من وحي الانتفاضة ( قصيدة أبابيل )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 أرنو إليكَ، وأنت النِّبضُ والأملُ *** يا جندلاً في يَمينِ الطفلِ يشتعلُ

 

أرنو إليكَ، ولا عيبٌ، ولا عجبٌ *** أن يبدأ الشوطَ في مِضمارِنا حَجَلُ

 

تاهَ الدليلُ، وأعيتنا سواعِدنا *** وعافنا السِجنُ والترحالُ والحِيَلُ

 

حتى الحجارةُ أرسلنا صواعقَها *** على البُغاة، وأوهى قرنـه الوَعِل

 

من لي بسحرك يا (هاروت) في (رفح) *** وفي (الخليل) تصيد الرقط تعتقل

 

وأنت طفل زغيب، ماؤه وشل *** إدامه بصل، كساؤه المقل

 

فكيف تسحرهم، أم كيف تسحرنا *** وكيف تفعل هذا الفعل يا بطل

 

ما أنت طفل أكف الموج تحمله *** ولا نبي بجوف الحوت يبتهل

 

ولا قذيف من البركان منقذف *** ولا شهاب من الجوزاء ينهمل

 

من أنت؟ قل لي بحق الله يا قدراً *** يا كوكباً، يا سؤالاً طالما سألوا

 

أنا وأنت أبونا واحد علم *** وأمنا الأرض، لا شمس، ولا زحل

 

تمضي وأكبو، وتكبو كل سابقة *** من العشاق غذاها ساكب هطل

 

فكيف تمضي، وكيف العلج تصرعه *** وتصرع الخوف، والأمجاد تهتبل

 

تعويذة، أم أبابيل مسلطة *** تأتي وتمضي، ولا يعتادها كلل

 

من أين تأتي، وتمضي مثل بارقة *** الأرض منشقة، والسقف منفتل

 

أظمأت أقسى حجار الأرض فانفطرت *** بأمنيات رعيبات، لها نصل

 

ما أخطأت رمية سددت وجهتها *** ولا تلجلج في مفتاحه القفل

 

حتى اشرأبت حصيات مبعثرة *** تهفو إليك، وأحنى رأسه الجبل

فمن تراك، وما سر تخبئه *** في جانحيك، فداك السائل العجل

 

تألقت بسمة، والهم معتكر *** (إن كان لابد، فالإخلاص يا رجل)

 

----------------------------------------

[1] - الحسناوي يذكرني دائماً بمرحلة كان لها أطيب الأثر بنفسي، وكان دائماً فارساً من فرسان الشعر فيها، ويندر غيابه في أهم المظاهرات والاحتفالات العامة بجامعة دمشق، أو في مركز الإخوان المسلمين.

كنت منذ أيام قليلة أقلب صفحات مجلدات حضارة الإسلام، وتوقفت عند قصيدة للحسناوي بمناسبة الوحدة بين سورية ومصر، وأخرى في العدد الوثائقي عن الجزائر عام 1960، وثالثة في العدد الوثائقي الخاص بفلسطين، ورابعة بمناسبة وفاة أستاذنا الشيخ مصطفى السباعي - رحمه الله -، وخامسة وسادسة في مهرجانات الجامعة، وكنت قد شهدت المكان والزمان الذي ألقيت فيه بعض هذه القصائد، بل وما زلت أحفظ شيئاً من الأبيات رغم مرور أربعين عاماً أو يزيد، وهذا غير ما كان ينشره بجريدة اللواء اليومية.

 

كانت جامعة دمشق في هاتيك المرحلة قلعة من قلاع الإسلام الشامخة، وكان شباب الدعوة فيها يتدفقون حماسة ونشاطاً، وما كانوا يعرفون أوكار الاستعباد والتجسس التي ابتكرها الباطنيون الطائفيون، وألصقوها بحزب البعث العربي الاشتراكي الذي رضي قادته أن يكونوا مطية لهم، وحتى المباحث العامة لم تشهدها سورية إلا في بداية عهد الوحدة، وكانت عبارة عن إدارة صغيرة، ولا يصح أن تقارن بعشرات فروع المخابرات التي ابتكرها قائد الحركة التصحيحية بعد عام 1970 م.

 

لست أشك أبداً أن فجر الصحوة سيشرق في بلدنا مرة أخرى، وستطوى هذه الصفحات السوداء الكريهة، كما طويت من قبل صفحات الصليبيين والتتار والفرنسيين.. ولكن هل نشهد فجر هذه الصحوة بعد هذا العمر؟ وهل أستمع للحسناوي وهو يلقي على مدرج جامعة دمشق ملحمة العودة والنصر؟! أرجو ذلك، والله - سبحانه وتعالى- لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. أبو عصام

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply