي فيها هجاء ونحوها.

14. لا تمارس فيه أي حرفة من الحرف ممن يقيمون فيه ولا غيرهم.

15. تعليق لوحات ولو كان فيها آيات وأحاديث، إلى جهة القبلة خاصة.

16. إيقاف الأجراس في الساعات الحائطية التي تعلق بالمساجد.

17. الأوساخ، والقاذوات، والمخاط، والبزاق وما شاكل ذلك فهي من الخطايا العظيمة في المسجد.

18. الحرص على أخذ الزينة في المساجد، وتجنب الثياب المتسخة ذات الروائح الكريهة.

19. لبس ما فيه صورة من الثياب، ولبس الملابس التي تصف العورة أو تكشفها.

20. التجمر بحيطان المسجد، أو البول والتغوط حول أسواره، وكذلك النهي عن الحجامة والفَصد فيه.

21. تعليم الصبيان غير المميزين، والأفضل أن يكون ذلك في ملحقات بالمسجد.

والله أسأل أن يعيننا على تعظيم حرمات الله، وتقدير شعائره، وأن يرزقنا الأدب في بيوته ومساجده. 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply