كويتا و وانا و قندهار المصيدة الخفية للقوات الأمريكية والباكستانية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من المثير للدهشة أنه حيثما كان "مثلث" حلت اللعنة والدمار، على غرار "مثلث برمودا" الواقع شمال غرب المحيط الأطلنطي، فظاهرة المثلثات ظاهرة غريبة وخطيرة، وعندما نتحدث عن مشاهد الرعب والقتل التي وقعت في "مثلث الموت" في جنوب شرق آسيا تلك البقعة الجغرافية الممتدة على الحدود الباكستانية الأفغانية تقفز إلى أذهاننا مناطق المثلثات التي تشكل شبحاً للموت سواء على اليابسة أو الماء!

لقد لعبت تلك المنطقة الصعبة التضاريس أدواراً مميزة على مر العصور حيث كانت من الأماكن الإستراتيجية إبان مقاومة الغزو الروسي وحكومة نجيب الله التي زرعها الروس عند خروجهم، مقدمين لها كل الدعم في حقبة السبعينيات إلى أوائل التسعينيات في أفغانستان حيث كانت تعتبر طريق الإمداد الرئيس للمجاهدين الأفغان من الأراضي الباكستانية، كما كانت تحتضن معظم معسكرات التدريب للمجاهدين الأجانب الذين كانوا يحاربون إلى جانب الأفغان في ذلك الوقت، الأمر الذي أضفى على المنطقة الصبغة "القتالية"، ويبدو أن ثمة عوامل معينة ساعدت على إعطاء المنطقة تلك الميزة.

 

وحدة ديموغرافية

تعد منطقة "وانا" القبلية عاصمة إقليم وزيرستان وما حولها من المناطق الخضراء التي تضم بين جنباتها العديد من البساتين والأراضي الزراعية، حيث تحدها من الغرب سلسلة من الحدود الطبيعية متمثلة في مرتفعات جبال "سركندة" بين وزيرستان الجنوبية في باكستان وولاية بكتيكا في أفغانستان.

وتقع هذه السلسلة من الجبال التي يصل ارتفاعها إلى عشرة آلاف قدم على بعد 40 كيلومتراً من مدينة "وانا" مركز وزيرستان الجنوبية في جهة الغرب، وتمتد نحو الجنوب في المنطقة الباكستانية فتصل إلى منطقة "جومل" بولاية بلوشستان الباكستانية، وفي جهة الشمال تتصل بسلسلة جبال "شوال" بوزيرستان الشمالية.

وتغطي جبال "سركندة" في الجانب الأفغاني غابات كثيفة من أشجار الصنوبر والبلوط وأنواع أخرى، وتعيش قبيلة "أحمد زي وزير" البشتونية على أطرافها في المناطق الأفغانية والباكستانية التي يملك أغلب أفرادها بيوتاً في كلا البلدين.

وتبعد منطقة "جلكس" عن "وانا" مركز وزيرستان الجنوبية 50 كيلومتراً ناحية الجنوب، وتتصل بمنطقة "زوب" الجبلية من ولاية بلوشستان الباكستانية، وتسكنها قبيلة "ميراني" البشتونية.

أما "قندهار" تحديداً فقد وصفها المحلل العسكري البريطاني "روبرت هيوسن" حيث قال فيها: " إن هذا الجو الملبد بالسحب سيؤثر على أي عمليات عسكرية يمكن أن تتم عن طريق جنوب أفغانستان، وخاصة في مدن إقليم قندهار حيث تتساقط الثلوج بشكل مكثف أكثر من مدينة كابول، كما أن قندهار بها أنفاق عميقة في التلال مثلت من قبل حماية للمقاتلين الأفغان ضد الغارات الجوية السوفييتية في عام 1979م".

بقعة حصينة: وقد استغلت هذه المناطق بشكل كامل على مر سنوات الحروب، لما تتمتع به من ميزات جغرافية، كما أن وجودها على مناطق حدودية بين باكستان وأفغانستان أعطاها بعداً آخر. ولما كانت تلك الأماكن محضناً لمعسكرات المقاتلين الأجانب وحصناً منيعاً لأهلها كما كانت الحصن الذي ولدت فيه حركة طالبان وبالتحديد في قندهار عام1995م، فقد كانت مؤهلة بجدارة لتشكيل عامل مهم في حماية من يستغيث بجغرافيتها المميزة.

وبعد سقوط حركة طالبان على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في نوفمبر من العام 2001م أصبحت تلك المساحة الجغرافية تشكل ملجأ لفلول حركة طالبان ومن يساندهم من الأجانب، كما أنها في الوقت نفسه تعتبر بمثابة "مثلث برمودا" للقوات الأمريكية والقوات الباكستانية في الشق الباكستاني من تلك المناطق، الأمر الذي يفسر الكم الكبير من العمليات العسكرية الأمريكية المستمرة في الشق الأفغاني من تلك المناطق والعمليات العسكرية الباكستانية في مناطقها.

كما أنها تعتبر المصيدة الخفية سواء للقوات الأمريكية أو الباكستانية، من هنا لا نجد غرابة عندما نسمع من حين لآخر عن مقتل بعض المسؤولين الباكستانيين في "كويتا" بمنطقة وزيرستان، كما حصل في الرابع من سبتمبر 2005م، الأمر الذي يتكرر من حين لآخر، أو عندما نسمع عن مقتل مدرسين يابانيين في مناطق القبائل على الحدود مع أفغانستان، وعلى ما يبدو فإن "مثلث الموت" هذا سيبقى محتفظاً بما منح من ميزات جغرافية يبتلع كل من يقتحم حدوده، كما يبقى هدفاً يشغل كل من يريد أن يساويه بغيره من البقع الجغرافية الأخرى ويعامله بالسلوك الذي يعامل به غيره.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply