وقل رب زدني علما


بسم الله الرحمن الرحيم 

يكفي في تقديس الإسلام للعلم وتكريم العلماء وتقديمهم على غيرهم قول الله - تعالى -: \"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون\" الزمر: 9\"وقوله - تعالى -: \"يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات\"المجادلة: 11\". والآيات في ذلك كثيرة وأما الأحاديث فهي أكثر من أن تحصى ومنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:\"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة\"(رواه مسلم) وقوله - صلى الله عليه وسلم -:\"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له\". (رواه مسلم)· وقوله - صلى الله عليه وسلم -:\"من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع\"(رواه الترمذي) وقوله - صلى الله عليه وسلم -:\"من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وان العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه اخذ بحظ وافر\"(رواه أبو داود والترمذي).

 

والعلم كما عرفه العلماء: هو إدراك الشيء بحقيقته أو على ما هو به، أو هو الجزم القاطع المطابق للواقع عن دليل، فإدراك نسبة ما إدراكاً مطابقاً لما هي عليه، جازماً لما أدرك من دليل هو العلم، فان لم يستطع من أدرك النسبة أن يقيم دليلاً عليها مع قطعه بها فهو مقلد، أما إن كانت النسبة المجزوم بها لا رصيد لها في الواقع، أو غير مطابقة له فجهل لأنه إدراك الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع، وصاحبه جاهل بالشيء، وجاهل بجهله به، أما إن كان الإنسان لا يعلم نسبة ما أو حقيقة من الحقائق ابتداء فهي الأمية فيما لا يعلمه نسبة إلى الأم حيث يولد من بطنها لا يعلم شيئاً مصداقاً لقوله - تعالى -: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً\"النحل: 78\". وعلاج الجهل أصعب من علاج الأمية لأنه يتطلب مجهودين: مجهود لإزاحة ما أدرك من خطأ، والآخر: لتقرير المقابل من الصواب، وأما تعليم الأمي فمرتبة واحدة تقدم فيها الحقيقة لتدرك على ما هي عليه.

 

إن العلم المراد بالنصوص القرآنية والحديثية هو العلم الديني والعلم الدنيوي على حد سواء فإلانسان خليفة الله - تعالى - في أرضه فلا بد له من تعمير المملكة الدنيوية التي استخلفه الله - تعالى - فيها ليصح له التحقق بالكمالات الدينية المطالب باكتسابها فإذا كانت الدنيا مطية الآخرة فلا بد من صلاح هذه المطية وصلاحها لا يكون إلا بالعلم فالعلم الدنيوي في الإسلام غايته أخروية إلهية ويتساوى مع العلم الديني إذا أخلصت فيه النية وكانت لله وللأمة· وإذا كان الحفاظ على المال هو أحد مقاصد الدين إضافة إلى الحفاظ على النسب والعقل والنفس والدين فمما لا شك فيه أن ذلك لا يتم ولا يتحقق إلا بتعلم العلوم الدنيوية المتعلقة بتنمية الثروات الطبيعية.

 

وهذا لا يمنع من تفاضل العلوم في نفسها ولا يتعارض مع ما قاله العلماء من أن فضيلة العلم تعرف بشيئين أحدهما: بشرف ثمرته والآخر بوثاقة دلالته، وذلك كشرف علم الدين على علم الطب فإن ثمرة علم الدين الوصول إلى الحياة الأبدية وثمرة علم الطب الوصول إلى الحياة الدنيوية المنقطعة وعلم الدين أصوله مأخوذة عن الوحي وأصول الطب أكثرها مأخوذ من التجارب، فتفاضل العلوم فيما بينها لا يحط من قدر العلم غير الشرعي ومن هنا قالوا: لا ينبغي للعاقل أن يستهين بشيء من العلوم، بل يجب أن يجعل لكل واحد حظه الذي يستحقه، ومنزلته التي يستوجبها ويشكر من هداه لفهمه وصار سبباً لعلمه، فمن تأمل حكمة الله - تعالى - في أقل آلة يستعملها الناس كالمقص حيث جمع بين سكينين ركبا على وجه يتوافى حداهما على نمط واحد للقص أكثر من تعظيم الله - تعالى - وشكره وقال: سبحان الذي سخر لنا هذا\"الزخرف: 13\".

 

فحق الإنسان أن لا يترك علماً من العلوم الدينية أو الدنيوية أمكنه النظر فيها واتسع العمر له إلا ويجد في تحصيلها واكتسابها خدمة لنفسه ودينه وأمته وهذا مقتضى وسطية الإسلام الذي وازن بين الدنيا والآخرة، بين المادة والروح، بين الكثائف واللطائف، بين الملك والملكوت.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply