لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على نبينا محمد، وآله، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه نقول جميلة في مسألة جليلة..لها جوانب لا تخفى على اللبيب أردت نفعك بها عند الحاجة إليها في الرد على متعالم، أو جاهل جريء..أو علماني خبيث.. ونحوهم.. ممن بدؤوا يتكلمون في الدين، ويخوضون في التأويل، ويفسرون التنزيل كما يشاؤون..

قال العلامة ابن رجب - رحمه الله - في الحكم الجديرة بالإذاعة كما في المجموع 1/248:

وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد \".

فأمر الله ورسوله بالردِ على من خالف أمرَ اللهِ ورسولِه، والردُ على من خالف أمرَ الله ورسولِه لا يتلقى إلا عمن عرف ما جاء به الرسول وخَبَرَه خبرة تامة.

قال بعض الأئمة: لا يؤخذ العلم إلا عمّن عرف بالطلب.

وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - نوعان: أمر ظاهر بعمل الجوارح، كالصلاة والصيام والحج والجهاد، ونحو ذلك.

وأمر باطن تقوم به القلوب، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله وتعظيمه والرضا بقضائه والصبر على بلائه.

فهذا كله لا يؤخذ إلا ممن عرف الكتاب والسنة، ومن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث  لا نقتدي به في علمنا.

فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما جاء عن الرسول فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب، وفيمن يقول الله على ما لا يعلم، فإن كان مع ذلك لا يقبل الحق ممن ينكر عليه باطله لمعرفته ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل ينتقص به وقال: أنا وارث حال الرسول والعلماء وارثون علمه، فقد جمع هذا بين افتراء الكذب على الله، والتكذيب بالحق لما جاء به {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذّب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين} فإن هذا متكبر على الحق والانقياد له، منقاد لهواه وجهله، ضال مضل، وإنما يرث حال الرسول من علم حاله، ثم اتبعه، فإن من لا علم له بحاله فمن أين يكون وارثه؟

 

ومثل هذا لم يكن ظهر في زمن السلف الصالح حتى يجاهدوا فيه حق الجهاد، وإنما ظهر في زمن قل فيه العلم وكثر فيه الجهل، ومع هذا فلا بد أن يقيم الله من يبين للأمة ضلاله، وله نصيب من الذل والصغار بحسب مخالفته لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 

يا لله العجب، لو ادعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا، ولم يعرفه الناس بها، ولا شاهدوا عنده آلاتها = لكذبوه في دعواه، ولم يأمنوه على أموالهم، ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول، ولا يجالس أهله ولا يدارسه؟

فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه، ويحكمونه في أديانهم، يفسدها بدعواه الكاذبة؟

 

إن كنت تنوح يا حمام البان * للبين، فأين شاهد الأحزان؟

أجفانك للدموع أم أجفانـي * لا يقبل مدع بلا برهـان

 

وقبله قال العلامة ابن حزم الظاهري - رحمه الله - في مداواة النفوس ص67:

لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون.

وقال في كتابه مراتب العلوم ص86[ضمن رسائل ابن حزم ج4]:

وإن قوما قوي جهلهم، وضعفت عقولهم، وفسدت طبائعهم، ويظنون أنهم من أهل العلم وليسوا من أهله، ولا شيء أعظم آفة من على العلوم وأهلها الذين هم أهلها بالحقيقة من هذه الطبقة المذكورةº لأنهم تناولوا طرفا من بعض العلوم يسيرا، وكان الذي فاتهم أكثر مما أدركوا منه، ولم يكن طلبهم لما طلبوا من العلم لله - تعالى -، ولا ليخرجوا من ظلمة الجهل، لكن ليزدروا بالناس زهوا وعجبا، وليماروا لجاجا وشغبا، وليفخروا أنهم من أهله تطاولا ونفجا، وهذه طريقة مجانبة للفلاح، لأنهم لم يحصلوا على الحقيقة، وضيعوا سائر لوازمهم فعظمت خيبتهم، ولم يكن وكدهم أيضا مع الازدراء بغيرهم إلا الازدراء بسائر العلوم وتنقيصها في ظنهم الفاسد أنه لا علم إلا الذي طلبوا فقط، وكثيرا ما يعرض هذا لمبتدئ في علم من العلوم وفي عنفوان الصبا، وشدة الحداثة إلا أن هؤلاء ليرجى(1) لهم البرء من هذا الداء مع طول النظر والزيادة في السن. اهـ

وقبله قال الإمام الشافعي - رحمه الله - في الرسالة ص 41:

فالواجب على العالِـمِين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا.

وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله. اهـ.

وقبله قال الإمام محمد بن سيرين:

إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم. رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/14.

فهذه أربعة نصوص قد تحتاجها، لتصفع بها وجه كثير ممن يتكلمون فيما لا يحسنون، ويهذون بما لا يعرفون، خاصة من بعض كتاب الجلالة [الصحف: هكذا سماها العلامة بكر أبو زيد] المتعالمين المتجرئين على دين رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply