إن كل إناء ينضح بما فيه، وإنه لا يحرك ما في العقل إلا ما في القلب، ولقد كان حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في قلوب الصحابة لا يماثله حب ولا توازيه عاطفة، فإن هذا الحب ليعبق في الصدور، ويوغل في القلوب ويأسر الفؤاد، ويلهم أصحاب الألباب ليجودوا بما أنعم الله به عليهم ويعبروا عن حبهم لنبيهم..
يسألونك عن الحبِّ قل عواطف*** متعددة الأجناس موطنها القلبُ
وبالرغم من هذا فإن كلماتهم وأشعارهم تعجز عن وصف ما يحمله فؤادهم..
من شعر حسان بن ثابت:
أَغـــرُّ عليه للنبوة خاتم *** مـن الله مشهود يلوحُ ويشهدُ
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن: أشهد
وشق لــه من اسمه ليجله *** فـذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعــد يأس وفترة *** من الرسل، والأوثانُ في الأرض تعبد
فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا *** يلـوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا نارًا وبشَّــر جنةً *** وعلَّمـــنا الإسلام فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي *** بذلك ما عـمَّرت في الناس أشهد
**************
هجوتَ محمدًا فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوتَ محمدًا برًّا تقيًّا *** رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها *** تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات *** على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات *** تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا *** وكان الفتح وانكشف الغطاء
إلا فاصبروا لضراب يوم *** يعز الله فيه مَن يشاء
قال الله: قد أرسلت عبدًا *** يقول الحق ليس به خفاء
قال الله: قد يسرت جندًا *** هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد *** سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منك *** ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء
**************
وأحسن منك لم تر قط عيني *** وأجمل منك لم تلد النساء
خُلِقتَ مبرءًا من كل عيب *** كأنك قد خُلِقتَ كما تشاء
**************
دع عنك دارًا عفا رسمـها *** وابك على حمزة ذي النائل
أبيض في الذروة مـن هاشم *** لم يَمرِ دون الحق بالباطـل
أظلمتِ الأرضُ لفقــدانه *** واسودَّ نور القمر الناصـل
صلى عليك الله في جــنة *** عالية مكـــرمة الداخل
**************
من شعر كعب بن زهير:
بانَت سُــعادُ فقَلبِي اليــومَ مَتبُولُ *** مُتَيَّـمٌ إثرَهــا لَم يُفـدَ مَكبـولُ
وما سعادُ غَــدَاةَ البَينِ إذ رَحَلُــوا *** إلا أَغَنٌّ غَضِيـضُ الطَّرفِ مَكحـولُ
هيفــاءُ مُقبِلَـــةً عَجزَاءُ مُـدبِرَةً *** لا يُشـتَكَى قِصَرٌ مِنهـا ولا طـولُ
تَجلو عَوَارِضَ ذي ظَلمٍ, إذا ابتَسَـمَت *** كأنَّـهُ مُنهَــلٌ بالرَّاحِ مَعلُــولُ
شُجَّت بِــذِي شَبمٍ, مِن مــاءِ مَعنِيَةٍ, *** صافٍ, بـأَبطَحَ أَضحى وَهوَ مَشمُولُ
تَنفِي الرِّيَــاحُ القَــذَى عَنهُ وأَفرَطُهُ *** مِن صَوبِ سـارِيَةٍ, بِيضٌ يَعَـاليـلُ
أَكــرِم بها خُلَّةً لـو أَنَّهَــا صَدَقَت *** مَوعودَهـا أَو لَو أنَّ النٌّصحَ مَقبولُ
لكنَّهَـــا خُلَّةٌ قَد سِيطَ مِن دَمِهَــا *** فَجـعٌ وَوَلـعٌ وإخلافٌ وتَبديـلُ
فما تدومُ على حـالٍ, تكونُ بِهـــا *** كَمـا تَلَوَّنُ في أثـوابِهـا الغـولُ
ولا تَمَسَّـكُ بالعَهدِ الــذي زَعَمَت *** إلا كَما يُمسِـكُ المـاءَ الغَرابيـلُ
فلا يَغُرَّنكَ مـــا مَنَّت وَما وَعَدَت *** إنَّ الأَمـانِيَّ والأحـلامَ تَضليـلُ
كــانَت مَواعيـدُ عُرقوبٍ, لها مَثَلا *** ومـا مَواعيدُهـا إلا الأَبـاطيـلُ
أرجو وآمُــلُ أن تَدنو مَوَدَّتُهــا *** وما إخَـالُ لدينـا مِنكِ تَنويــلُ
أمسَت سُــعادُ بأرضٍ, لا يُبَلِّغُهــا *** إلا العِتـاقُ النَّجِيباتُ المَـرَاسـيلُ
ولَن يُبَلِّغَهَـــا إلا غُـــذَافِرَةٌ لها *** على الأيـنِ اِرقـالٌ وتَـبغيـلُ
مِن كُـلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفرَى إذا عَرِقَت *** عُرضَتُهَا طامِسُ الأعـلامِ مَجهـولُ
تَرمِي الغُيُـــوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ, لَهِقٍ, *** إذا تَـوَقَّـدَتِ الحَـزَّازُ والمِيــلُ
ضَخمٌ مُقَلَّدُهـــا فَعمٌ مُقَيَّدُهــا *** في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضِيـلُ
غَلبـاءُ وَجنـاءُ عَلكــومٌ مُذَكَّرَةٌ *** في دَفِّـهَا سَـعَـةٌ قُدَّامَـهَا مِيـلُ
وجِلدُهــا مِن أُطُومٍ, لا يُؤَيِّسُــهُ *** طَلـحٌ بضـاحِيَـةِ المَتنَينِ مَهـزولُ
حَرفٌ أَخُوهـا أَبُوهــا مِن مُهَجَّنَةٍ, *** وعَمٌّـهَا خالُـهَا قَودَاءُ شِـملِيـلُ
يَمشِي القُرَادُ عليهـــا ثُمَّ يُزلِقُـهُ *** مِنهـا لِبَـانٌ وأَقـرَابٌ زَهَـالِيـلُ
عَيرَانَـةٌ قُذِفَت بالنَّحـضِ عن عُرُضٍ, *** مِرفَقُهَـا عَن بَنَـاتِ الزٌّورِ مَفتُـولُ
كـأنمـا فـاتَ عَينَيهـا ومَذبَحَهـا *** مِن خَطمِهَـا ومِنَ اللَّحيَينِ بِرطِيـلُ
تَمُرٌّ مِثلَ عَسِـيبِ النَّخلِ ذَا خُصَـلٍ, *** في غَـارِزٍ, لَم تُخَـوِّنـهُ الأَحاليـلُ
قَنـوَاءُ في حَرَّتَيهَــا للبَصِيرِ بِهــا *** عَتَقٌ مُبِينٌ وفي الخَــدَّينِ تَسـهِيلُ
تُخدِي على بَسَــرَاتٍ, وَهِيَ لاحِقَـةٌ *** ذَوَابِـلٌ مَسٌّـهُنَّ الأرضَ تَحلِيـلُ
سُمرُ العَجَاياتِ يَترُكنَ الحَصَى زِيَمَــا *** لَم يَقِهِـنَّ رُؤوسَ الأَكـمِ تَنعِيـلُ
كَــأَنَّ أَوبَ ذِرَاعَيهــا إذا عَرِقَت *** وقَــد تَلَفَّعَ بالكُـورِ العَسَاقِيـلُ
يَومَــًا يَظَلٌّ بِهِ الحِربَــاءُ مُصطَخِدًَا *** كَــأَنَّ ضَاحِيَهُ بالشمسِ مَملُـولُ
وقالَ للقَومِ حَـادِيهِم وَقَــد جَعَلَت *** وُرقَ الجَنَادِبِ يَركُضنَ الحَصَى قِيلُوا
شَدَّ النَّهَــار ذِرَاعَــا عَيطَلٍ, نَصِفٍ, *** قامَت فَجَاوَبَـهَـا نُكدٌ مَثَاكِيــلُ
نَوَّاحَةٌ رِخوَةُ الضَّبعَيـنِ ليـس لهــا *** لَمَّا نَعَى بِكرَهَـا النَّاعُونَ مَعقُــولُ
تَفرِي اللٌّبَانَ بِكَفَّيهـــا ومَدرَعُهـا *** مُشَـقَّقٌ عَن تَرَاقِيهـا رَعَـابِيــلُ
تَسعَى الوُشَـاةُ جَنَـابَيهَا وقَولُهُــمُ *** إِنَّكَ يـا ابنَ أبي سُـلمَى لَمَقتُـولُ
وقالَ كُـلٌّ خَلِيـلٍ, كُنتُ آمُلُــهُ *** لا أُلهِيَنَّـكَ إني عنــك مَشـغُولُ
فقُلتُ خَلٌّـوا سَـبيلِي لا أبا لَكُــم *** فَكُـلٌّ ما قَـدَّرَ الرَّحمَنُ مَفعُــولُ
كُلٌّ ابنِ أُنثَى وإِِن طالَت سَـــلامَتُهُ *** يومـًا على آلَـةٍ, حَدبَاءَ مَحمُـولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رسُـــولَ اللهِ أَوعَـدَنِي *** والعَفوُ عندَ رَسُـولِ اللهِ مَأمُــولُ
وقَد أَتَيـتُ رَسُــولَ اللهِ مُعتَـذِرًَا *** والعُذرُ عندَ رَسُـولِ اللهِ مَقبُــولُ
مَهلاً هَدَاكَ الذي أَعطَـاكَ نَافِلَةَ الـ *** قُرآنِ فيهـا مَوَاعِيـظٌ وتَفصِيـلُ
لا تَأخُذَنِّي بـأَقوالِ الوُشَــاةِ ولَم *** أذنِب وقَد كَثُرَت فِيَّ الأَقـاوِيـلُ
لَقَد أَقُومُ مَقَامَـًا لَو يَقُــومُ بِــهِ *** أرى وأَسـمَعُ ما لَم يَسـمَعِ الفِيلُ
لَظَـلَّ يَرعُدُ إلا أَن يَكــونَ لَــهُ *** مِنَ الرَّسُـولِ بـإذنِ اللهِ تَنوِيــلُ
حَتَّى وَضَعتُ يَمَيني لا أُنـــازِعـهُ *** في كَفِّ ذِي نَغَمَـاتٍ, قِيلُهُ القِيـلُ
لَــذَاكَ أَهيَبُ عِندي إذ أُكَـلِّمُـهُ *** وقِيـلَ إِنَّكَ مَنسُـوبٌ وَمَسـئُولُ
مِن خادِرٍ, مِن لُيُوثِ الأسدِ مَســكَنُهُ *** مِن بَطن عَثَّـرَ غِيـلٌ دُونَهُ غِيـلُ
يَغدُو فَيُلحِمُ ضِرغامَينِ عَيشُـهُمَــا *** لَحمٌ مِنَ القَـومِ مَعـفُورٌ خَرَاديـلُ
إذا يُســـاوِرُ قِرنًَا لا يَحِلٌّ لَــهُ *** أَن يَترُكَ القِـرنَ إلا وَهـوَ مَغلُـولُ
مِنهُ تَظَلٌّ سِــبَاعُ الجَوِّ ضــامِرَةً *** ولا تَمَشَّـى بِوَادِيــهِ الأرَاجِيـلُ
ولا يَـزَالُ بِـوَادِيهِ أخُــو ثِـقَةٍ, *** مُطَرَّحَ البَزِّ والدَّرسَــانِ مَأكُـولُ
إنَّ الرَّسُولُ لَنُورٌ يُستَضَــاءُ بِهِ*** مُهَنَّـدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَســلُولُ
في فِتيَةٍ, مِن قُرَيـشٍ, قالَ قـائِلُهُـم *** بِبَطنِ مَكَّــةَ لمَّـا أَسـلَمُوا زُولُوا
زالُوا فما زالَ أَنكَاسٌ ولا كُشُــفٌ *** عِنـدَ اللقـاءِ ولا مِيـلٌ مَعَازِيـلُ
شُمٌّ العَرَانِينِ أَبطَــالٌ لَبُوسُــهُمُ *** مِن نَسجِ دَاوُدَ فِي الهَيجا سَرَابِيـلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَد شُكَّت لَهَا حَلَــقٌ *** كأنَّهـا حَلَقُ القَفعــاءِ مَجدُولُ
يَمشُونَ مَشيَ الجِمَالِ الزٌّهرِ يَعصِمُهُم *** ضَربٌ إذا عَرَّدَ السٌّـودُ التَّنابِيـلُ
لا يَفرَحُونَ إذا نـالَت رِمـاحُهُـم *** قَومَـًا ولَيسـوا مَجَازِيعًا إذا نِيلُوا
لا يَقَـعُ الطَّعنُ إلا في نُحُورِهِــمُ *** وما لَهُم عن حِيَاضِ المَوتِ تَهلِيـلُ
**************
من شعر عبد الله بن الزَّبعري:
يـا خـيرَ مـَن حَـملت على أوصالها *** عيرانــة سـرح اليدين غشـومُ
نـي لمعتــذرٌ إليــكَ مـن التـي *** أسـديت إذ أنَـا فـي الضَّلال أهيـمُ
أيامَ تــأمرني بــأغوى خطــةٍ, *** ســهم وتـأمرني بهـا مخـزومُ
وأمـد أسـباب الهـوى ويقـودني *** أمر الغــواة وأمــرهم مشــئومُ
فاليوم آمــن بــالنبي محــمدٍ, *** قلبــي ومخــطئ هــذه محـرومُ
وعليـكَ مـن سـمة المليـكِ علامـةٌ *** نــورٌ أغــرُ وخــاتمٌ مخــتومُ
أعطـاك بعــد محبــةٍ, برهانـَـه *** شـرفًا وبرهــانُ الإلـه عظيــمُ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد