بعد غيابٍ, لأكثرَ من مائة وأربعين عاماً قضاها متنقلاً بين أيدي السماسرة والمتاحف المختلفة في أرجاء المعمورة وافق متحف مايكل كالوس بولاية أتلنتا في الولايات المتحدة أخيراً على إعادة مومياء أحد الفراعنة الملك رمسيس الأول الذي قد يكون فرعون مصر والذي نزل فيه قرآن يتلى إلى يوم الدين (*). ((فاليومَ نُنجِّيكَ بِبَدَنِكَ لتكونَ لمن خلفكَ آيةً)) يونس 92.
وكأن قراصنة العالم الجديد وطغاتها لم تعد تحتمل أي عظةٍ, وذكرى تُذكِّر بالعاقبة والمآل إمعاناً في غيها،وتمادياً في فجورها.
والمُومِيَاءُ هي التَّعبيرُ.
فِرعَونُ نَعشُكَ ما يَزالُ يَدورُ *** ذِكرَى تموجُ على البحارِ تَثُورُ
جَسَدٌ تَهاوى لا حَرَاكَ مُحنَّطٌ *** لا حَولَ فيهِ، ولا مَقَامَ أَثيرُ
فالحَالُ يُرثى، والمَشَاهِدُ عِبرةٌ *** والحسٌّ أبكَمُ، والعُيونُ تَغورُ
قد كَان يَبغي يَستَطيرُ بشَرّهِž *** قَتَلَ الذٌّكورَ، وما استبيحَ خَطيرُ
يا للتَّمادي ما ادَّعَاهُ لنَفسهِ *** يا للتَّبجٌّحِ والحياةُ عُبورُ
يا للتَّجرؤ أينَهُ؟؟ دَعنى أَرَى؟! *** يا بئسَ ما تَسطو الأَنا وتَجُورُ..
يا للمَآلِ ويا حَقارةَ ما انتَهى!! *** نعشٌ على جَرفِ السَّعيرِ أَسيرُ
أين الحُشُودُ بقضِّها وقَضِيضِها؟؟ *** أينَ النَّعيمُ وجنَّةٌ وقُصورُ؟؟
أينَ الحُواةُ وقد تَخلَّوا سُجَّداžً؟ *** فِرعونُ أزبَدَ، والجٌّموعُ تَمورُ..
والسِّحرُ واهٍ, قد تَلقَّفهُ الهُدى *** والحقٌّ أبلجُ، والإلهُ قَديرُ
فإذا الجَحافِلُ خَلفَ مُوسى تَقتَفي *** وإذا الجُيوشُ وجَمعها مَقهورُ
يا للخِضَمِّ تَمَزَّقت أودَاجُهُ *** غَضَباً ودَمدَمَ والجُموعُ تَخُورُ
فاليَمَُ يَطردُ ما استَطاعَ يَلوكُهُ *** والأرضُ تُحجَبُ والزَّمانُ حُضُورُ
والجِّسمُ مُلقَى يا لجُرمٍ, تَافِهٍ, *** وكَذَا الطٌّغَاةُ مَآلهم ومَصيرُ
عِظَةٌ تُطلٌّ من الزَّمانِ بنعشِهِ *** والجِسمُ مَسلوبُ الكَيَانِ حسيرُ
والرَمثُ بين المَغربين مُطوِّفٌ *** والكُلٌّ يَشهَدُ حالَهُ ودُهورُ
قد كان في أقصى البلادِ وشَرقِها *** واليومَ يَرجِعُ والزَّمانُ يَدورُ
والحِسٌّ قَبلُ تَسَلٌّطٌ وتَكبٌّرٌ *** والحَالُ أمسُ تَجَبٌّرٌ وفُجُورُ
فإذا الزَّمان تقلٌّبٌ، وإذا المقا *** مُ تبدٌّلٌ، والمومياءُ هي التَّعبيرُ
واليَومَ طَاغيةُ الزَّمانِ مُزَمجِرٌ *** قُطبٌ يعيثُ، وتَستَطيرُ شُرُورُ
في الشَّرقِ في اليابان أهلَكَ أمَّةً *** هَدَّ العِراق َوعمَّهُ التَّدميرُ
وهناك في الأفغَان جَيلٌ بالأَسى *** سَئِمَ الحَياةَ وفي الحَياةِ كَسيرُ
أمَّا فِلسطينُ الجَّريحةُ فالرَّدى *** فيها يُخَيِّمُ والظَّلامُ سُفورُ
كلٌّ البَسيطَةِ بالعَويلِ نشيجُها *** والعَدلَ يَجهَش،ُ والدِّماءُ بُحُورُ
هي دَورةُ الأيَّامِ تَلفظُ خُبثَها *** وتُقيمُ ما يَجلو الرٌّؤى وتُنيرُ
فِرعونُ قَبلُ تَجبٌّرٌ وتَأَلٌّهٌ *** والقُطبُ يَتبَعُ والشَّبيهُ غَريرُ
ذاكَ ارتَمَى بين العُصورِ لعِبرةٍ, *** وغَداً سَيأتي للجَديدِ نَذيرُ
والقُطبُ يَحصُدُ عَلقماً ممَّا جَنى *** والحقٌّ يُشرقُ والضَّلالُ يبورُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) اختلف جمهور المؤرخين حول شخصية فرعون موسى لكن بعض الباحثين الثقاة يرون أنَّ فرعون الذي طارد موسى - عليه السلام - هو مر نبتاح أو (منفتاح).للمزيد من التفاصيل، على سبيل المثال لا الحصر: انظر محمد علي البار، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، الجزء الأول، دار القلم والدار الشامية، دمشق وبيروت، 1990 م، ص (59-60).
ومن الجدير بالملاحظة أنه قد عثر في دير البحري (موقع بالقرب من مدينة الكرنك في مصر على الضفة الشرقية للنيل) عام 1881 م على مومياء رعمسيس الثاني بحالته التي كان عليها عند غرقه كما تشير الدراسات والتي ترجح أنها جثة فرعون موسى.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد