ماذا تعني لك المدينة ( 4 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المناخ لم يكن عائقا عن الإنتاج:

تميزت المدينة كغيرها من المدن في جزيرة العرب بمناخ حار في الصيف وبارد في الشتاء، وهذا قدر من أقدار الله لهذه المدينة ولحكمة أرادها الله لها، فلا ينبغي للمسلم أن يتضجر أو يتضايق منه.

ومع ذلك فلا يعتبر المناخ عائقاً للإنتاج ولا عقبة في سبل العطاء والعمل، ولم يكن يوما من الأيام حجر عثرة أمام الأمة المسلمة، كيف وقد قاد أهلها أهلَ الأرض قاطبة وقذفت إليها الأرض كلها بأرزاقها وأقواتها طائعة راغبة، أو خائفة راغمة.

ولقد بشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صبر على لأوائها بالأجر الكبير، والثواب العظيم، وهذه خاصية من خصائص المدينة النبوية لا يشاركها فيها غيرها.

ففي صحيح مسلم عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَصبِرُ عَلَى لأوَاءِ المَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِن أُمَّتِي إِلاَّ كُنتُ لَهُ شَفِيعًا يَومَ القِيَامَةِ أَو شَهِيدًا».

وفسرت اللأواء بالشدة وعطفت الشدة عليها للتفسير والتأكيد، أو أن الشدة ما يصيب الإنسان من الحر والبرد، واللأوء ما قد يصيبه بها من ضيق العيش أو تعسر الكسب.

وقد اتخذ ضعاف النفوس من الموظفين هذا الحديث مبررا لهم في إيذاء الناس وتعقيد معاملاتهم، ويفتعلون الطلبات لتكثير تردادهم إليهم، فإذا رأوا منهم تضجرا أو غضبا سكتوهم بهذا الحديث! وهذه جناية عظيمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث فسروا حديثه بما تهواه أنفسهم، وجعلوه تكية لعملهم غير الإنساني، وجناية على أهل المدينة حيث ألحقوا بهم الأذى والضرر في أرزاقهم وأضاعوا عليهم أوقاتهم، وهؤلاء يخشى أن ينطبق عليهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أراد أهل هذه المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء».

أخي الكريم: أما لك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة وأنت تسكن في مدينته أو تزورها وتطأ على الأرض التي وطئ عليها وتعيش في البلد الذي عاش فيه!

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراعي نفسيتك ويحزن لك ويتكدر خاطره بسببك أنت وكل مسلم إلى آخر الزمان، فكيف بمن يؤذي مسلما ويتقصد إغضابه وإعاقة عمله وهو قائم بين يديه.

روى أبو داود والترمذي وأحمد عَن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِن عِندِهَا وَهُوَ مَسرُورٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ وَهُوَ كَئِيبٌ، فَقَالَ: «إِنِّي دَخَلتُ الكَعبَةَ، وَلَو استَقبَلتُ مِن أَمرِي مَا استَدبَرتُ مَا دَخَلتُهَا، إِنِّي أَخَافُ أَن أَكُونَ قَد شَقَقتُ عَلَى أُمَّتِي».

وفي رواية للإمام أحمد عَن عَائِشَةَ - رضي الله عنها -قَالَت: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيٌّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَومًا، فَقَالَ: «لَقَد صَنَعتُ اليَومَ شَيئًا وَدِدتُ أَنِّي لَم أَفعَلهُ، دَخَلتُ البَيتَ فَأَخشَى أَن يَجِيءَ الرَّجُلُ مِن أُفُقٍ, مِنَ الآفَاقِ فَلاَ يَستَطِيعُ دُخُولَهُ فَيَرجِعُ وَفِي نَفسِهِ مِنهُ شَيءٌ».

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply