إجازة صيف تكسر الروتين وتقوي الدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم  

اهتم الباحثون بزيادة الإنتاج، فوجدوا أنها تتحقق إذا ما حصل الشخص المنتج على فترة من الوقت، يقضيها بعيداً عن عمله أو دراسته، أو وظيفته..ومن هنا..جاءت العطلة الصيفية، أو ما يسمى "إجازة الصيف"، لتعمل على تجديد النشاط، والفكر، وحتى الحياة الاجتماعية والروحية للإنسان - هذا إذا تم استغلالها بشكل علمي وديني صحيح- وقد تتحوّل إلى مجرد وقت يُهدر في الكسل والتكاسل، والتوجّه نحو المعاصي عند من يرون فيها فرصة للتهرب من الالتزام الديني والمسؤوليات، وارتكاب المنكرات. والعياذ بالله.

 

استطلعت آراء ومخططات بعض الأفراد والعائلات حول إجازة الصيف، والكيفية التي اعتادوا أو ينوون قضاءها بها، واطلعت على آراء مختصين ودعاة حول الموضوع، وكان هذا التحقيق:

 

رأفت شكري، عامل موبيليا وعمره (38) عاماً، يقول: الإجازة الصيفية بالنسبة لي لا تتجاوز بضعة أيام، أقضيها غالباً خارج المدينة التي أسكن فيها، حيث أذهب إلى إحدى المحافظات المعروفة بجمال الجو فيها صيفاً، مثل مدينة العقبة، وأمضي الوقت بين السباحة، والتسوّق، والإطلاع على مستجدات المهنة، من خلال زيارة المحلات العالمية. ومن هنا فإن وقت إجازتي يمتزج فيه العمل بالراحة.. لكنه أبداً لا يتعدى بضعة أيام. وعن التزامه الديني خلال وقت الإجازة يقول: أعدّ نفسي مقصراً من هذه الناحية، لكنني أسعى لاستعادة كفاءتي من خلال حضوري بعض الدروس والمحاضرات الدينية.

 

الطالبة أمل سماحة (22) عاماً، تركّز في إجابتها على أن الإجازة الصيفية ليست دائماً مصدر سعادة لها، وتوضّح: النوادي أو المؤسسات المتخصصة في شؤون فتيات في مثل عمري ليست متوفرة، وأنا أشعر بالملل خلال العطلة الصيفية، والتي غالباً ما نمضيها دون أي نشاطات تُذكر، سوى الاهتمام بشؤون المنزل، واستقبال الضيوف، وغيرها من الأمور التي لا أجدها تضيف جديداً إلى ثقافتي الحياتية.. وتشير "سماحة" إلى أن صديقاتها في الجامعة، يعدن إلى الدراسة بعد الإجازة، وهن يتحدثن عن أوقات سعيدة قضينها في ربوع مكان ما بصحبة العائلة، أو ضمن نشاطات اجتماعية أخرى، تحظرها عائلة أمل لأسباب تتعلق بالأفق الديني والمجتمعي الذي تنظر من خلاله العائلة إلى أمور مثل المخيمات الكشفية، والرحلات الشبابية التي تزيد عن يوم واحد، وتعتبرها مرفوضة.

 

برامج وأهداف:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (رواه البخاري).

ونظراً لأهمية الإجازة في حياة كل فرد من أفراد الأسرة -نواة المجتمع- فقد قام عدد من المتخصصين، والمهتمين، وأصحاب الخبرة، بطرح مجموعة من أوراق عمل اشتملت على رؤى، وأفكار، وخطوات عملية، تساعد الوالدين على استثمار الإجازة، وجعلها فرصة سانحة للبناء، والتربية، والتوعية، والترويح عن النفس، والاستجمام، إضافة إلى أهداف أساسية من الواجب مراعاتها في برنامج الإجازة، وهي:

1 - هدف بنائي: يتم من خلاله غرس المبادئ والقيم واكتساب المعلومات والآداب الصالحة خلال فترة الإجازة.

2 - هدف وقائي: يقوم الوالدان من خلاله بتنظيم برنامج تربوي ترويحي مناسب لأولادهمº بهدف حمايتهم من البرامج المنحرفة، أو تضييع الأوقات أمام القنوات أو الإنترنت.

3 - هدف علاجي: لتكون الإجازة فرصة لعلاج بعض جوانب التقصير، وضعف الشخصية من خلال البرامج، والأدوات، واللقاءات، والمشاركة في الفعاليات الهادفة في الإجازة.

وجاء في الأوراق أن وسائل تحقيق هذه الأهداف يكون بالتالي:

1 - وضع برامج تربوية مناسبة لجميع أفراد العائلة.

2 - تحديد بيئة مناسبة لتنفيذ البرامج، وفي حالة عدم القدرة يتم تحسين وتطوير وإنشاء البيئة الأسرية بما يحقق أهداف البرنامج.

3 - وضع خطة مبدئية بصورة جماعية من أفراد الأسرة للبرنامج المقترح للإجازة.

وأوضح المشرفون على أوراق العمل أن من أهم العوامل المساعدة على نجاح البرنامج:

1 - النية الصالحة واحتساب الأجر.

2 - الصبر.

3 - فهم طبيعة الإنسان ومطالب كل مرحلة عمرية.

4 - مراعاة التوزيع الفئوي لشرائح المستهدفين (شباب، مراهقون، أطفال).

 

علم وترفيه ودين

تقول الإعلامية سلام شرابي: إن تربيتنا لأولادنا على استثمار وقت الإجازة لا تأتي في وقت الإجازة فقط، بل إن هذه التربية تسبقها في أي وقت فراغ آخر، فعلى سبيل المثال يوم الجمعة يمكن الاستفادة منه، وكذلك أيام الأعياد، وحتى في أوقات المدرسة يوجد وقت فراغ يجب الاستفادة منه، فإن نحن عودنا أولادنا على استغلال وقت الفراغ على مدار السنة في العبادة، كارتياد المساجد مثلاً، فإن هذا سينعكس على سلوكهم في الإجازة الصيفية.

من جهتها، توضح الأكاديمية هدى الجاسم أن إلحاق الأبناء بالدورات العلمية والعملية بالإضافة إلى دورات نشاطية، ودورات تحفيظ القرآن أو أشياء من هذا القبيل، أمر ضروري للاستفادة من وقت فراغ كبير، وتشير إلى أنَّ تعود الأولاد على قضاء إجازتهم بدون عمل عقلي أو حفظي أو نشاط علمي أو عملي، سيؤدي بهم إلى الركود والخمول والنوم، وأحياناً السهر واللهو، مما يصعب عليهم معاودة النشاط الدراسي مرة أخرى مع بداية العام.

وتذكر بعض الإحصائيات أن عادات النوم والسهر غالباً ما تتأثر سلباً في أوقات الإجازةº إذ جاء في أحد الاستطلاعات أن ما نسبته 64 % من العينة ينامون نهار الإجازة، ويسهرون ليلها، بينما أكد 33% من المستطلعة آراؤهم أنهم يمضون الليل بالنوم والنهار بالاستمتاع والزيارات، في حين ذكر الـ 13% الباقين أنهم أحياناً يسهرون الليل وأحياناً ينامونه.

وبعد:

لعل كلمات ابن القيم هي أجمل ما نختم به هذا التحقيق، فنقول: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهر والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم، والبطالة، فموت هذا خيرٌ له من حياته".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply