الإرهاب حقيقته وموقف الإسلام منه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:

الإرهاب هو التخويف، والرَّهبة هي الخوف، والله - سبحانه - يُرَهِّبُنا أي يُخوِّفنا مِن عقابه إنِ انحرفنا فيقول: (وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخوِيفاً) (سورة الإسراء: 59).

والإنسان يُرهِبُ غيره بأساليب متنوعة ولأغراض متعددة، فإن كان لغرض مشروع كالتأديب والنهي عن المنكر كان مشروعاً، ومنه تأديب الصبي إذا ترك الصلاة: "وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا لِعَشر"، وتأديب الزوجة الناشز (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضرِبُوهُنَّ)(سورة النساء: 34)، وَمِنه إرهاب العدو منعاً لعُدوانه علينا، وذلك بالاستعداد لمقاومته وبوسائل أخرى كالدِّعاية لتخويفه قال - تعالى-: (وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ, وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لَا تَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُم)(سورة الأنفال: 60). 

أَمَّا الإِرهاب بدون سبب مشروع فهو مُحرَّم، ذلك أن الإسلام دِينُ السلام، لا يبدأ بعُدوان ويُؤثِر السلامة على المُخاطرة التي لم نَلجَأ إليها قال - تعالى-:(يَا أَيٌّهَا الذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوُّ مُبِينٌ)(سورة البقرة: 208)، وَهُو دخول في السِّلم بَين المُسلمين بعضهم مع بعض وبينهم وبين غيرهم، قال - تعالى-: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى اللهِ)(سورة الأنفال: 61)، وموقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية تطبيق عملي لهذا المبدأ العظيم، ووَعَد إن جَاءُوه بخُطَّةِ سِلم قَبِلَها منهم، وكانت شروط الصلح مؤكَّدة لذلك، حتى إن بعض الصحابة شَعَر فيها بشيء من الذِّلَّة والضَّعف، ولكنَّ حكمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدَّدت كُلَّ ذلك، وهو القائل في حديثه الذي رواه البخاريٌّ ومُسلم، وقد انتظر العدو في بعض أيامه حتى مالت الشمس: "يا أيها الناس لا تتمنَّوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لَقِيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف".

وذَلك كُلٌّه إيثار للسِّلم والأمن الذي هو نِعمة أساسية في حياة الإنسان كما في الحديث الذي رواه الترمذي: "مَن أصبح منكم آمناً في سِربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه فَكَأَّنما حِيزَت له الدنيا"، وقد امتن الله بالأمن على قريش فقال: (الذِي أَطعَمَهُم مِن جُوعٍ, وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ,)(سورة قريش: 40)، وجعل مكة حَرَماً آمناً، وأقسم أنها البلد الأمين، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يُبَدلهم من بعد خوفهم أمناً، وكذلك مَن آمنوا ولم يَلبِسوا إيمانهم بظلم أي شرك، وجعل سلب الأمن عقاباً لمن كفر بأنعم الله، وشَرُفَ السلام فكان اسماً من أسمائه، وسَمَّى به الجنَّة وجَعله تحية المسلمين فيما بينهم وتحية الملائكة لهم في الجنة، وكان نزول القرآن في ليلة السلام، وكل ذلك وردت به النصوص في القرآن والسنة.

ومن أجل الحفاظ على الأمن والسلام حَرَّمَ الاعتداء على الحقوق، وَوَضَعَ لَها عقوبات صارمة فَحَرَّم القتل والسرقة وانتهاك الأعراض بالزنا والقدح والاتهام، وَحَرَّمَ الإفساد في الأرض وعدَّه محاربة لله ورسوله، كما حَرَّمَ الإسلام كلَّ ما يُقلِق الأمن ويُساعد على التفرق والمنازعات، كالربا والبخل والنميمة وشهادة الزور والخيانة والكِبرِ والهِجرَان، وإباء الصلح مع طلبه والاعتداء على المخالف في العقيدة (فَمَا استَقَامُوا لَكُم فَاستَقِيمُوا)(سورة التوبة: 7) إلى غير ذلك من الإجراءات التي ذكرت كثيراً منها في كتابي المشار إليه.  

وبلغ من اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمُحافظة على أمن الناس أنَّه قال: "مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يَنتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" رواه مسلم، وقال: "مَن أخاف مؤمناً كان حقّاً على الله ألا يُؤَمِّنه مِن فَزَعِ يَوم القيامة"، وروى أبو داود أن بعض الصحابة كان يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حَبل معه فأخَذه ففَزِع فقال - صلى الله عليه وسلم - "لا يَحِلٌّ لمسلم أن يروِّع مسلماً"، وفي حديث رواه الترمذي بسند حسن: "لا يأخذَنَّ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جادّاً"، وفي حديث رواه البزَّار والطبراني وغيرهما عن عامر بن ربيعه أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيَّبها وهو يمزح فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا تروِّعوا المسلم فإنَّ روعة المسلم ظلم عظيم"، وروى الطبراني أن عبد الله بن عمر سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَن أخاف مؤمناً كان حقّاً على الله ألَّا يؤمِّنه من أفزَاع يوم القيامة"

بل إن النظرة المُخيفة نَهَى عنها الحديث الذي رواه الطبراني: "مَن نظر إلى مسلم نظرة يُخيفه بها بِغير حقٍّ, أخافه الله يوم القيامة"، وبِخُصوص الإرهاب بالسلاح جاء الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري: (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُم عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدرِي لَعَلَّ الشَّيطَانَ يَنزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفرَةٍ, مِنَ النَّارِ).

وتكفي هذه النصوص لبيان أن تخويف الآمن بدون وجه حق من المنكرات التي تتنافى مع الأخوَّة الإنسانية، والتي تحول دون التطور الذي يلزم الهدوء والاطمئنان على الحقوق، تلك المنكرات التي تَهوِي بالإنسان الذي كَرَّمه الله إلى دَرَكِ الوحوش في الغابات التي تُسَيِّرها الغرائز، ويتحكَّم فيها منطق الأثَرة والأنانية والقوَّة.

والله أعلم  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply