ممارسة الرياضة بين الأمس البعيد واليوم القريب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تكاد تكون ممارسة الرياضة من الأنشطة الإنسانية التي بدأها الإنسان منذ فجر قديم، بعضها كان يتعلق بتقوية البنية الجسدية، وبعضها تعلق بالتدريب اليومي فيما يصب في فنون القتال والحرب بصورته القديمة، وبعضها كان من باب التسلية، غير أن تحول الرياضات إلى مؤسسات ضخمة، ورصد الدول لها مليارات الأموال، وإنشاء أندية خاصة بها، واتحاد ومسابقات محلية ودولية، وإنشاء قنوات تحتكر إذاعة المباريات، فتحولت الرياضة من ممارسة إلى طريق للتكسب والتربح، ليس الفردي، بل الدولي، وأضحت بعض الدول تخرج من ميزانيتها ما تسعى للمشاركة الدولية، على حساب تقديم الخدمات العامة التي لا يمكن أن يستغني عنها أي إنسان.

بالإضافة إلى هذا برزت إشكاليات أخرى، كالرياضات العنيفة، التي قد تؤدي إلى وفاة بعض الناس كالملاكمة والمصارعة في بعض أشكالهما، بل وأدخل الحيوان فيها ليصارعه الإنسان فيما يعرف بمصارعة الثيران، وكذلك الرياضات مع باقي الحيوانات كالأسود والثعابين واستعراض القوى، مما قد يؤدي إلى قتل الإنسان نفسه من خلال تلك الرياضة.

بالإضافة إلى بعض الإشكاليات الأخرى، كبعض الرياضات التي تحتوي على طقوس غريبة، بسبب بلد المنشأ، كبعض الممارسات في اليوجا، والانحناء في لعبة "الكاراتيه"، وغير ذلك من الرياضات التي اختلفت صورها عن نشأتها، ويبقى الاجتهاد الفقهي ليتعدى المنشأ ويحكم بالصورة الواقعة، أم لا يمكن له أن يتغافل عن البدايات واللائحة الأساسية التي أنشئت بها اللعبة، وهنا يختلف الاجتهاد الفقهي ليخرج بآراء متباينة بين الحل والحرمة في اللعبة الواحدة.

وفيما يخص المرأة، فإنه لا يختلف عن الرجل كثيرًا، فقد مارست المرأة الرياضة منذ فجر التاريخ، ولم يحرم الإسلام ذلك، وإن وضع لها الضوابط، غير أن هوس المساواة بما لا يتفق مع طبيعة المرأة، فأدخلت المرأة في المصارعة والملاكمة، مع ما في ذلك من العنف والتعري، وتحول المرأة إلى مسترجلة، لتفقد أجمل ما خلق الله - تعالى -فيها من أنوثة وجمال، فتذهب عنها الأنوثة، وتكشف ما حقه الستر والتخفي، ولتدخل المرأة في كل لعبة، وتستجيب الدول الإسلامية لهذه النداءات التي لا تتوافق مع طبيعة المجتمع، فضلا عن الخروق الشرعية الواردة في كثير من الألعاب، ولتذاع مباريات الرياضة من الكرة والسباحة والكاراتيه وغيرها على الهواء مباشرة.

وتجيء هنا الاجتهادات الفقهية ساعية إلى البقاء على حق المرأة في الممارسة، ووضع الضوابط التي تجعل من الممارسة حقا مشروعا، مبتعدا في ذات الوقت عن كل الأسباب التي تخرج الرياضة من الحرام إلى أصل الإباحة، وتبقى إشكالية إباحة الظاهر لتوافر الشروط، ولكن حين النظر لفقه المقاصد وفقه المآلات قد تختلف النتيجة الفقهية من مسألة لأخرى، ومن رياضة لغيرها، لتضع الفقهاء في اجتهاد معاصر يحتاج إلى نوع من الدراسة المتأنية، للخروج بفتوى تصح على الحالات المحكوم عليها.

ومن ضمن الإشكاليات المطروحة هو أن تكون وظيفة الإنسان "لاعب رياضي"، ليتكسب منها ويأخذ راتبه، الذي يتعدى رواتب عدد من وزراء الدولة في أصله المنصوص عليه، بل والمنافسة بين الأندية لشراء لاعب، وفق قوانين الأندية التي لا تبيح للاعب الانتقال إلا بموافقة ناديه، حسب السعر المطلوب، وما في ذلك من تشبه بالعبيد كما قال بعض الفقهاء المعاصرين، أو إن الأمر لا يعدو أن يكون بيع خبرات زيد في ثمنها، والزيادة في ثمن الخبرة إشكالية فقهية، لتكون في المسألة الواحدة عدة إشكاليات طريقها الاجتهاد الفقهي، لنخرج من خلاله بحل.

ولم يقف التكسب عند اللاعبين والأندية والدول، بل تعدى الجمهور الذي أخذ يتراهن فيما بينه على من يفوز، ويتكسب من وراء ذلك الأموال الطائلة، ويدخل ضمنها صنع بعض الأعلام والملابس المطبوع عليها أسماء أو صور بعض اللاعبين، لتباع بثمن باهظ ضمن الدورات الرياضية، فضلا عما وصل إليه الجمهور من التعصب لتشجيع فريقه إلى حد السب واللعن والمعاداة والضرب والاعتداء، والخصام، وما في ذلك من تشتت الأمة وسوء أخلاقها، بالإِضافة إلى مسائل الأمة التي أفرزتها الممارسات الرياضية، كالاشتراك مع الدول المحتلة كإسرائيل وأمريكا، واللعب المشترك بين فلسطين وإسرائيل، والعراق وأمريكا، ورفضت بعض الدول المشاركة مع بعض المسابقات الدولية كنوع من الجهاد الرياضي، وتأثير ذلك على العلاقات الدولية..

وإن كنا نتحدث عن الرياضة وفوائدها، فهل يبقى الناس يشاهدونها في " الإستاد"، وفي البيوت، وعلى المقاهي فحسب، أم أن الأمر يحتاج أن تكون الرياضة حقا للجميع، وتفتح الأندية للممارسة، وتنشأ أندية للشباب في المناطق التي تشكو فقر الرياضة فيها، حتى تكون أنفع للمجتمع، ليكون المسلم قوي البنية والبينة، صحيح الجسد والعقيدة، وتعقل الأمة موازينها في النفقة على تلك الرياضة بما يعود بالنفع والصالح للمجتمع، من صحة الأبدان والأديان.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply