المعاكسات بين الشباب في الصيف


بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل الفتاة السبب؟

"هن السبب".. هكذا أجاب (أحمد .ص) الذي شوهد يعاكس الفتيات في الشارع، وأضاف أحمد -18 عامًا وعاطل عن العمل-: الفتيات يتبرجن ويخرجن إلى الشارع ثم يطلبن ألا يعاكسهن أحد... هذا مستحيل!! ويرى أنه شخص غير مزعج فهو على حد تعبيره يحب الفتيات ويغازلهن بكلام جميل لا يخدش الحياء!!

في حين تؤكد "إيمان حسين" -وهي طالبة جامعية- أن إعجاب الشاب بجمال الفتاة ليس مبررًا لمعاكستها، مشيرة إلى تعرٌّضها للمعاكسة أكثر من مرة من شبان لا تعرفهم، وأحيانًا من رجال في الخمسين من عمرهم، وتكون المغازلة بألفاظ بسيطة، وأحياناً بألفاظ جارحة قد تصل إلى الدعوة لممارسة الفجور.

ولم تحاول إيمان تقديم شكوى بخصوص ما تعرَّضت له إلى مركز الأمنº لاعتقادها بأن ذلك يزيد المسألة تعقيدًا، وأنه "وجع رأس" لا يجدي، والفتاة في كل الأحيان هي المتضرر الوحيد.

ويصرّ عبد الغفار دياب -طالب- أن المسألة ليست بسيطة، وإنما تشير إلى خلل اجتماعي كبير، وتحتاج إلى دراسة ومتابعة واهتمامº خاصة من الأمن العام.

أما نضال يوسف (معاكس متخصص) –كما يصف نفسه- فيرى المسألة لا تستحق كل هذه "الدوشة"، وأن المعاكسة أمر جميل إذا ما بقيت في حدود الأدب، واستخدم فيها الكلام المهذب.

ضحية.. ومتهم؟!

يقول د. وليد سرحان –المستشار في الطب النفسي ومدير مستشفى الرشيد للطب النفسي- إنه بالنظر إلى السنوات السابقة فإن الفتاة لم تكن تخرج وحدها، وكانت لا تعمل خارج منزلها، ولكن الوضع اختلف الآن، وأصبحنا مدينة تكبر ويزداد عدد سكانها مع مرور الوقت، وانتهى النظام الاجتماعي القديم، وبقينا دون الوصول إلى النظام الاجتماعي الغربي.

ويؤكد سرحان: "المشكلة أننا في مرحلة تغيير لم نبق فيها مجتمعًا شرقيًا، ولم نصل كذلك لنكون مجتمعًا غربيًا، كما أن التغيير يتباين بين الناس في المجتمع الواحد. فالتغيير يكون سريعًا لدى بعض الشرائح وبطيئًا للغاية لدى شرائح أخرى".

ويضيف سرحان.. "في الماضي.. كنا نحمل ثقافة عربية إسلامية، ولكن أية ثقافة يحملها جيل اليوم؟! إنها ثقافة خليط، لا طعم لها، ولا لون".

ويؤكد سرحان أن المعاكسة في الشوارع ظاهرة تستحق الدراسة والعناية والاهتمام الأمني تحديدًا، فحتى الآن من الصعب جدًا بالنسبة للفتاة أن تقدِّم شكوى في هذه القضاياº لأن إثباتها صعب للغاية، وإجراءاتها معقدة، كما أن معظم الفتيات لا يعرفن ما هو رد الفعل الصحيح الذي عليهن أن يسلكنه تجاه هذه المضايقات، وعدم معرفة السلوك الصحيح قد يساهم في زيادة ظاهرة المعاكسة.

ويلاحظ د. سرحان أن بعض الشبان يشعرون بمتعة نفسية عندما ترد الفتاة وتدافع عن نفسها.

وحول سمات الأشخاص المعاكسين.. يقول د. سرحان:" حسب خبرتي في مجال علم النفس فإن هؤلاء الأشخاص هم في الغالب غير ناضجين عمريًا، ولا يمتلكون أساليب التعبير عن مشاعرهم، وهم غير ناجحين في عمل علاقات صحيحة مع الجنس الآخر، وكثير منهم يتميز بالانحراف العام، والمعاكسة لا تكون الممارسة الوحيدة الخطأ في حياتهم، ولكنها جزء من سلوك عام يتميز بالانحراف".

ويرى اختصاصي الطب النفسي د. أحمد خلف أن الأشخاص المعاكسين يتصفون بعدم النضوج الانفعالي، وعدم نمو الضمير الاجتماعي، وبالتالي يجدون صعوبة في عملية التكيف بالرغم من نضوجهم الجسدي والنظرة إليهم باعتبارهم كبارًا، وهم لا يزالون يعانون من طفولة الذات الاجتماعية، وهم نرجسيون، ولا يوجد لديهم أية مراعاة لمشاعر الآخرين، ويفهمون الحرية والقانون والكرامة الإنسانية بمفهوم خاص تسيطر عليه الأنا الفردية، وقد يستغرب القارئ إذا عرف أنهم شديدو الخجل وسريعو الإثارة ومتقلبو المزاج، ونادرًا ما تكون الصعوبات حافزًا ودافعًا لهم لبذل مزيد من الجهد، بل إنهم لا يتعلمون من أخطائهم، ويكرهون الالتزام بالقيم الأخلاقية والنواميس الاجتماعية.

أما أسرهم فهي في الغالب مشحونة بالتوتر والانفعال، ويغلب عليها السلطة الأبوية التي تفرض الحماية الزائدة، ويجدون صعوبة في انتمائهم وتحديد موقعهم في المجتمع، ويفتقدون اللغة المشتركة مع المحيطين بهم، والآباء في الغالب ليسوا القدوة الحسنة التي يريدونها، وكذلك الأم.

ماذا يقول علم الاجتماع؟؟

أما أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية د. إدريس العزام فيعتقد أن القضية لها علاقة بالطبيعة الصارمة المحافظة للمجتمع الأردني، والداعية إلى الفصل الحاد بين الجنسينº حيث تظهر في مثل هذه الحالات الرغبة لدى الشباب لمحاولة كسر هذا الحاجز والاحتكاك بالفتيات.

ويرى أن هذه الظاهرة تزداد في مجتمعناº لأنها مرتبطة بتزايد معدلات البطالة لدى الشباب، وكذلك الإحباط الناتج عن عدم قدرة الأفراد على الوفاء بتكاليف الحياة المادية، وخاصة فيما يتعلق بالأسر الشابة.

موقف القانون

يقول نقيب المحامين الأردنيين المحامي صالح العرموطي: إن هناك نصوصًا عامة في قانون العقوبات الأردني تتعلق بهذه القضية، خاصة فيما يتعلق بالحض على الفجور والتعرض للأخلاق والآداب العامةº حيث يندرج كثير من النصوص التي تعاقب أي شخص يقوم بأي فعل مناف للحياء في مكان عام أو مجتمع عام أو الحض على الفجور وإغواء وخداع الفتيات، وهناك نصوص صريحة وواضحة في قانون خاص هو قانون محكمة الجنايات الكبرى، حيث ورد من اختصاص المحكمة على سبيل الحصر الاغتصاب وهتك العرض والخطف، وبالتالي.. فإن أي فعل يتم القيام به يتحدد تطبيق النص القانوني عليه حسب طبيعة الفعل، هل هو خدش للحياء أم تطاول على العوراتº لأن الفعل بحدّ ذاته قد يشكّل جريمة جنائية، وقد يتمّ محاكمة مرتكبه أمام محكمة الجنايات الكبرى أو إحدى المحاكم النظاميةº مثل التحرّش بالفتيات أو استخدام ألفاظ وعبارات نابيةº حيث يدخل هذا الفعل في جرائم الذمّ والقدح والتشهير التي يعاقب عليها قانون العقوبات الأردني.

وللمحكمة عند ثبوت الفعل إدانة الشخص، ويحق للمتضرّر من جراء ذلك الادعاء بالحق الشخصي، والمطالبة بالتعويض، وقد تحكم المحاكم بمبالغ كبيرة حسب جسامة الفعل المرتكب، وقد تتخذ أيضًا إجراءات وقائية ضد الشخص بعد صدور أحكام ضده من قبل المحاكم النظاميةº بحيث يحال إلى الحاكم الإداري لربطه بكفالة، وقد تتخذ إجراءات احترازية، ويطبق عليه قانون منع الجرائم.

و..حواء تعاكس آدم..

وفي المقابل أكدت الدراسة العلمية التي أجراها د. محمد محمد بيومي، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة الزقازيق بمصر ، أن المعاكسات الهاتفية هي الوسيلة المفضلة للإناث في الصيف في ملأ وقت الفراغ بدرجة تفوق الذكر، ولعل هذا راجعًا إلى الضغوط الاجتماعية التي تفرض الكثير من القيود حول تعبير الأنثى عن مشاعرها وعواطفها، سواء أكان التعبير إيجابيًّا أو سلبيًّا، مما يضطرها إلى التحول من التعبير العلني الصريح الواضح إلى التعبير الضمني السري، وليكن الهاتف هو مكان هذه الأسرار في الوقت الذي تتيح فيه النظرة المنحازة إلى الذَّكَر في مجتمع عربي ما زال يفاضل بين الذكر والأنثى، للذكر فرص التعبير عن المشاعر والعواطف صراحة بشكل يقلل من اعتماد الذكور على المعاكسات الهاتفية والميل للمعاكسات الصريحة بدرجة تفوق الإناث، وفي الصيف تقل مكالمات الرجال نظراً للوجود لفترات طويلة خارج المنازل بعكس الإناث التي تعاني الفراغ نتيجة عدم وجود أنشطة مسائية بنفس الدرجة التي تتاح للذكور، اعتماداً على شغل الفراغ بالمعاكسات الهاتفية بدرجة أكبر من الذكور.

وعن أفضل أوقات المعاكسات الهاتفية اليومية تشير الدراسة إلى أن الأوقات المتأخرة من الليل احتلت المرتبة الأولى في قائمة تفضيل أوقات المعاكسات، فالطبيعة المغامرة للمعاكسين تجعلهم يميلون لاختيار أوقات الراحة التامة للآخرين وإزعاجهم في تلك الأوقات.

كما أن القلق والشعور بالوحدة والانعزال يزداد في الساعات المتأخرة من الليلº حيث يجد المعاكس ذاته وحيداً، فهو قلق ومن حوله سكون فتزداد الوحشة. ويلجأ المعاكسون للمعاكسات الهاتفية للخروج من هذا المأزِق.

وأشارت الدراسة إلى أن أفضل أماكن المعاكسات الهاتفية هي المنازل، ذلك أن المعاكس إما يعاكس رَقمًا يعرفه ويحدده مسبقاً، والمنزل مكان محدود الحركة مقارنة بهواتف المتاجر والمصالح الحكومية. والاستجابة للمعاكسات الهاتفية في المنزل قد تكون أكثر إيجابية.

وأشارت الدارسة أيضاً إلى أساليب المعاكسات وترتيبها، ففي المرتبة الأولى بين أساليب المعاكسات أسلوب فتح الخط، ثم الصمت وإذاعة الأغاني والموسيقى والملاطفة والتعبيرات العاطفية أو الخارجة عن الآداب وإشاعة الأخبار الكاذبة المفزعة.

كما تستخدم الإناث التسجيلات الصوتية الغنائية أو الموسيقية، بينما يقل استخدام هذا الأسلوب لدى الذكور. ولا تستخدم الإناث الألفاظ البذيئة نظراً لأساليب تربية الإناث، بينما الطبيعة الذكرية تدعم التعبيرات العنيفة لدى الذكور. وتلجأ المرأة لأسلوب إشاعة الأخبار الكاذبة بدرجة تفوق الرجال.

كما أوضحت الدراسة أن أفضل أوقات المعاكسات للإناث هي الأوقات المبكرة من الصبحº لأن الإناث يَتَحَيَّنَّ أوقات نوم الأهل، بعكس معاكسات الذكور وسط النهار دون خوف.

وأفضل الأوقات لمعاكسة الإناث تكون في الأوقات المتأخرة من الليل بعد أن يستغرق أولو الأمر في نوم عميق والتحرر من الرقابة الأسرية وممارسة المعاكسات بحرية.

وأخيراً أكدت الدراسة على أن مرتكبي سلوك المعاكسات الهاتفية يشعرون بالرفض وعدم التقبل من الآخرين، وهذا الإحساس يدفعهم إلى فرض أنفسهم على الآخرين، واتخاذ أساليب عدوانية تجاههم أو محاولة التسلل إلى قلوبهم ولو بشكل سلبي، كسباً لتعاطفهم ولو عن طريق الهاتف.

ويرفضون ذواتهم ويكونون غير راضين عنها أو متقبلين لها، مشاعرهم تجاه الأب مشاعر الكراهية وكذلك نحو الأم، وهذه السلبية نحو مصدر العطف والحنان تجعلهم يفتقرون للنضج العاطفي، ويعانون حرماناً عاطفيًّا يحاولون تعويضه من خلال أي لفتة حانية يستمعون إليها عبر أسلاك الهاتف.

أرقــــام..

تقول الإحصاءات الصادرة عن مديرية الأمن العام الأردنية: إن هناك جريمة مخلة بالأخلاق والآداب العامة ترتكب كل ثلاث ساعات و(14) دقيقة و(46) ثانية.

وحسب التقرير الإحصائي الأخير والصادر عن مديرية الأمن عام 1998.. أبلغ عن وقوع (2580) جريمة مخلة بالأخلاق والآداب العامة وسجلت ما نسبته (4.64%) من مجموع الجرائم الكلي، مقابل (1815) جريمة خلال عام 1997 بزيادة مقدارها (765) جريمة، وشكلت ما نسبته (42.15%) عن العام السابق.

وسجلت جرائم التعرض للآداب والأخلاق العامة أعلى نسبةº حيث بلغت (37.775)، تلتها جرائم هتك العرض بنسبة (22.95%)، تلتها جرائم الفعل المنافي للحياء العام بنسبة (20.54%). وسجلت جرائم الإجهاض أقل نسبة حيث بلغت (0.16%).

وبلغ مجموع الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة والتي استخدم فيه العنف الجنسي (707) جريمة شكلت ما نسبته (27.40%) من مجموع الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة. وسجلت مديرية شرطة محافظة العاصمة أعلى نسبة في الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامةº حيث بلغت (54.65%)، تلتها مديرية شرطة محافظة الزرقاء بنسبة (14.22%)، ثم مديرية شرطة محافظة إربد بنسبة (13.10%)، وسجلت مديرية شرطة محافظة الطفيلة أقل نسبة حيث بلغت (0.23%).

وبلغ مجموع الجناة المقبوض عليهم في هذه الجرائم (3989) شخصًا، كان منهم (418) أنثى بنسبة (10.48%) من مجموع الجناة و(632) شخصًا من جنسيات عربية وأجنبية بنسبة (15.74%) من مجموع الجناة.

وكانت أكثر الفئات ارتكابًا لهذه الجرائم هي الفئة العمرية (18-27) عامًا، وبلغت النسبة (50.54%) من مجموع الجناة.

ولوحظ أن أكثر فئة ارتكابًا لهذه الجرائم هي فئة العاطلين عن العمل بنسبة (65.50%)، وكانت أقل الفئات ارتكابًا لهذه الجرائم هي فئة العسكريين بنسبة (0.98%).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply