بسم الله الرحمن الرحيم
الحوار أسلوب من أساليب التواصل البشري الراقي.. حيث تتلاقح العقول، وتنضج الأفكار.
من هذا المنطلق نفتح نافذة مع الشيخ الداعية عبد المجيد الريمي، أحد أشهر العلماء والدعاة المعروفين في اليمن، نطرح من خلالها أبرز قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، وأبرز هموم الدعوة.. من خلال الحوار والنقاش.
علماً بأننا سنهتم بالمفاهيم والأفكار والنظريات باعتبارها معقل التأثير على ذواتنا وسلوكياتنا وملامح حياتنا، وقبل البدء بطرح الأسئلة على الشيخ نقدم له الشكر على استضافته لنا، وتقبله للمشاركة في هذه النافذة.
الشيخ عبد المجيد، نرحب بكم، ونبدأ معكم في هذه النافذة الحوارية بالسؤال حول مفهوم بدأ يبرز في الساحة وأثار الكثير من الجدل، وتردد مصطلحه على الأسماع، وتتساءل الكثير عنهº ألا وهو مفهوم \"السلفية\"، وأنتم رمز من رموز هذا المفهوم، فما هي \"السلفية\"، وهل لها أصل في وجهة النظر الإسلامية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أولاً: أشكركم على هذا اللقاء، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى تبيين ما التبس على الناس من المفاهيم المغلوطة التي يحتاجون إلى معرفة وجه الحق فيها.
وثانياً: أريد أن أقدم بمقدمة قبل الجواب على هذا السؤال بمثابة التأصيل لجواز مثل هذه الألقاب فأقول:
إذا تأمل الإنسان فيما يراه على وجه هذه البسيطة من التجمعات البشرية وغيرها من أنواع المخلوقات من حيوان ونبات يجد أنه قد أطلق عليها ألقاباً وقد تميزت بشعار تعرف به وخاصة الألقاب التي ترجع إلى وصف أو دين أو مذهب أو لون أو بلد أو قبيلة أو شعب من الشعوب.
ولا غرابة في ذلك لأنه يرجع إلى ضرورة التعارف بين هذه التجمعات والتمايز بين هذه المسميات، وصدق الله القائل: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)).
فمما يطلق من الألقاب مثل لقب البشرية نسبة إلى آدم أبي البشر، والإنسانية نسبة إلى هذا الإنسان، والأمة العربية نسبة إلى هذا الجنس الذي يتكلم هذه اللغة، وأطلق العرب على الأمم التي لا تنطق بلسانهم لقب العجم نسبة إلى العجمة التي في لسانهم وغير ذلك كثير.
وكذلك ألقاب النسبة إلى القارات مثل الإفريقي، والآسيوي، والأوربي، وكذلك النسبة إلى البلدان كاليمني، والشامي، والحجازي، والنجدي، والمصري، والعراقي، وغير ذلك كثير بعدد البلدان.
وكذلك ألقاب النسبة إلى الدين مثل المسلمين نسبة إلى دين الإسلام، ومثل اليهود نسبة إلى يهوذا، أو نسبة إلى \"قولهم إنا هدنا إليك\"، ومثل النصارى نسبة إلى بلدة تسمى الناصرة أو نسبة إلى قولهم \"نحن أنصار الله\"، والبوذية نسبة إلى بوذا، والبهائية نسبة إلى بهاء الدين وغير ذلك.
وكذلك النسبة إلى مذهب اعتقادي مثل الأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري، أو الماتريدية نسبة إلى أبي منصور الماتريدي، وكذلك ألقاب الخوارج كالحرورية نسبة إلى حروراء البلد التي خرجوا منها، والأباضية نسبة إلى عبد الله بن أباض زعيم منهم، وفرق الشيعة كثيرة جداً كالإثناء عشرية نسبة إلى قولهم بوجود إثنا عشر إماماً معصوماً، وكالباطنية نسبة إلى القول بأن النص القرآني له ظاهر وباطن وغير ذلك من فرق الشيعة، ويقال في النسبة إلى التشيع بشكل عام شيعي.
وكذلك النسبة إلى مذهب فقهي كالشافعية نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي، والمالكية نسبة إلى الإمام مالك، والحنيفية نسبة إلى الإمام أبي حنيفة، والحنابلة نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل، والزيدية نسبة إلى الإمام زيد بن علي.
وكذلك النسبة إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية والاشتراكية الماركسية أو اللينينية، وكذلك الأحزاب القومية كالبعثية والنسبة إليها بعثي، أو النظريات كالدارونية نسبة إلى داروين وغير ذلك، والمقصود إنما هو المثال وليس الحصر.
وكذلك النسبة إلى الزعماء الثوريين المعاصرين مثل الناصريين نسبة إلى جمال عبد الناصر، والعفالقة نسبة إلى ميشيل عفلق النصراني مؤسس حزب البعث وغير ذلك.
ويأتي في خضم هذه النسب والانتماءات نسبة السني إلى مذهب أهل السنة، والسلفي نسبة إلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأثرى نسبة إلى أتباع الأثر، وفي كتب التراجم مجموعة يلقبون بهذا اللقب مثل المحدث زين الدين عبد الرحيم العراقي صاحب ألفية مصطلح الحديث الذي يقول في أولها:
يقول راجي ربه المقتدر عبد الرحيم الحسين الأثري
ومن ذلك النسبة إلى الوظائف والمهن كالبقال والجزار والعطار والسمان والحجام والخياط والبزاز ووو..الخ.
إذا تبين لك هذا فإن هذه الألقاب يختلف حكمها باختلاف مدلولها، فمنها ما النسبة إليها فرض مثل النسبة إلى الإسلام، ومثل النسبة إلى السلف إذا قصد بذلك مذاهبهم في الاعتقاد، أعني مجرد اختيار مذهبهم، ولا يلزم أن يكون مجرد اللقب شعاراً ملازماً في كل حال إذا حصل المضمون.
ومنها ما النسبة إليها كفر وحرام كاليهودية، والنصرانية، والشيوعية، وما اشتق منها من المذاهب الاشتراكية المخالفة لشريعة الإسلام، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال )(يعني قال هو يهودي أو نصراني ليفعلن كذا وكذا).
ومنها ما النسبة إليها بدعة لا تجوز كالخوارج والإثنا عشرية، ومنها ما النسبة إليها مباحة إذا قصد بها مجرد التعريف ولم يقصد بها التفاخر كالنسبة إلى المذاهب الفقهية المعروفة، أو إلى العرب، أو البلدان فيقال شافعي وحنبلي وعربي ويمني ونجدي، وكذلك النسبة إلى المهن التي لم يكرهها شرع ولا عرف سليم كالبزار والخياط، ومنها ما النسبة إليها مكروه لبعض الناس دون بعض كالمهن المحتقرة الخارمة للمروءة.
إذا تبين لك هذا وظهر لك كل ما حولنا من هذه الألقاب والمسميات فما الذي حرَّم على السلفيين فقط هذه النسبة الشريفة وأباح للآخرين أن ينتموا إلى ما يشاءون من هذه الفرق والأحزاب ولله در القائل:
أحرام على بلابلة الدوح حلال للطير من كل جنس
وخاصة إذا عرفنا أن حقيقة هذا المذهب هو النظر فيما استجد من العقائد والتصورات والطرائق التربوية والشعائر التعبدية وعرض ذلك على الوضع الذي كان عليه في زمن الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أئمة الهدى المعروفين، فإن وجد فيهم وقالوا به واعتقدوه فهو من الدين، وإن لم يوجد أو وجد ورفضوه رفضناه لأن ما لم يكن ديناً لهم فلا يجوز أن يكون ديناً لنا، أما المستجدات من الأمور الراجعة إلى المصالح الدنيوية فلا يشترط أن يكون للناس فيها سلف.
لقد كان منطق العلم والإنصاف يقتضي أن تتوجه الجهود للتنفير عن الألقاب التي ترجع إلى دين كفري، أو مذهب إلحادي، أو عقيدة بدعية لما يترتب على ذلك الانتماء من مخاطر على عقيدة المسلمين وعلى وحدة صفوفهم بسبب اختلاف العقائد والأفكار، أما أن يرحب بتلك الألقاب، وتطبَّع النفوس والألسنة والأقلام على تقبلها، وتحارب الألقاب التي تهدف إلى تعميق الفهم الأصيل للإسلام وإرجاع الأمة إلى ما كان عليه الرعيل الأول من المناهج والاعتقاد فهذا شيء عجيب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد