يا شعر فيم الهجر؟ لستُ بجاني
حتى تجرّعني أسى الهجران
سر المحبة كامن ما بيننا
غلفته بالحفظ والكتمان
سامرتني إذ لا سمير، وكنت لي
إن جدّت الأحداث طوع بناني
وحملت آلامي وآمالي التي
تنمو وتزهر في ثرى وجداني
ومسحت دمعاً بات من عليائه
ينهلّ مثل الهاطل الهتّان
وصحبتني فغمرتني يا صاحبي
بالحب والإلهام والسلوان
ووفيت في الحالين إن بسمت لنا
دنيا المنى، وإذا طغت أحزاني
فعلام تهجرني، وتنسى ما مضى؟
يا شعر كم أخشى من النسيان!
مرت شهور العام تسبق بعضها
مّر السحاب ونحن كالوسنان
وتصرمت أيامه، وجرت بنا
نحو الردى كدقائق وثواني
نجري نسابق بعضنا ونحس في
طعم الحياة مرارة الخذلان
نجري ونعلم أن ما نجري له
قدرٌ، وما فوق البسيطة فاني
أعمارنا يومٌ وشهرٌ كوّنا
عامـّا، وليس الموت في الحسبان
يا شعر فيم الهجر؟ ألف قضيّةٍ,
لمـّا تزل تحتاج للتبيان
فالأمة الغراء أظلم ليلها
لمـّا تخلت عن هدى القرآن
نادى المنادي للجهاد فأخلدت
واثـّاقلت، أمست بلا آذان
لمع السراب فغرّها، لم يروها
نبع الهدى في سورة «الرحمن»
أزرى بها ترك الجهاد فأيقنت
أن السياسة وحدة الأديان
تبعت خطا الأعداء، ظنت أنها
لاشك تقبس من دجى الصلبان
هجرت منابع عزّها فتخلّفت
لتعيش في سجن بلا قضبان
والمسجد الأقصى تراءى مسرحاً
للظلم والإرهاب والطغيان
خمسون عاماً والقضية لم تزل
رهن التفاوض في يد الخوّان
شجبٌ وتنديد وألف تجمعٍ,
أفضى إلى التسليم والإذعان
والغاصبون رأوا بأنـّا أمـّةٌ
مهزومة فمضوا بكل تفان
قد دنسوا مسرى الرسول وعربدوا
وتقوّلوا بالزور والبهتان
والكل منتظر ليومِ لا يرى
في القدس إلا جحفل الإيمان
لا يرجع الحق السليب لأهله
ما لم يهبوا هبَّة الشجعان
* * *
والشعب في كشمير لاقى حتفه
ظلماً بلا إثمٍ, ولا عدوان
وهناك في ألبانِيا وحشيّةٌ
فيها الخيال يظل كالحيران
والجوع في الصومال يطحن أهله
والخلف شب النار في الأفغان
وهناك ألف قضيةٍ, وقضّيةٍ,
في كل زاويةٍ, وكل مكان
والمنصفون يرون أن شعارهم
يقضي بحفظ الحق للإنسان
كذبوا ورب البيت، أين شعارهم
هذا، ولون الأرض أحمر قانِ
كل الشعارات التي نادوا بها
زيفٌ، فهل سنعيش كالعميان ؟!
يا شعر فيم الهجر؟ عُودي شابَه
صدأ فأين روائع الألحان؟
أين الخليل؟ وأين أبحره التي
تكتظ بالأصداف والمرجان؟
أنسيت عنتر والمنايا حوله
والشعر في فمه نديّ البان
أنسيت أحمد كيف دبّج شعره
في مدح سيف الدولة الحمداني؟!
أنسيت؟ قل لي كيف تنسى حقبةً
رفعت لواء الشعر في الميدان
يا شعر هل تدري بأن حثالة
من بيننا ترميك بالبهتان
زعمت بأنك عاجزٌ وبأنها
رجعيّة والشعر شيء ثاني
سمّتك منثوراً وحُرّاً، وادّعت
أن القيود تكون في الأوزان
نهج جديد قد أطلّ برأسه
في الشعر، والدعوى «قديم فان»
جعلوا الأحاجي منهجاً، فالشعر في
منهاجهم ضرب من الهذيان
فأجابني والفخر يرسم لوحةً
سحرية بتناسق الألوان
إن القصيدة لا تكون قصيدةً
إلا بشكل رائع ومعانِ
فأعدتُ قوليَ راجياً ومعاتباً
يا شعر فيم الهجر؟ لست بجاني!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد