صورة الإرهاب في اليمن من يرسمها ومن يلتقطها؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد أن أعلن عن اسم أميره الجديد (في يونيو 2007م) المدعو ناصر الوحيشيº هاهو تنظيم القاعدة في اليمن يُعلن مجدداً عبر إحدى الصحف الأهلية عن اسم مسئوله الإعلامي الذي يمكن اعتباره الناطق الرسمي للتنظيم.

هذا التنظيم لا يتوارى عن الأعين، ولا يهرب من وسائل الإعلام، بل يتصل بها بشكل دائم، ويُطلع الرأي العام أولاً بأول بآخر عملياته (الجهادية)، وبكل ما يتصل بنشاطه المستقبلي، أو ما يتعلق بمواقفه تجاه مختلف القضايا، وهو يجد أين يدلي بتصريحاته وبياناته ومقابلات أعضائه، ويجد من يقدمه لوسائل الإعلام، فبعض الصحف الأهلية صارت وكأنها الوكيل الإعلامي المعتمد للتنظيم، كما أن حرية الحركة المتاحة، والمجال الإعلامي الرحبº اللذان يتمتع بهما تنظيم القاعدة في اليمن، بالإضافة إلى علاقاته الطيبة والمتينة ببعض الجهات الرسميةº كل ذلك يؤهله لأن يكون ضمن كشوف لجنة شئون الأحزاب، أو على الأقل في قائمة منظمات المجتمع المدني التي لا وجود حقيقي لغالبيتها.

(1)

ربما يجدر بنا أن نبدأ من الآخر في قراءة قصة القاعدة في اليمن، حيث الإثارة بلغت أوجها بإزاحة الستار عن المشهد الأخير في مسرحية القاعدة، ذلك المشهد استدعى شخوصاً بأحزابهم وقبائلهم وانتماءاتهم، وشبك أيديهم بأيدي القاعدة لتنتهي المسرحية بتلك الصورة التي أرادها المخرج، صورة الإرهاب المتحالف مع المنظومة الحزبية والقبلية والدينية في البلد، يا لها من صورة نادرة جديرة بأن تُحفر في جدار الذاكرة ولا تُمحى أبداً، القاعدة في وسط الصورة، وعن يمنيها أحزاب المعارضة، وعن شمالها شيوخ القبائلº أيديهم في أيدي بعض، ومن وراء الجميع رجال الدين يدعون لهم بالنصر المؤزر!!

أما تفاصيل الصورة فتحكيها تلك المقابلة التي أوردتها إحدى الصحف المحلية (30 يناير) مع من قيل إنه المسئول الإعلامي للقاعدة في اليمن، حسناً ماذا قال الرجل؟ أو بمعنى آخر ماذا قيل له أن يقول؟ هذا إذا سلمنا جدلاً بوجوده ما علينا لنسمع ما يقول:

- حزب الإصلاح حزب لا يحب الجهاد والقتال، ومع هذا يوجد داخل الإصلاح علماء نعدهم من علمائنا، ونكن لهم كل التقديرº أمثال الشيخ الزنداني والديلمي، ومحمد الآنسي ومحمد الصادق.

- هناك شخصيات أخرى في اليمن خارج حزب الإصلاح نجدهم لا يسكتون على الباطل أمثال حسين الأحمر (قبائل حاشد)، وسلطان العتواني (الوحدوي الناصري)، ويحي منصور أبو إصبع (الحزب الاشتراكي) رغم اختلافنا معهم!!

سبحان مغير الأحوال، صار في الاشتراكي والناصري والإصلاح من ترضى عنهم القاعدة رغم البون الشاسع بين الطرفين!! هؤلاء أحزاب سياسية معارضة (لاحظوا كيف تم الاقتصار فقط على أحزاب اللقاء المشترك في حديث المسئول الإعلامي المزعوم للقاعدة) اتبعت النهج الديمقراطي السلمي للتغير، فيما القاعدة تنظيم عسكري لا يؤمن بغير العنف طريقاً للوصول إلى أهدافه، لكن المسئول الإعلامي يحاول إيهامنا بأن هناك نقاط مشتركه، ومصالح تلتقي عندها القاعدة مع أحزاب المشترك.

كان المتعارف علية سابقاً أن بعض القبائل وفرت ملاذاً آمناً لعناصر التنظيم، إضافة إلى قيامها بدور الوسيط بين الدولة وتلك العناصر، وهذا ما يؤكده المسئول الإعلامي في مقابلته تلك حينما زج بأسماء قبلية معروفة قامت بهذا الدور أمثال الشيخ أحمد بن معيلي، والشيخ على الزايدي، والشيخ غالب الأجدعº لكن الفكرة الآن تغيرت، فالقاعدة تمددت وتوسعت باتجاه أحزاب المعارضة نفسها التي بدأ بعض قادتها يتعاطفون (ولو بطريقة غير معلنة) معها، إما نكاية بالنظام، وإما يأساً منه ومن إمكانية إصلاحه بالطرق السلمية، وبالتالي فقد صار خطر القاعدة أكبر من ذي قبل نتيجة لما صارت تحظى به من تأييد وتعاطف ليس في أوساط بعض القبائل فحسب، وإنما في أوساط النخبة السياسية ذاتها، إلى جانب ما تجده من دعم ومناصرة من قبل بعض الرموز الدينية التقليدية التي تتمتع بحضور مقبول في الشارع.

 

(2)

وهكذا صار النظام يواجهه أعداءً يصطفون جمعياً في مواجهته، برغم الاختلافات الكثيرة التي تحول دون التقائهم، لكن عداؤهم له يقرب المسافات بينهم، ويضع خلافاتهم جانباً لمواجهة العدو المشترك الذي هو السلطة، هذا ما يُراد قوله للداخل والخارج، وفي نفس الاتجاه يذهب ذلك المسئول الإعلامي المزعوم ليؤكد أن القاعدة مستعدة للتحالف حتى مع أعدائها السابقين الذين تحالفت مع السلطة ضدهم في وقت سابق، فيقول: نحن وإياهم - أي الحوثيون - من مصلحتنا حالياً توحيد سلاحنا تجاه الدولة، مع أن الدولة في بداية الأمر هي التي دعمتهم لأجل الوقوف ضدنا، واليوم الحكومة تحاول أن توقف زحفهم بنا، ولكن هيهات لهم ذلك.

إنه موقف حرج للغاية، يمر به النظام - هكذا يُراد للمشهد أن يكون -، فالكل قرر مواجهته، القاعدة من جانب، والحوثيون من جانب آخر، بالإضافة إلى المعارضة والتيار الديني المتعاطف مع القاعدةº لا أحد يواجه خطر القاعدة غير النظام، حتى وإن قيل بأن هذا النظام على علاقة خاصة ببعض قادة القاعدة وعناصرها إلا أنه يبقى العدو رقم واحد لهذا التنظيم.

 

(3)

الآن سنعود قليلاً إلى الوراء لنتبين ونستطلع طبيعة الظروف والملابسات التي أحاطت بالمشهد الدرامي السابق، ولن نعود كثيراً إلى حيث ضُربت كول وليمبورج، ولكن إلى العام الماضي فقط، وتحديداً في نهاية أكتوبر2007م، حينما أعلن مسئول يمني لبعض وسائل الإعلام بأن السلطات اليمنية أفرجت عن جمال البدوي المتهم الرئيس بتفجير المدمرة الأمريكية كول (12 أكتوبر 2000م)، وتحدثت وسائل الإعلام اليمنية حينها عن صفقة مع السلطات أدت إلى تلك الخطوة في مقابل تعهد البدوي بتخليه عن الإرهاب، وإعلان ولاءه للسلطات.

والواقع أن تلك الخطوة لم تكن بداية لأزمة ثقة بين الجانبين اليمني والأمريكي بقدر ما كانت بداية تعميق لأزمة الثقة القائمة بينهما بالفعل منذ وقت مبكر، وعلى كل حال فلا تزال تداعيات تلك الأزمة تُلقي بظلالها على علاقات البلدين، وهو ما دفع بالنظام اليمني (مؤخراً) للتحرك على الجانب الأوروبي لاحتواء مضاعفات تلك الأزمة، والتخفيف من وطأتها عليه.

ومهما يكن الأمر فقد عبر الأمريكيون - بطريقتهم الخاصة - عن أزمة الثقة تلك مع الجانب اليمني من خلال ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، والذي أعادت نشره صحيفة الشرق الأوسط (29/1)، حيث أشار التقرير إلى طبيعة العلاقة القائمة اليوم بين النظام والقاعدة من حيث قدرته على تجنيدهم لصالحه، واستخدامهم لمهمات خاصة خارج اليمن، والتقرير برمته يغمز النظام بعلاقته المشبوهة بتنظيم القاعدة، وأنه ما عاد مهتماً بالحرب على القاعدة بقدر ما صار يستخدم القاعدة لأغراضه الخاصة، وفي الوقت الذي يطلب فيه النظام من عناصر القاعدة التوقيع على تعهدات بعدم تنفيذ أية هجمات على الأراضي اليمنيةº يُتركون أحراراً لممارسة نشاطهم في أماكن أخرى وفقاً لمبدأ يمني يقول: "استثن اليمن من جهادك وستترك لحالك"، ويضيف التقرير بأن كثيراً من الجهاديين السابقين تحولوا إلى مخبرين للحكومة، وجواسيس وأدوات بيدها.

وتجيء مقابلة المسئول الإعلامي (المزعوم) في تلك الصحيفة الأهلية لترد على دعاوى التقرير الأمريكي، وتهدئ من مخاوف المتربصين الغربيين، كي لا ينساقوا بعيداً وراء هواجسهم وشكوكهم، فيظنوا أن علاقة السلطة بالقاعدة سمن على عسل!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply