يا صَحبُ لا ينقَضِي مما أرَى العَجَبُ *** مَا عادَ يُطربُني لهوٌ ولا لَعِبُ
ما كانَتِ الغِيدُ في قلبي ممكَّنةً *** أو يُذهِبُ اللُّبَّ منّي خَافقٌ وَجِبُ
ينامُ همّي على صدري فتُوقِظُهُ *** منّي التباريحُ والأحشاءُ تلتَهبُ
وأرسلُ الطَّرفَ سبَّاحاً بعبرتِهِ *** فتنثَني خَجَلاً ممّا ترى السٌّحُبُ
والليلُ داجٍ, وأنفاسُ الرياضِ لها *** همسُ الصَّفاءِ وبدرُ التِّمِّ يُرتَقَبُ
وسُمرةُ الليلِ أهواهَا وتعشقُني *** فيستفِيقُ على ألحانِهَا الطَّرَبُ
هذا الدٌّجى قد تَبَدَّى وسطَ مفرِقِهِ *** وشمُ الضِّياءِ فما تجتَالُهُ الشٌّهُبُ
وسَابحٌ أدهَمٌ تُزجَى قَلائِصُهُ *** فأرتوِي أَلَقَاً إن خِلتُهُ يَثِبُ
من فوقِ صَهوَتِهِ آمَالُ صَاحِبه *** وليس يعدِلُها من نَشوةٍ, أَرَبُ
يا من لدَهرٍ, به الآلامُ قد خَجِلَت *** من الدٌّمُوعِ التي كالغَيثِ تَنسَكِبُ
نَوحُ الثّكالى وبَوحُ البَائسينَ ومَا *** خَطَّ اليراعُ وما قد قالتِ الخُطَبُ
وإنَّ قومي لهم شأنٌ وسَابقةٌ *** واليومَ يهربُ من لقيَاهُمُ الهَرَبُ
عَدَا المنُونُ عليهم فاصطَفَى دُرَرَاً *** من الكِرَامِ بغير الموتِ ما رَغِبُوا
فما رأينَا من الأيامِ بعدَهُمُ *** إلا التلَوٌّنَ والأقدارُ تُرتَقَبُ
ما المجدُ إلا صَليلُ السَّيفِ يردُفُهُ *** قلبٌ شُجاعٌ له الأعداءُ تضطَرِبُ
و عَالِمٌ ينشرُ الإسلامَ في جَلَدٍ, *** يبثٌّ عِلمَاً حَوَتهُ النَّفسُ والكُتُبُ
و عَابِدٌ تُرسِلُ الأسحَارُ دَمعَتَهُ *** حتى اشتكت ما تلاقي شَجوَهُ الهُدُبُ
و من جَوَادٍ, له في دَهرِهِ رُتَبٌ *** من المحَاسِنِ أعيَت قومَهُ الرٌّتَبُ
والّليثُ يحسبُهُ الأغرارُ في سِنَةٍ, *** وإذ تبَدَّى إليهِم أنَّهُ غَضِبُ
والصَّقرُ يُحبَسُ والأطيَارُ شَاديةٌ *** والنّجمُ يُهجَى وتسمُو فوقَهُ التٌّرُبُ
والشَّمسُ تحجَبُ في غِربَالِ أنسِجَةٍ, *** من الضَلالِ وأقمَارُ الدٌّجَى غَرَبُوا
إنّي رأيتُ سُيوفَ الهِندِ مُغمَدَةً *** في دَهرِنا واستفَاقَ الصَّخرُ والخَشَبُ
من كانَ في دَهرِهِ يبدي تَبرٌّمَهُ *** فسوفَ تدرِكُهُ في سَعيِهَا النٌّوَبُ
يا من له جنَّةُ الأخرى وضَرَّتها *** امنُن على خَافِقٍ, قد هَدَّهُ التَّعَبُ
واستُر بعفوٍ, وَجُودٍ, منكَ زَلَّتَهُ *** واغفِر جِنَايَتَهُ إذ خانه السَّبَبُ