قال طالب لزميله: لم يزد الشيخ على ما في الشرح


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على محمد خير بشير ونذير أما بعد:

فهذه حكاية قرأتها في ترجمة العالم الحنبلي محمد بن عبد الرحمن بن عفالق الأحسائي(1) في كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة في 3/ 928: هذا نصها:

وكان شخص من أقاربه يقرأ عليه [مع](2) رفقة له في \" قواعد الإعراب \" فلما خرج قال لبعض الطلبة: لم يزدنا الشيخ على ما في الشرح

فنُقِلت (3) هذه الكلمة إلى الشيخ، فلما كان من الغد، وحضر الطلبة، قال الشيخ لذلك الشخص: اقرأ الدرس الماضي، فقرأه، وشرع الشيخ في التقرير في أبلغ عبارة، وأوسع نقل إلى الضحوة، ثم قال لذلك التلميذ: ما فَهِمتَ مِن هذا؟

فقال: لم أفهم شيئا منه، فقال: لهذا لم أزدك على ما في الشرح. (4) اهـ.

 

هذه المسألة \"التدرج في التعليم\"، وإعطاء الطلاب ما يدركون، وترك التعمق فيما لا يفهمونه، وتقسيمهم طبقات، منهج معروف في ذاك الزمان، وقبله، وبعده، أما الآن فقل، أو انعدم من يفعله، وهذا يُحدث خللا كبيرا في التلقي، فالطالب المبتدئ الذي يحضر درسا، ثم يجد الشيخ يتوسع بكل ما آتاه الله من قدرة سيخرج كما خرج هذا لم يفهم شيئا.

كما أن الطالب الفَطِن المتقدم في الطلب إذا حضر درسا للشيخ لم يزد فيه الشيخ شيئا على معلومه، سيفتر، أو يقف عن الحضورº لأنه لم يجد أهم ما جاء من أجله.

قال الإمام أبو بكر المروذي: بلغني أن ابن السماك جلس للناس يوما، وكانت له جارية في غرفة تسمع كلامه، فقال لها حين دخل عليها: كيف رأيت؟

قالت: ما أحسنه لولا أنك تكثر من ترداده، فقال: أردده ليفهمه من لم يفهمه.

قالت: إلى أن يفهمه من لم يفهمه قد ملّه من فهمه. أخبار الشيوخ ص191.

ومن جميل ما يذكر في التدرج:

أن طالبا جاء عند العلامة المعلمي، ومعه كتاب في الأصول، وطلب منه أن يشرح له بعض العبارات، وكان يظهر على هذا الطالب علامات التسرع، وبيد الشيخ - رحمه الله - سلسلة، فقال للطالب: انظر لهذه السلسلة التي بيدي، صانعها نكث في صنعها مدة أخذ يركب حلقة حلقة، وهكذا العلم مسألة مسألة. اهـ

ص69 من مقدمة كتاب \"عمارة القبور\" للشيخ ماجد الزيادي.

 

والتعليم فن يحتاج إلى إتقان، وبعد نظر.

فكم رأيتم مَن بدأ بكتاب مختصر في أحد الفنون كالعمدة في الفقه، مثلا للمبتدئين فطول العبارة، وتوسع في ذكر الفروع، والخلاف، والكلام على علل الأدلة..الخ فصار الكتاب أوسع من المغني، والمجموع، وهو درس للمبتدئين!

ومَن شرح النخبة فزاد في بعض مباحثه على فتح المغيث..

والضحية مَن خرج، ولم يفهم، بل ربما ترك طلب العلم مطلقا.

فهلا انتبه لذلك المشايخ، وطلبة العلم؟

والعجيب أنك دائما تسمع الوصية للطلبة بالتدرج، ثم يقل أن تجد من يطبق.

ومن صور الفوضى في ذلك أن يَترك الشيخ للطالب اختيار الكتاب الذي يريده، فيجهز الطالب على كتاب كبير ليس منه بسبيل، أو علم هو فيه دخيل.

وعكسها أن ينظر الشيخ لمصلحته هو، فيأمر الطالب أن يقرأ عليه في كتاب يريده هو، فينظر مصلحته، وينسى ما ينفع التلميذ المسكين، وهذا غش لهذا الطالب المسكين، فليس من النصح للمسلمين.

هذه خواطر كانت تجول في الذهن من زمن مررت بهذه القصة، فكانت مناسبة لها.

والله أعلم.

وينظر المدخل للعلامة ابن بدارن الحنبلي ص485 ففيه كلام جميل مطول عن التدرج.

 

----------

(1) هذا الرجل كان من المتعصبين ضد دعوة الدعوة السلفية في نجد.

(2) في المطبوع: من، وأظن الصواب ما أثبت.

(3) هذه نميمة قبيحة، وكان الأولى بهذا الناقل أن لا يسمي من نقل بل يذكر الكلام على الإبهام.

(4) يبدو أن هذا الشيخ حريص على هذا الذي ذكرت ففي ترجمته أنه قال عند موته لتلميذه: في صدري أربعة عشر علما لم أسأل عن مسألة منها قبلك. 3/928.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply