بسم الله الرحمن الرحيم
نقف في ذهول أمام الحرب الشرسة ضد الإسلام والمسلمين، وعلى جميع الأصعدة السياسية والتعليمية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية، حرب تتجاوز حدود القيم، تغض الطرف عن حقوق الإنسان، تعبث بكرامته وحياته ومستقبله وحريته ولقمته ومسكنه، وتخفى أسلوب إيذائه وصور مأساته، وتكتم صوت المدافع عنه، واللوحات كثيرة، ومن ذلك إعاقة خطوات الشعب الفلسطيني نحو الاستقرار والاستقلال والحرية، وإلباسه ثوب الإرهاب، وإعطاء القاتل الإرهابي إسرائيل- السلاح والتبرير وحرية الانتقام حينما يدافع الفلسطيني عن نفسه أو أرضه أو دينه، ثم تأتي المكافأة لإسرائيل رغم العنجهية- من الدول الكبرى، دعم في جميع الميادين السياسية والتعليمية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية.
تناقض عجيب بين صورتين وموقفين، وهذا التنافر لا يخرج عن الحالات التالية:
-أن يكون هذا السلوك للقائد الأعلى للتحالف ضد الإرهاب منهجا استراتيجيا فرضته المصالح ووضعت خططه مراكز البحوث وأصحاب النظريات، أو أنه من ثمار هيمنة (اللوبي) اليهودي ولمسات اليمين المسيحي، أو أنه ينطلق من قول العرب (من أمن العقاب أساء الأدب)، وكأننا في غابة القوي يلتهم فيها الضعيف، أو أن الأمر خليط من كل ما سبق، وغيره.
إن الإرهاب اليهودي ثابت بالقرائن والأدلة والاعترافات، ومن قبل جمع كبير من اليهود وغيرهم، وجذوره واضحة كل الوضوح، ولم يبق أمام العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلا البدء في مواجهة دولية حاسمة وسريعة ضده، إني لعلى ثقة تامة لو حصل ذلك لتغير وجه التاريخ وشفيت دول العالم وشعوبه من المعاناة والويلات اللاإنسانية.
إن الأصولية لازمة من لوازم الشعوب والأديان والحكومات والأفراد، ولكل إنسان ثوابت ومتغيرات، ولكن أخطر الأصوليات على الإنسانية جمعاء "الأصولية اليهودية" لما فيها من إرهاب وظلم نابع من تعاليم توارتية وتلمودية، وتشريعات تراكمت عبر مسيرة التاريخ، وفتاوى للحاخامات السابقين والمعاصرين وتطبيق عملي تتناقله وكالات الأنباء يومياً من فلسطين المحتلة وما يعانيه شعبها المسلم من العصابات اليهودية (الحكومية والشعبية).
فقتل الآخر (الأغيار) في التشريعات اليهودية واجب سواء كان طفلاً أو شيخاً أو امرأة، وقد ورد في سفر العدد (أحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار) وفيه أيضاً (اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة) وفي التثنية (أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار) وفي سفر صموئل الأول (اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً).
ومحال أن تكون هذه التعاليم من الله - سبحانه وتعالى-º فالرحمن الرحيم حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرماً، بل إن اليهودية الصحيحة بريئة من هذه التحريفات، ومع هذا فالأصولية اليهودية المعاصرة بشقيها الصهيوني والتوارتي اعتمدت هذا المنهج الدموي، فـ (يهوه) عندهم (رب الانتقام) و(رب الجنود) و(رب مقاتل) وكتب اليهود تزخر بصور الحرب وسفك الدماء وتحطيم الأعداء، ومن خلالها تكونت العقلية اليهودية وتشكلت نفسياً، وأصبح (ربهم) ممارساً للحرب وداعياً لها، وارتسمت في تصورات المنتمين إليه بأنه إله الحرب يحمل آليتها ويتلذذ بالدماء، ويوزع الأراضي والأموال على أتباعه، وامتداداً لهذه العقيدة يرى (بن غوريون) (أن خير مفسر ومعلق للتوارة هو الجيش)، والحاخام (تسفي كوك) يعتقد أن الجيش الإسرائيلي هو القداسة الكاملة، والحاخام (حاييم دور كمان) يؤمن بأن دبابات (تساحال) رمز من رموز العبادة، وسطر الحاخام (مئير كاهانا) في كتابه (بعد الأربعين عام) الكلمات التالية (العرب في إسرائيل يمثلون امتهاناً لاسم الله، إن ابعادهم ليس عملية سياسية فحسب بل عملية دينية، فلنطرد العرب من بيتنا حتى نصل إلى الخلاص).
وأثناء حرب الأيام الستة عام 1967م حث الحاخام (شلومو غورين) أفراد الفرقة العسكرية في "كفار عصيون" ألا يرحموا القتلة العرب رجالاً ونساءً وأطفالاً، ووصف جندي يهودي شارك في احتلال قرية "دويما" الفلسطينية عام 1948م السلوك اليهودي قائلاً:
"قتلنا حوالي مئة عربي ما بين نساء وأطفال، كنا نحطم رؤوس الأطفال بالعصى، لم يبق في القرية منزل واحد خال من الجثث، أما النساء والرجال فقد وضعوا في منازل خلت من المياه والطعام وبعد مدة حضر الجنود ونسفوا تلك المنازل. كان الجنود يتباهون باغتصابهم النساء العربيات قبل إطلاق الرصاص عليهن.. كل ذلك لم يحدث أثناء احتدام المعركة، بل تنفيذاً لسياسة مقررة هدفها ترحيل السكان العرب وإبادتهم، وتأكيداً للشعار المرفوع: "كلما قل عدد العرب المتبقين كان ذلك أفضل بالنسبة لنا".
ومعنى هذا أن مذابح "دير ياسين" و"قانا" و"قبية" و"كفر قاسم" و"خان يونس" و"صبرا" و"شاتيلا " وقتل الأطفال وإحراق المسجد الأقصى ومحاولات هدمه وبناء الهيكل الثالث على أنقاضه أعمال يهودية أصولية إرهابية نازية تعبدية لأن أصول دينهم وحاخاماتهم تدعوهم إلى ذلك، ولأن الرحمة لغير اليهودي محرمة وقتله واجب متى تمكنوا من ذلك ولم يترتب عليه ضرر على اليهود.
وإذا نظرنا إلى مذبحة "الحرم الإبراهيمي" من خلال الإرهاب اليهودي والتعاليم اليهودية فهي تؤكد أنها لم تخرج قيد أنملة عن عقائد اليهود ومناهجهم الدينية التي يتلقونها في هذا العصر، فالطبيب "جولد شتاين" منفذ العملية- تخرج من البيئة الأصولية اليهودية في نيويورك، وانضم إلى حركة (مئير كاهانا)، ثم أصبح المتحدث باسم التنظيم أثناء تلقيه العلوم الطبية في أمريكا، ونفذ عمليته الإرهابية الأصولية في عيد الانتقام اليهودي "البوريم" وتخليداً لذكراه وضع اليهود نصبا تذكاريا على قبره، وتحول إلى مزار ومناسبة سنوية يحتفلون بها، واعتبروه من أبطال العقيدة وممن يقتدي به، من كلماته:
"هناك وقت للتطيب ووقت للقتل، لن نترك الخليل مهما يكن الأمر، إننا نهين أنفسنا عندما نفكر بإمكانية التعايش مع العرب، إنه غير ممكن، إنهم مرض، والجيش الإسرائيلي يخطئ عندما يمنعنا من الانتقام منهم، ويمنعنا من تخويفهم، لابد وأن نطاردهم، إنهم نازيو اليوم".
أما ردود الفعل اليهودية على العملية الإرهابية فتتمثل في تصريح المتحدث الرسمي باسم منظمة "كاخ" (نوعام فيدرمان) معلقاً على المجزرة "نطأطئ رؤوسنا أمام القديس البطل دكتور جولد شتاين" ووصفته المتحدثة باسم التنظيم في الولايات المتحدة الأمريكية (باربره غينزبرغ) بـ"الشهيد" ووصفه حاخام مستوطنة (كريات أربع) بأنه "قديس" وكتب الحاخام (إسحاق بورغ) مهاجر من أمريكا مقالا بعنوان "باروخ الشجاع" جاء فيه "إن اليهود شعب الله المختار، وإن دماءهم أكثر احمراراً من غير اليهود، وحياتهم أغلى ثمناً وأعلى شأنا، من الخبث أن تسمي إطلاق النار على المصلين في المسجد جريمةº ففي وقت الحرب يجب إبادة كل عناصر الشعب الذي يعادينا، في ظل غياب الانتقام تصبح الحياة تافهة، ونغرق في التعاسة".
وذكر جينز بورغ خمس خصال جيدة في جريمة (جولد شتاين) وهي: إنقاذ حياة اليهود، الانتقام من الفلسطينيين، وأد الشر، التطهير، النضال من أجل إسرائيل. وحسب هذا التفسير فإن جولد شتاين ليس مجرماً أو مجنوناً وإنما بطل إيماني يحب اليهودية واليهود وقدم نفسه فداءً لهما.
إن الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين وغيرها- ليس شبهة تحتاج إلى تحقيق ودليل، أو عملا فرديا شاذا، فكتبهم بين أيدينا وسلوكهم أمام عيوننا واعترافاتهم تتوالى كل يوم على شكل مذكرات أو تصريحات وأخبار مرئية ومسموعة على مستوى الدولة، وما بقي إلا أن يسهم التحالف الدولي ضد الإرهاب بكبح جماحهم ومحاكمتهم دولياً وردهم إلى حظيرة الدول المتحضرة المعاصرة، وإنقاذ الشعب الفلسطيني المضطهد من أنيابهم. ومن باب الاطمئنان، وزيادة التأكيد أعرض شهادة أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية (بنجامين فرنكلين) والرئيس الأمريكي (جورج واشنطن) في اليهود، فخلال المؤتمر الدستوري الذي عقد عام 1787 في مدينة (فيلادلفيا)، حذر (بنجامين فرانكلين)، أحد "الآباء المؤسسين" للولايات المتحدة أعضاء المؤتمر من الخطر الذي يمثله اليهود على الدولة الجديدة. ونقل كلامه عضو المؤتمر (تشارلز بيكني) (1746-1825) ممثل ولاية (ساوت كارولاينا) الذي قام بتسجيل العديد من خطب المؤتمر ومداولاته ونشرها لاحقاً في مذكراته، ومما جاء في كلام فرانكلين:
" إنني أتفق تماماً مع الجنرال واشنطن، بأننا يجب أن نحمي هذه الأمة الشابة من تأثير واختراق غادر. إن ذلك الخطر أيها السادة يتمثل في اليهود. ففي كل دولة استقر بها اليهود بأية أعداد كبيرة، قاموا بتقليل نزعتها الأخلاقية، وتفتيت استقامتها التجارية، وعزلوا أنفسهم ولم يجر استيعابهم، وقد سخروا من الدين المسيحي الذي بنيت عليه تلك الأمة، وحاولوا تخريبه بالاعتراض على حدوده، وبنوا دولة داخل الدولة، وعندما جرى اعتراضهم حاولوا خنق تلك الدولة مالياً حتى الموت، كما حدث في حالة اسبانيا والبرتغال.
وإذا لم تبعدوهم عن هذه الولايات المتحدة في الدستور، ففي أقل من مئتي عام سيأتون إلى هنا بأعداد هائلة كالجراد بحيث يسيطرون على البلد ويلتهمونها، ويغيرون شكل الحكم الذي سفكنا نحن الأمريكيين- من أجله الدم، وضحينا بحياتنا وبما نملك، وعرضنا من أجله حريتنا للخطر.
وإذا لم تستبعدوهم ففي أقل من مئتي عام سيعمل أحفادنا في مزارعهم ليزودوهم بوسائل عيشهم، بينما سيكونون هم في بيوت مالهم يفركون أيديهم (فرحاً). إنني أحذركم أيها السادة إذا لم تستبعدوا اليهود (للأبد) فإن أبناءكم سيلعنونكم في قبوركم.. إن أفكارهم لا تنسجم مع أفكار الأمريكيين، حتى لو عاشوا بيننا عشرة أجيال. فالنمر الأرقط لا يستطيع تغيير رقطه.. إنهم خطر على هذا البلد إذا ما سمح بدخولهم، ويجب أن يستبعدوا بواسطة هذا المؤتمر الدستوري".
ومما ورد على لسان شخصية أخرى لا تقل أهمية عن (فرانكلين)، ما قاله الرئيس الأمريكي جورج واشنطن عن اليهود، وورد في كتاب "مأثورات جورج واشنطن" الصادر عن دار (إيه. إيه. ابتلون اند كومباني).. قال (جورج واشنطن):
"إنهم (أي اليهود) يعملون ضدنا بشكل أكثر فعالية مما تفعله جيوش العدو. وهم أخطر منه مئة مرة على حرياتنا وقضيتنا العظيمة التي ننخرط فيها. وإنه لمن المحزن جداً أن كل ولاية لم تعمد منذ أمد بعيد إلى ملاحقتهم باعتبارهم آفة على المجتمع، وأعظم أعداء لسعادة أمريكا".
ومع هذه المعرفة والتحذير الأمريكي احتضنت أمريكا اليهود لكنهم أساؤوا إليها من خلال إرهابهم والمتمثل في قتلهم الرئيس الأمريكي (إبراهام لينكولن) عام 1865م وقتلوا مؤلف كتاب (حكومة العالم الخفية) عام 1926 وقتلوا وزير الدفاع الأمريكي (جيمس فور ستال) عام 1949م وقتلوا السناتور (جوزف ماكارث) عام 1957م وقتلوا الرئيس الامريكي (جون كندي) عام 1963، وأغرقوا سفينة التجسس الأمريكية (ليبرتي) عام 1967م مما أدى إلى مقتل أربعة وثلاثين بحاراً أمريكياً وجرح مائة وواحد وسبعين آخرين، وتجسسوا على أمريكا وسرقوا (ثمانمائة) ألف وثيقة بوساطة ضابط البحرية الأمريكية اليهودي (جوناثان بولارد)، هذا غير أعمالهم في ترويج المخدرات وتجذير العنف والجنس وخلخلة الأمن الأمريكي وتحويل الضرائب الأمريكية إلى الخزانة الإسرائيلية، وتفجير قنبلة في مكتب اللجنة العربية الأمريكية لمحاربة التمييز في مدينة بوسطن وحريق مقر اللجنة في واشنطن ومقتل (اليكس عودة) ولجأ هؤلاء الإرهابيون لإسرائيل ورفضت تسليمهم.
ومن الشهادات التي تدين اليهود وقام بإصدارها يهود، شهادة (صموئيل روث) حينما قال: "إن رذيلتنا القديمة كما هي رذيلتنا اليوم- هي الطفيلية، فنحن شعب من النسور الجشعة التي تعيش على جهد وخيرات بقية العالم" وشهادة الإسرائيلي شاحاك توك: " إن إسرائيل كدولة تشكل خطراً ليس على نفسها وسكانها فحسب بل على اليهود كافة وعلى الشعوب والدول الأخرى جميعاً في الشرق الأوسط وما وراءه" وفي نص آخر يقول: "ينبغي أن نتذكر وأن يتذكر اليهود أنفسهم بصفة خاصة حقيقة أن مجتمعنا الاستبدادي اعتمد ولقرن من الزمن عادات بربرية وغير إنسانية لتسميم عقول أفراده، وبأنه مازال يفعل ذلك".
هذا العرض المختصر والاختزال السريع من "التوراة" إلى "جولد شتاين" يقودنا إلى تلمس منابع الأصولية اليهودية الحديثة بعد معرفة جذورها وأمثلة من إنتاجها، والمنابع المغذية للإرهاب اليهودي تتلخص فيما يلي:
1-الولايات المتحدة الأمريكية.
أ-الدعم الحكومي.
أسهمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عملي ومتتالٍ, في تطوير واستمرار الإرهاب اليهودي في فلسطين والدفاع عنه، وتبريره، والوقوف أمام إدانته ووضع العقبات قبل إعداد الإدانة وأثناء ذلك وبعد الإعداد، وإن لم تفلح هذه الإجراءات فإن (الفيتو الأمريكي) بالمرصاد منذ خمسين سنة فيتمخض من هذا الموقف الأمريكي اللاإنساني تجبر يهودي وتصعيد في العمليات الإرهابية.
ويتواصل الدعم الأمريكي للعنجهية الإسرائيلية بتقديم الأسلحة الحديثة لها والمساعدات المالية فلا زالت إسرائيل تحتل رأس قائمة المساعدات الأمريكية منذ سنوات يعضد ذلك غض أمريكا بصرها عن الجهود النووية الإسرائيلية وفي الوقت نفسه ومع الأسف- تتابع أمريكا وتطارد وتعاقب أي دولة إسلامية أو عربية تحلم بتطوير قدراتها العسكرية حتى رأينا صورة تتجاوز الخيال، دولة صغيرة محدودة الموارد والمساحة والسكان تتفوق على اثنين وعشرين دولة عربية في قوتها العسكرية، ولاشك أن هذه الحال أصلت الإرهاب اليهودي وجعلت من إسرائيل دولة فاشية عنصرية تتكئ على إرهاب الدولة في خططها وأفعالها وأقوالها وعقائدها، فإنكار حقوق الإنسان الفلسطيني إرهاب، وطمس هويته إرهاب، ومصادرة وجوده إرهاب، واحتلال أرضه إرهاب.
والمؤلم أن أمر الإرهاب اليهودي معلن، وفوق الأرض ولا يخفى عن عين مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (إف. بي- أي) إذ يعرف حجم (المافيا) اليهودية وامتدادها من نيويورك إلى موسكو، وتورطها بجميع أنواع الجرائم، من التهريب إلى المواد النووية مروراً بجرائم القتل المبني على العقيدة، ويضاف إلى ذلك وغيره- ما تقوم به رابطة الدفاع اليهودية منذ سنوات بعمليات تدريب عسكري لأفرادها في جبال (كاتسكل) بالقرب من نيويورك.
فالتأييد الأمريكي للإرهاب الإسرائيلي لا يستطيع عاقل أن يصدقه أو يقبله، وهو يرى الترابط القوي بين القوة الإسرائيلية والسلاح الأمريكي، والمستوطنات في الأراضي المحتملة والدولار الأمريكي، والاعتداءات المتواصلة على الفلسطينيين والتبريرات الأمريكية، والمواقف الإسرائيلية المتطرفة والدعم السياسي الأمريكي، وكل ذلك وغيره- يؤكد إسهام حكومة الولايات المتحدة عملياً باغتصاب الأراضي الفلسطينية وتغيير معالمها العربية والدينية وطرد أهلها منها واستيراد مواطنين من روسيا بالترغيب والترهيب الأمريكي.
ثم نأتي إلى صفحة أخرى، وهي معاناة المرشح الأمريكي للرئاسة أو للمجلسين الأمريكيين من الضغوط اليهودية عليه، وإلزامه بالولاء لإسرائيل على حساب بلاده وعلى حسب القيم والأهداف الليبرالية وتكميم أفواه منتقدي إسرائيل في أمريكا وممارسة أنواع الاضطهاد والضغوط عليهم داخل بلادهم.
إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية الرسمي اتجاه الشرق الأوسط، وتأييدها المطلق لإسرائيل، وتضحيتها بمصالحها مع العالم الإسلامي والعربي وكأن أمريكا دولة يهودية عاصمتها "تل أبيب" أو أن إسرائيل في قلب أمريكا رغم أن اليهود لا يشكلون سوى 2% من الشعب الأمريكي، وهذا مؤشر قوي وواضح على زيف الديمقراطية الأمريكية، ودليل لا يحتمل التأويل على أن أمريكا من أهم منابع الإرهاب اليهودي.
ب-الدعم الشعبي:
الدعم الشعبي الأمريكي للإرهاب اليهودي في فلسطين يتضح أولاً- من أن أشدِّ الطوائف اليهودية المعاصرة في فلسطين تطرفاً وأخطرها إرهاباً وأشدها تزمتاً قاعدتها الأولى ومنطلق دعمها المادي والمعنوي الولايات المتحدة الأمريكية، وكل حركة أو منظمة يهودية اختارت العنف في فلسطين فإن رجالها هاجروا من أمريكا، ومواردها المالية منها، وبعض قادتها الحركيين والروحيين مستقرين فيها، ومن أهم الحركات الممتدة ما بين واشنطن وتل أبيب (حركة كاخ) و(كاها ناحي) و(الجبهة التوراتية) و(شرطة يهودا) و(المنظمة الإسرائيلية المقاتلة) وجميع منظمات (بناء الهيكل) والتي تتجاوز ثلاثين منظمة، أما الرجال فمنهم (مئير كاهانا) والطبيب (جولد شتاين) صاحب مذبحة الحرم الإبراهيمي، و(غودمام) مقتحم ساحة المسجد الأقصى عام 1981م.
أما الهيكل الثالث وإعادة بنائه على أنقاض المسجد الأقصى فقد أخذ من الشعب الأمريكي الكثير، بل أخذ كل ما يريد، ومن ذلك أن الراهب الإنجيلي الأمريكي (واتراي) أسس جمعية مهمتها هدم الأقصى وبناء الهيكل عام 1988م، والثري الأمريكي (تيرى ويسيهوفر) من ولاية كاليفورنيا جمع سبعين مليون دولار لهذه المهمة، والمليونير الأمريكي (إيرفين موسكوفيتش) تبنى دعم حركة (عطيرات كوهنيم) المتخصصة في الاستيلاء على أراضي المسلمين في القدس، والتمهيد لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، والأمريكي الثري (إبراهام ديوك) يدعم بلا حدود- حركة (شوفر بنيم) المتدينة الإرهابية في فلسطين، كما أن رجل الأعمال الأمريكي/ جوزف الستر أسس منظمة (المدافعون عن سجناء الضمير اليهودي)، ويؤكد نائب بطريرك الكنسية الكاثوليكية (إن الهيكل قد تم إعداده وتجهيزه في الولايات المتحدة الأمريكية) وأوردت صحيفة (يروشاليم) في بداية عام 2001م أن أربعة من نشطاء حرك (كاخ) سابقاً تلقوا اقتراحات من مليونير أمريكي لتنفيذ عملية كبيرة في الحرم، وفي تكساس (في الولايات المتحدة) مصنع للبلاستيك يقدم للمهتمين ببناء الهيكل دمى من البلاستيك على شكل عجول وأبقار وطيور من أجل إجراء التدريب على ذبح القرابين للهيكل قبل بناءه.
ومن معالم الدعم الشعبي الأمريكي لليهود المتطرفين الإرهابيين في فلسطين موقف الحاخام (إبراهام هتشث) المسؤول عن كنيس ضخم في نيويورك من مقتل "رابين" وأنه يستحق الموت ويتأسف أنه لم يقم بهذه المهمة، ودور أعضاء حركة (هذه أرضنا) اليمينية المتطرفة من الأمريكيين في تنظيم المظاهرات والتفاهم مع الجمهور اليهودي في فلسطين وتغذية الإرهاب، ووجود أكثر من أربعين خلية في أمريكا مهمتها جميع التبرعات والتأييد والدعم لهذه الحركة، وعلى بعد ساعة من واشنطن يقيم اليهودي الأمريكي (غودمان) الذي اقتحم ساحة المسجد الأقصى في ابريل عام 1981م وتستضيفه بعض الصحف ومحطات التلفزة الأمريكية، ويعلن بفخر- أنه ليس نادم على فعلته بل يأمل أن يعمل شيئا أعظم مما سبق، وتؤكد الكاتبة الأمريكية (لي أوبرين) في كتابها (المنظمات اليهودية ونشاطاتها في دعم إسرائيل) على قضيتين:
الأولى:
اليهود أكثر الأقليات الأمريكية تنظيماً على صعيد المؤسسات فلديهم كُنُسُ ومراكز للشباب ووكالات للعلاقات الطائفية واتحادات ومنظمات تمويل ومجموعات ثقافية وتعليمية ومحافل أخوية ومنظمات تهتم بقضايا خاصة.
الثانية:
لدى يهود أمريكا قضية أساسية واحدة هي إسرائيل، وكل جهد بذل لتنسيق النشاطات الأخرى اليهودية في المجالات الأخرى كان نصيبه الفشل الذريع.
هذه إضاءات سريعة ومختصرة هي إلى الأمثلة أقرب، والأمر يحتاج إلى متابعة وتغطية كاملة لتحقيق أهداف كثيرة منها:
أ-كشف الوجه الحقيقي للإرهاب الإسرائيلي المنظم والمبني على العقيدة اليهودية التلمودية الراسخة والممتد في ظل الدولة.
ب-كشف الدور الأمريكي في دعم الإرهاب اليهودي وإبراز المعلومات من أجل مساعدة العقول الأمريكية المخلصة في الولايات المتحدة الأمريكية لتحجيم الدعم أو تحميل مسئولية ما يمارسه اليهود من إرهاب تحت المظلة الأمريكية وإيضاح الأمر بأن العدو الحقيقي لهما الحكومة والشعب الأمريكي- ليس الإسلام ولا المسلمون بل إسرائيل والعقائد اليهودية التلمودية.
2-الحكومة الصهيونية اليهودية في فلسطين:
إن الحكومة الصهيونية الإسرائيلية في فلسطين ساهمت في دعم الإرهاب اليهودي وذللت له الدروب، وفتحت أبواب المشاركة السياسية في الدولة، ودعمت -بالملايين- المدارس الدينية المستقلة والتابعة للمنظمات والأحزاب والحركات اليهودية اليمينية المتطرفة، ووزعت على الأفراد منهم الأسلحة، وخففت الأحكام القضائية ضد الإرهابيين اليهود، واستسلمت لمطالب المتزمتين في تحديد دولة اليهود، ومن هو اليهودي؟ وإعفاء طلبة العلم الديني من الخدمة العسكرية وإيقاف العمل في كثير من مناشط الحياة يوم السبت، وانتصر الإرهاب اليهودي من خلال الإجراءات الرسمية التالية:
أ-الانتخابات الإسرائيلية إذ أخذت الأحزاب السياسية الدينية المتشددة دورها الكامل في العمل السياسي وقدمت برامجها للناخبين، من الدعوة إلى رفض السلام، والإصرار على إبادة الفلسطينيين، وتوحيد القدس، وبناء الهيكل الثالث، والإصرار على استلام وزارة الداخلية والتعليم والخدمات الاجتماعية.
ونتيجة لكل ما سبق وغيره وصل إلى سدة الحكم (نيتنياهو) و(شارون)، وفاز حزب شاس بالمرتبة الثالثة بعد الليكود والعمل بزعامة الحاخام المتطرف (عوفاديا يوسف).
ب-الحاخامات الإسرائيليون: فقد تمدد دورهم وانتقل من الجوانب الروحية إلى الميادين السياسية والاجتماعية، وأصبح السياسي بحاجة ماسة لمباركة الحاخام له، و يعتقد البعض أن حصول حزب (شاس) على المركز الثالث يرجع إلى "الحروز" التي كتبها الحاخام (كدوري) وصوت العنف في برنامجه السياسي.
فبعد حرب حزيران 1967م اقترب الحاخامات إلى السياسة، وبدأ التناطح بين المتدينين والعلمانيين، ووصل قمته يوم قتل "رابين" وازداد قوة بعد صعود اليهود الشرقيين، ومن الملصقات أثناء الانتخابات جاءت هذه العبارة (انتخبوا نيتنياهو لأنه مفيد لليهود وانخبوا بيريس لأنه مفيد لـ"ماكدونالدز" والعرب).
ج- التعليم الديني: إن نمو الأصولية والإرهاب اليهودي كان أساسه بعد المنطلقات العقدية التعليم الديني المستقل والذي يشرف عليه الحاخامات، وتدعمه الدولة، ومحوره تعاليم التوراة وشروحات التلمود وما فيهما من غلو وقتل ودماء وعنصرية واحتقار للآخر والقضاء عليه ما أمكن، والعداء الصريح والواضح للمسيحيين والمسلمين، والإصرار على أرض الميعاد، وبناء الهيكل، وانتظار المسيح المخلص، والإعداد للهيمنة على العالم، وتسخير الشعوب لخدمة اليهودية واليهود، وفي مقدمه التعليم الديني المدارس الدينية (ميركاز هاراف) في القدس و(مؤسسات التوبة) التي تستوعب خمسةآلاف وخمسمائة طالب سنويا.
هذا هو الإرهاب اليهودي في فلسطين وشيء من أسسه ومعالمه وممارساته ومنابعه، إنه ولا شك- يستحق مواجهة دولية حاسمة وسريعة، وينتظر العالم كل العالم- خطوات عملية لتجفيف منابعه وإنقاذ الإنسانية من دمويته، فهل يحقق التحالف الدولي ضد الإرهاب هذا الهدف النبيل؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد