بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أملك مشروعي الخاص؟ وما هي معايير نجاح هذا المشروع؟ وما الفائدة التي ستعود علي من هذا المشروع؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهان كثير من الناس الطموحين الذين يريدون أن يصنعوا حياتهم، ويسعوا إلى تحقيق ما يطمحون إليه أو حتى جزء كبير منه.
فهل فكرتِ - أخيتي - بمشروع خاص بك؟؟
هاأنذا أطرح بين يديك مشروعًا أجزم أنه لا يعرف الفشل، فنتائجه مضمونة، بإذن الله. فأنت لا تحتاجين إلى رأس مال، ولا عدة ولا عتاد. كل ما تحتاجينه: هو العزم والتوكل على الله، ثم خطة مرنة تناسبك، ومصحف يصحبك طوال الرحلة.
هل عرفتِ هذا المشروع؟ إنه حفظ كتاب الله!! إنه -والله- تجارة رابحة واستثمار أكيد، فلئن تعيشي مع آي كتاب الله وتحفظينها في صدرك، ويستعملك الله في حفظ كتابه في الأرض فتكونين ممن حقق الله بهم موعوده في قوله - تعالى -: ((إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر: 9).
إنه -والله- الفوز العظيم والفلاح في الدنيا والآخرة.
اعلمي - أي أخية - أن أفضل ما يقوم به الإنسان أن يمتلئ قلبه بنور كتاب الله. ألم تسمعي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو..)) الحديث
واعلمي - حفظك الله - أن أجمل لحظة على الإطلاق أن يكون القرآن إلى جانبك في كل الظروفº ففي أي مناسبة تجدين آية تذكرك بالله - سبحانه وتعالى -.
ثم اعلمي- بارك الله فيك- أنَّ الله يصطفي لحفظ كتابه اصطفاءً، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)).ويكفي والله ذلك لحامل القرآن والعامل به شرفًا في الدنيا والآخرة.
واعلمي - أثابك الله- أن الله رتب الأجر العظيم لقارئ القرآن قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)).
فتأملي -رحمك الله- أين سيحط حافظ القرآن رحاله في الجنة!!
حفظ القرآن غاية كل مسلم ومسلمة والكل يحلم بتحقيق هذا الحلم والدخول في هذا المشروع.
ولكن ما السبيل إلى ذلك؟
قبل أن نبدأ خطوتنا الأولى في هذا المشروع:
هناك بعض الوصايا والتنبيهات ينبغي التنبيه عليها:
أولاً: لابد أن تضعي نصب عينيك أنك لن تستطيعي النجاح في أي مشروع ما لم يستقر في داخلك الاعتقاد بأنك ستنجحين، وهذا الاعتقاد لابد أن يكون جازمًا راسخًا لا يهتز ولا يعتريه أدنى ريب. ابعثي لعقلك رسالة إيجابية، وذلك أن تركزي على ما تريدين لا على ما لا تريدين. فالرسالة السلبية تبدأ بكلمة ((لا))º فبدلاً من أن تقولي: (أنا لا أريد أن أنسى ما حفظت من القرآن)، قولي: (أنا أريد أن أكون حافظةً متميزةً للقرآن). وأن تدل هذه الرسالة على الحاضر وليس المستقبلº فلا تقولي: (سأحفظ القرآن)، بل قولي: (الآن أنا أحفظ القرآن بتوفيق الله). فالسين وكلمة (سوف) تعني أنك لن تبدئي الآن، والمطلوب أن تبدئي في اللحظة التي تقررين فيها ودون إبطاء. لا تستسلمي للمثبطات من حولكº فأنت قادرة على حفظ كتاب الله وجديرة بذلك، وتذكري دائمًا الذين من قبلك سلكوا هذا الطريق وحفظوا كتاب الله منذ فجر الإسلام وإلى يومنا هذا. والقرآن سهل مسير، قال الله - تعالى -: ((وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مٌّدَّكِرٍ,)) (القمر: 17).
بل إن هناك أطفالا لم يتجاوزوا الثامنة أو العاشرة من أعمارهم قد أتقنوا حفظ كتاب الله! و الأعجب من ذاك أن أولئك النسوة الكبيرات بالسن اللائي ختمن كتاب الله حفظًا، وهن أميات لا يقرأن ولا يكتبن! وما أكثرهن في عصرنا الحاضر. إن سر نجاح هؤلاء النسوة هو العزم والتوكل على الله أولاً، ثم اعتقادهن الجازم بالنجاح.
ثانيًا: وبعد أن بدأت خطوتك الأولى - مستعينة بالله- انتبهي لأولئك المثبطين. فهناك من الناس من يثبط عزيمتك ويضعف همتك في المضي قدمًا في حفظ كتاب الله. فقد يأتيك من يقول: (إن حفظ القرآن يحتاج إلى أن تكوني متفرغةً، وحتى لو حفظتيه فبعد ذلك سوف تنسينه لأنك لن تجدي الوقت الكافي لمراجعته).
انتبهي لمثل أولئك واستعيني بمن مضى قدمًا في هذا المجال. ابحثي عمن حفظ كتاب الله استشيريهم، فما ندم من استشار ولا خاب من استخار، و اسأليهم عن برنامجهم مع كتاب الله، اجعليهم قدوة لك ونصب عينيك دائمًا.
تخيلي نفسك وقد حققت الهدف، وعيشي لحظات وأنت تنعمين بنعمة حفظ كتاب الله، وما أروعه من شعور أن تقفي بين يدي ملك الملوك تتلين القرآن في قيام الليل دون النظر إلى المصحف! عيشي إحساسك وأنتِ تقرئين القرآن يوم القيامة وترتقين، فتفوزين بكل آية بدرجة من درجات الجنة، بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض. وأيضًا تصوري لحظات تتويج والديك بتاج الوقار نوره أقوى من الشمس يوم القيامة!
ثالثًا: تذكري ثمن تحقيق النجاح: فبالنظر إلى الواقع نجد أنه للحصول على شهادة جامعية ينبغي علينا إمضاء ستة عشر سنة، بدءاً من المرحلة الابتدائية فالمتوسطة والثانوية ثم الجامعية، وكذلك بالنسبة للقرآن الكريم، لكي نتقن حفظه لابد من إمضاء عدد من الأشهر أو السنوات في الجد والمثابرة.
رابعًا: التخطيط: إن من عوامل نجاح أي مشروع، هو التخطيط السليم ووضع استراتيجيات ذات خطوات منطقية. وعادة ما يكون التخطيط إجابة عن الأسئلة التالية:
ما الذي أخطط له؟ وهو هنا حفظ كتاب الله.
لماذا أحفظ كتاب الله؟ وهو تحديد الغاياتºكأن تحفظي القرآن ليقال لك يوم القيامة كما يقال لحافظ القرآن الوارد في الحديث ((اقرأ وارتق رتل)).. الحديث.
اكتبي غاياتك، ضعيها في مكان بارز، وكلما فترت عزيمتك ردديها.
متى أحفظ القرآن؟ حددي الوقت المناسب للحفظ والمراجعةº فإن ذلك أدعى للاستمرار في الحفظ.
أين أحفظ القرآن؟ حددي المكان الناسب للحفظ، ويفضل أن يكون مكانًا هادئًا خاليًا من مشتتات الذهن كالصور والزخارف، وكذلك يفضل عدم تغيير المكان.
ثم، كيف أحفظ القرآن؟
قبل الشروع بحفظ كتاب الله عليك - أخيتي الغالية- وضع برنامج مرن يناسب وقتك وقدراتك. ولكي تبدئي عمل هذا البرنامج هناك أمور أنصحك أن تبدئي بها الآن:
اقتني مصحفًا جذابًا ومريحًا للعين. يوجد عدد من المصاحف الجيدة منها مصحف الوسيلة، واقتني أيضًا كتابًا يحوي أفكارًا عن كيفية الحفظ وأنصح باقتناء كتاب \"كيف تحفظ القرآن للدكتور يحي الغوثاني\"، ثم بادري بالتسجيل في دار نسائية لتحفيظ كتاب الله، أو تعاوني مع أخت لك تساعدك على حفظ كتاب الله ومدارسته.
ثم بعد ذلك - بارك الله فيك - حددي المدة التي سوف تستغرقينها في حفظ كتاب الله، مثلاً سنة، أو سنتين، أو أقل أو أكثر. فأنت أعلم بقدراتك وإمكانياتك ووقتك. ثم حددي أهدافك، ودونيها. ثم قيسي مدى تحقيقك لهذه الأهداف دوريًا. والخطوة الأخيرة مهمة جدًا لأنها تبين مدى التزامنا بتحقيق الخطة الزمنية التي وضعناها. وهي أيضًا حافز على المواصلة متى ما تقدمنا في الحفظ.
ومثال ذلك:
هدفي: أن حفظ سورة البقرة في شهر حفظًا متقنًا.
وهنا أؤكد على ضرورة تدوين الأهدافº فهي قياس لمدى التقدم الحاصل في الحفظ كما أنها دافع للاستمرار وعدم الفتور والتشتت لأن الطريق سيكون واضحًا أمامك، فما عليك إلا أن تسلكيه بعدما أعدت العدة وانطلقت بتوفيق الله وعونه. وقد أثبتت دراسة علمية، أن الذين يحددون أهدافهم يحققون 30% منها، أما الذين يكتبونها فيحققون 90% منها.
والآن بعد أن وضعت برنامجك الخاص وكتبت أهدافك وغاياتك، إليك -أخيتي الغالية - بعض الآليات والوسائل المعينة لحفظ كتاب الله، وقد أوصى بها بعض الحفاظ الذين من الله عليهم بالنجاح في هذا المشروع.
من الوسائل المعينة على حفظ القرآن:
أولاً: اغتنام سني الحفظ الذهبية:
تذكري - أخيتي- أن الموفق من وفقه الله لاغتنام السنين الذهبية وهي من سن الخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريبًا، فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جدًا. فعلى الإنسان أن يستغل سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله. ولكن لا يعني ذلك أن من تجاوز تلك المرحلة لا يستطيع الحفظ، بل بالعزم والإرادة والجد يمكن الوصول إلى حفظ كتاب الله. والله هو المعين والمسدد.
أي أخية: استعيني بالله ولا تشعري بالعجز والإحباط في مشوارك مع كتاب الله وثقي بوعده القائل: ((وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مٌّدَّكِرٍ,)) (القمر: 17).
ثانيًا: المحافظة على رسم واحد للمصحف:
خصصي لك مصحفًا ذا شكل جذاب مريح للعين وذا خط كبير، من الأفضل ألا تغيريه، كي تتمكني من حفظ مواضع الآيات في الصفحات، ويفضل مصحف الحفاظº لأن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع أيضًاº لأن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر في المصحف.
ثالثًا: تصحيح النطق وترتيل التلاوة:
لعلها أهم خطوة عملية في الطريق الصحيح نحو الحفظ السليم، ذلك أن تصحيح التلاوة أمر مقدم على الحفظ، ولا يكون تصحيح القراءة إلا بالسماع من قارئ مجيد، فالقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي فقد أخذه أفصح العرب لسانًا صلوات الله وسلامه عليه من جبريل مشافهة.
رابعًا: المراجعة المراجعة:
اعلمي -جعلك الله من حفاظ كتابه العزيز- أن القرآن يختلف عن أي محفوظ آخر من الشعر أو النثر، ذلك لأن القرآن سريع التفلت والهروب من الذهن. فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((استذكروا القرآن، فإنه أشد تفلتاً من صدور الرجال من النعم بعقلها))[1].
وصدق الله العظيم إذ قال: ((إِنَّا سَنُلقِي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً)) (المزمل: 5).
فلا يكاد من أتم الحفظ أن يتركه قليلاً حتى يهرب منه القرآن وينساه سريعًاº ولذلك لابد من المتابعة الدائبة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن. وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت))[2].
وهذا يعني أنه يجب أن يكون لحافظ القرآن ورد يومي دائم لمراجعة ما حفظه، وأنقل لك ما ذكره الشيخ عبد الحكيم القاسم عن حفظ القرآن ومراجعته وضبطه -بتصرف يسير- حيث قال:
يقصد كثير من مريدي الحفظ إلى طلب الحفظ، ولكن ما إن يزداد الحفظ، يتعثر بفوات المحفوظ القديم، فيصبح الحفظ الجديد حسنا والقديم سيئًا، فيذهب ليراجع القديم فإذا رجع إلى حفظه الأخير وجده قد تفلت، فيصبح في دوامة، لا يدري ما يصنع لحل هذه المشكلة؟
إن أهم عوائق الحفظ هو النسـيان السـريع للآياتº وذلك لأن عقل الإنسان به ذاكرة قصيرة وذاكرة طويلة، وعند الحفظ تكون المادة في الذاكرة القصيرة، ولكن بالمراجعة والتكرار تنتقل المادة المحفوظة إلى الذاكرة الطويلة.
ولذا يجب أن يكون لديك خطة للمراجعة بجانب خطة الحفظ، وينبغي أن تكون خطتك مبنية على أساس أن تتمكن من مراجعة كل ما حفظته في مدة محددة.
والحل: لهذه المشكلة بعلاج الاستذكار والمراجعة والضبط والحفظ، بترتيب معين، وبطرق أربع يجب اجتماعها لضبط القرآن:
1- المراجعة العامة لجميع المحفوظات:
وهي الأساس، وتكون هذه المراجعة لكل المحفوظ تقسمه على سبعة أيام، سواء سهل أم صعب، حتى ولو كثرت الأخطاء فأصبح في حكم المنسي، فلا بأس اقرأ وإن أخطأت فافتح المصحف من دون حزن ولا جزع.
فائدة هذه الطريقة: تثبيت الحفظ على ما هو عليه فلا يزيد تفلتاً، وتقليل الأخطاء على المدى الطويل، إذا لازم المراجعة. ومثال هذه الطريقة: إزالة الغبار الكثير من محل مبلط مزخرف بكنس متكرر كل يوم شيء يسير فيصبح بعد ذلك صلداً.
2- مراجعة الحفظ الجديد في الأيام التالية:
فإذا حفظت اليوم فراجعه ثلاثة أيام متتاليةº ليتقوى هذا الحفظ الجديد الرقيق اللين. ومثال ذلك: كتلبيس الجدار ورشه ثلاثة أيامº ليتقوى.
3-المراجعة الفرعية لضبط الحفظ ضبطاً تاماً:
وهذه المراجعة تقل كميتها وتكثر، وذلك على حسب الاستطاعة، وحسب الصعوبةº يمكن أن تكون في الأوقات البينية، كأوقات الانتظار غير المستغلة، وفي السيارة في الطريق للعمل ونحوها. وفائدتها: للإسراع في ضبط المحفوظات التي يراجعها مراجعة عامة.
4- الحفظ الجديد:
يحفظ طالب العلم على حسب قدرته ورغبته، ويكرر الحفظ في اليوم ذاته، حتى يضبطه ضبطاً تاماً، ولا مانع من إكثار المقدار أو تقليله.
ترتيب المراحل الماضية يومياً على حسب الترتيب السابق، ولا بد من فعل الأول، وأقل منه الثاني، وأقل منهما الثالث وأقل منهم الرابع.
فائدة الترتيب السابق: يوفر صفاء الذهن وقلة القلق من ضعف الحفظ الموجودº لأن لديه برنامج يسير عليه، وينتهي به - بإذن الله- إلى الضبط ولو طال الزمن، فمن سار على الدرب وصل، وهذا أيضاً يدفع إلى متابعة الحفظ بكل همة وعزيمة، وعدم إعادة الحفظ مرات ومرات كما هو واقع الكثير.
إضافة لما سبق فبعد الحفظ الجديد ومراجعته ثلاثة أيام متتابعة يبقى أن ننقله إلى دائرة المراجعة العامة لأنه أصبح محفوظًا، وبذلك نحافظ عليه في مراجعة دورية فلا ينسى بإذن الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 2 )
مكه
-سميه
04:31:57 2020-12-22
مشروع لا يعرف الفشل
22:28:14 2019-03-04