بسم الله الرحمن الرحيم
فهذا عام هجريُّ بتمامه قد مضى، ومضت معه أعمالنا، تشقٌّ طريقها إلى الله العلي القدير، فإمَّا أن تكون حجَّةً لنا أو حجَّةً علينا. فإذا تشوَّقت لاختزال الزمان، وأحببت أن تعرف مقامك عند الله، فما عليك إلا أن تفتش عن الله في قلبك.. فقديماً قيل: إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر إلى مقام الله في قلبك.. مصداقاً لقوله - تعالى -: { اذكروني أذكركم }. وقد صَدَق وأصاب من قال: إذا أردتَ أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما استعملك.
1-وِقفة قصيرة:
لابد أخي المسلم من وقفةِ تَفكٌّرٍ, قصيرة نقلِّب فيها الذكريات ونسترجع أهم الأحداث الماضية، وأهم النعم المحصَّلة، والنِّقمَ المدفوعة عنا، في نهاية عامٍ, مضى، ومع استقبال عامٍ, هجري جديد - ولو تأمَّلنا ذلك لرأينا العجبَ العُجاب.. إني لن أطالبك بتذكٌّر 360 نعمة أغدقها الله عليك، بذكر نعمة واحدة عن كل يوم مضى، بل أطالبك بذكر 12 نعمة حصَّلتها، و 12 نقمة دُفعت عنك، أي أن تذكر عن كل شهر نعمةً واحدة تخصك أنت بالذات، جسداً ونفساً وروحاً وعقلاً إلخ …
وذلك لأن القانون الإلهيَّ الساري:} ولئِن شكرتُم لأزيدنَّكم ولئِن كفرتُم فإن عذابي لشَديد {ومن الشكر الاعترافُ بالفضل وتذكٌّرُه، والاستغفارُ عمَّا مضى، والتوبةُ النصوحُ بالإقلاع عن الذَّنب أو العادات الخاطئة التي تحكم مسيرة حياتك.
2- خَطِّط لعامك الجديد:
إياكَ ثم إياكَ أن يبدأَ العامُ الجديدُ قبل أن تضع الأيامَ و الشهور نُصبَ عينَيك، بتسجيلها في جدولٍ, تجعَلُه بين يديكº وتُمعِنَ فيها النظر وتعزمَ بصدق و إخلاص أن تُمضِيَها في طاعة الله، وتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه، ونصرة شرعه، وإحياء سنة رسوله r … وأن تجدد العهد وتعطيَ الوَلاء خالصاً كاملاً لله وحدَه دون سواه.
ولتنظر فيما استعملك الله فيه.. ((فكُلُّ مُيَسَّر لِما خُلِقَ له)) فوضِّح أهدافك الذاتية، وحدِّد السٌّبُلَ ووزِّع الأهدافَ على الأشهر والأسابيع و الأيام، وتوكَّل على الله في تنفيذها.. طالباً منه العونَ والسَّداد، وثم التأييدَ والتوفيق على الدوام.
3- النقد الذاتي:
اجعل لنفسك جلسةً قصيرة في ختام كلِّ يوم تحاسب فيها نفسكَ، وتقبض غَلَّةَ أعمالك، وتقف على دقة تحقيقك لأهدافك. واجهد أن تنام وقد نقَّيتَ قلبك من كل شهوة وحسد وحقد وغل وأن تعفو عن كل من أساء إليك وأن تعفو وتسامح كلَّ من قصَّر بحقك لتسمو وتفوز بتلك المنزلة التي تبوَّأها ذاك المسلمُ الصالح الذي قال عنه الرسولr:
((يدخلُ عليكُم الآنَ رجُلٌ من أهل الجنَّة ….)).
ثم اعزِم أن تكونَ لك مثلُ هذه الوِقفة في نهاية كل أسبوع، وكذلك نهاية كل شهر، مروراً بفصول السنة الأربعة وانتهاءاً بخاتمة عامك إن أحياكَ الله.
النية الصالحة تضمنُ لك الأجر وإن أدرككَ أجلُك قبل أن يتم عملُك.
فقهُ التعامل مع الله - سبحانه - واستثمارَ مخازن حسناته وخيراته لا يحسِنُه ويُتقِنُه إلا القليلُ من الناس، فلا ترضَيَن أخي إلا أن تكونَ منهم.. ولا يكلِّفك ذلك سوى نية خالصة صادقة، وعزيمة معقودةٍ, أكيدة، بعد التخطيط النظري، والشروع بالتنفيذ العملي.. فإذا ما سلكتَ هذا السبيلº ضمِنتَ أجرَ ما نويت فعلَه وإن حالت دونَ ذلك العمل الحوائلُ،
وسبقَ إليك الأجلُ، قبل أن تصل لأهدافك و الآثار الواردة في هذا المعنى كثيرة، منها قوله: ((مَن هَمَّ بالحَسَنة فلم يَعمَلها.. كُتبَت له حسنةً كاملةً..)) وقوله: ((مَن خرجَ في سبيلِ الله فعثَرَت به دابتُه فماتَ.. مات شهيداً …)).
فلمَ لا تعقِدُ نيَّتك من هذه اللحظة على البدء في هذا المشروع (التخطيط السنوي) لتضمن الأجر إن شاء الله؟ كما أحب أن أنوِّه إلى فقه {تجميع النيَّات} في النوافل.. مثال ذلك: أن يعزِمَ أحدُنا على صومِ يوم الاثنين اقتداءً بالنبيِّ الذي كان يكثر من صيام يومي الاثنين والخميس، فإذا وافقَ يومُ الاثنين الخامسَ عشرَ من الشهر الهجري، جمع إلى نيةِ صوم الاثنين نيةَ صومِ اليوم الخامس عشر من أيام الليالي البِيض، التي حثنا رسول الله على صيامها، فيكون قد جمع أجرَ صوم يومَين وإن كان في حقيقة الأمر قد صام يوماً واحداً، وإذا ما كان ذلك في شهر شوَّال، فإنه يضيف إلى نيته السابقة نيةَ صوم أحدِ الأيام الستة من شوال التي رغَّبنا النبي بصيامها، فيحصِّل بذلك أجر صوم ثلاثة أيام إن شاء الله، مع أنه صام يوماً واحداً، والله - تعالى - أعلم.
و كما أخص أختي المسلمة بهذه النصيحة التي هي مواساة لها، وكما واسى الرسولُ إحدى أزواجه بقوله:
((إن حيضَتَكِ ليسَت بيدِك ….)) وأقول فلتعزمي ولتَنوي إن صادف أحدُ أيام العبادات (وقتَ حيضَتِكِ) أن تصومي ذلك اليوم فتفوزين بالأجر كاملاً (إن شاء الله) وهذا كرمٌ عظيم من الله - سبحانه -، اختصَّ به المرأةَ وأصحابَ الأعذار، فسبحان الله العَظيم.
نموذج عملي:
أخي المسلم.. أختي المسلمة.. يحسُنُ بكم أن تطبعوا هذا البرنامَج البسيط.. وأن تعدِّلوا فيه زيادةً أو نقصاً حسب حاجتكم فما هو إلا نموذجٌ مقترَحٌ مبسَّط يناسب عامَّةَ الناس وسوادَهم … أبتغي به الأجر والرضوان والدعوةَ الصَّالحة..
وما هذا النموذج سِوى علامات تساعد المسلم على السير في طريق إصلاح الحال مع الله، والعَيش في ربَّانية صادقة، والمراقبة الدائمة، والمحاسبة المستمرة، يوميَّاً، وأسبوعياً، وشهرياً، وفصلياً، وسنوياً ولعلَّ كثيرٌ مما أقترحه معروف ذائع وإنما التجديدُ كائنٌ في أسلوب العرض المنظَّم، وطريقةِ السَّبك الموجز، فهذا بيانُ شهرٍ, واحدٍ, نقدمه لتقيس عليه بقية الأشهر.
وهو عبارة عن تحديد أهدافٍ, جزئية تعينك على الوصول إلى أهدافك الكليَّة الشهريَّة والسنويَّة.
ابدأ بمَلءِ الفراغات على يمين الجدول الزمني عند استقبالك لهذا الشهر الكريم.
قبل البدء بالشهر جدول زمني تفصيلي بعد تمام الشهر
هدفي خلال هذا الشهر ………………….. …………بتقييم …………..
المهارة المطلوب ………………………. ….. ……بتقييم …………..
صفة خلقية تنقصني …………………… … ……….. بتقييم ……………
صفة سلبية أريد التخلص منها …………… …………… بتقييم ……………
صفة اجتماعية ………………………… …………… بتقييم ……………
قراءة كتاب …………………………… ……………. بتقييم ……………
تواصل مع …………………………… ………………. بتقييم ……………
إنهاء خلاف مع …………………… قرأت ………………………. صفحة ………بتقييم …………
سداد دين أو ادخار …………… …… صمت ……………………… يوم ………بتقييم ………..
إصلاح جسدي من ………………… قمت………………………… ليلة …… بتقييم …………
عادة أريد التخلص منها …………… الجمعة المميزة …………………… …… بتقييم …………
وبإمكانك الزيادة على ما قرأت.
أما الطرف المقابل فيكون بمَلء الفراغ.. بـ تَم بحمد الله أو تم كذا.. بدل كذا …. وتسجيل التقويم المناسب.
أما الجدول الزمني الموضَّح أمامك.. فقط جعلته كما يلي: ظلَّلت يوم الجمعة باللون الغامق ليكون فيصل الأسبوع.. وليتذكر الأخ الكريم بأن يقضيَ يومَ الجمعة أحسنَ قضاء وأمثلَه مع ذاته وأسرته ومن له صلة بهم.
- كما ظللت أيام الاثنين والخميس، وأيام 13 14 15 أيام الليالي البِيض باللون الرَّمادي، و كذلك كل أيام الصَّوم الواردة في السنة ثم اخترت من أيام الصيام الواردة آنفاً بعضاً منها فطمستها باللون الغامق إشارة إلى إمكانية تطبيق فكرة (تجميع(تشريك) النيات) للحصول على ثواب يومَين أو ثلاثة أيام بصيام يوم واحد (راجع الفقرة 4). أما الدوائر السود فقد وضعت دلالة على الليالي المقترحة لقيام الليل كحد أدنى في الشهر وهي ليلة الاثنين وليلة الخميس لاستثمار أوقات السحور وبركته لمن أراد الصوم بقيام 11 ركعة، وكذلك ليلة الجمعة لما ورد فيها من آثار صحيحة بفضل قيامها، وتجلِّي الله على عباده لموافقة ساعة الإجابة.
أما الجدول المثبت أسفلَ كل شهر.. فالمراد مَلؤه بعد انقضاء الشهر ليعرفَ كلُّ منا حقيقة ما فعله من صيام وقيام … أما فقرة القرآن.. فاقتراحي أن تقسم السنةُ إلى أربعة فصول.. وأن يتم قراءة ختمة أي ما يعادل 650 صفحة من مصاحف الحفَّاظ.. كل 3 أشهر أي ما يعادل في الشهر الواحد 200 صفحة أي ما يعادل في اليوم الواحد 6 صفحات ونيف تقرأ أول صفحة عند السحر وصفحة بعد أو قبل كل صلاة مكتوبة.
أخيراً أرجو من الله حسنَ القبول، ثم أرجو من الأخوة و الأخوات الدعاء في ظهر الغيب و التقويم والتَّصويب لكل ما يرونه غيرَ صواب، واللهَ نسألُ أن يكون هذا العام عام خير وبركة وفتح و تأييد ونُصرة..
وكلَّ عام أنتم بخير. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد