بسم الله الرحمن الرحيم
أثارت الزيارة التي قام بها وفد إسرائيلي رفيع المستوى للهند خلال اليومين الأخيرين العديد من التساؤلات حول واقع ومستقبل العلاقات الهندية الإسرائيلية التي بدأت تتوطد في السنوات الأخيرة، وتمتد إلى مجالات استراتيجية ودفاعية، فيما يمكن أن يقترب من التحالف الاستراتيجي، خاصة وأن هذه الزيارة تمخض عنها توقيع عدد من الاتفاقيات الهامة لتعزيز التعاون المشترك في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة "الإرهاب"، وهو التعاون الذي يحظى - في جانب كبير منه - بدعم أمريكي واضح، وقد تمكنت إسرائيل من تطوير خبرات واسعة في هذين المجالين نتيجة مشاركتها لواشنطن في العديد من المشروعات ذات الصلة، وأهمها مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي عرفت بـ "حرب النجوم" والتي استطاعت إسرائيل من خلالها أن تمتلك تكنولوجيات كثيرة متقدمة، أبرزها تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ، وأقمار التجسس والاتصالات، ووسائل الإنذار المبكر، والقيادة والسيطرة، وتكنولوجيا الرؤوس النووية الصغيرة.
وبينما يواصل الوفد الإسرائيلي مهمته شبه السرية في نيودلهي، إذا بصحيفة "وول ستريت جورنال" تنشر تعليقاً على هذه الزيارة تشير فيه إلى أن الهند وإسرائيل رغم اختلافهما في أمور كثيرة مثل الموقع، والمساحة، وعدد السكان، فإن الكثير من الروابط تجمعهما، فكلا الدولتين على حد زعم الصحيفة تعبران عن نظام ديمقراطي عريق، ويواجهان تهديدات "إرهابية" متماثلة، وهو ما يجعل الدولتين - وفقاً لما تراه الصحيفة - بمثابة ركيزتين أساسيتين في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة ما يسمى "بالإرهاب".
وادعت الصحيفة نجاح كل من تل أبيب ونيودلهي في إقناع واشنطن بعدم جدوى الاعتماد على الدول العربية والإسلامية "غير الديمقراطية" في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب.
والحقيقة أن ما يجمع بين إسرائيل والهند هو المصلحة المشتركة، فالعلاقات السياسية والعسكرية بل وحتى التحالفات لا تنشأ بالضرورة بين دول متماثلة وإنما تصنعها المصالح، وتفرضها الضرورات، والعلاقات الهندية الإسرائيلية لا تستند إلى الهوية، كما أن هناك فروق هامة بين الدولتين، فالهند دولة ذات حضارة وميراث ثقافي وتاريخي طويل في آسيا، في حين أن إسرائيل هي كيان غير شرعي، أقيم بالقوة على أراضي الغير، كما أنه لا يمكن المقارنة بين الديمقراطية العريقة في الهند التي استطاعت أن تستوعب كافة العرقيات والديانات إلى حد ما، بالديمقراطية الشوهاء في إسرائيل التي تغتصب وتنتهك حقـوق العرب والمسلمين، وتمارس ضدهم أفظع الانتهاكات.
وقد جاءت زيارة الوفد الإسرائيلي الأخيرة لنيودلهي، والتي ضمت عدداً من خبراء الدفاع والموساد الإسرائيلي بعد ستة أشهر من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "سيلفان شالوم" والتي شكلت دفعة جديدة لدعم التحالف الهندي الإسرائيلي، وتعزيز التعاون القائم بين البلدين، حيث وقع الجانبان اتفاقاً عسكرياً هو الأخطر من نوعه منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل 12 عاماً، كما بحثا سبل توطيد التعاون في المجالات العسكرية والمخابراتية.
وتسعى كل من الهند وإسرائيل من خلال تعاونهما العسكري والمخابراتي إلى لعب دور إقليمي أكبر في جنوب آسيا بالنسبة للهند، وفي الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل، أما فيما يتعلق بالتعاون في مجال مكافحة ما يسمى بالإرهاب فهو يجري بتنسيق وتعاون تام مع الولايات المتحدة كطرف ثالث إلى جانب الهند وإسرائيل، وهو ما ظهر من خلال المناورات الهندية الأمريكية التي جرت في المرتفعات الشرقية قرب جامو وكشمير خلال العام الماضي، وتواكبت مع زيارة شارون للهند.
وتحرص إسرائيل في علاقتها بالهند على وجه الخصوص إلى إضفاء مسحة من السرية عليها، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري والمخابراتي، ربما خوفاً من تعرضها لعمليات من جانب بعض الجماعات الجهادية، أو حرصاً على عدم استثارة الولايات المتحدة التي تتحفظ على بعض جوانب التعاون الهندي الإسرائيلي، وخاصة فيما يتصل بالتعاون في مجال أنظمة الأسلحة المتقدمة ذات المنشأ الأمريكي.
والهند من أكبر وأهم الدول في جنوب آسيا، ليس فقط بالنظر لقوتها البشرية التي تعدت المليار نسمة، ولا بموقعها الجيوبولوتيكي الهام، وسيطرتها على خطوط الملاحة من بحر العرب والخليج إلى شرق آسيا عبر المحيط الهندي، ولكن أيضاً بالنظر لقوتها الصناعية والتكنولوجية التي جعلتها في مصاف الدول الكبرى بعد أن نجحت في اقتحام النادي النووي الدولي في عام 1947 بعد أول تجربة نووية لها، وحققت استقلالية ذاتية في تصنيع وتطوير احتياجاتها الدفاعية في كافة أفرع أسلحتها الرئيسية بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إيصالها، واقتحامها الفضاء بأقمار صناعية متنوعة الأغراض، بل وأصبحت إحدى الدول المصدرة للسلاح.
ومع ذلك فإن الهند لم تستطع تجاهل إسرائيل بدورها الإقليمي البارز في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة، والتي أتاحت لها امتلاك تكنولوجيات كثيرة متقدمة، من بينها تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ، وأقمار التجسس والاتصالات، ووسائل الإنذار المبكر، والقيادة والسيطرة، وغير ذلك من المجالات الدفاعية المهمة التي تسعى الهند للحصول عليها.
لقد بدأت العلاقات الهندية الإسرائيلية من الناحية الواقعية في سبتمبر 1950 عندما وافق نهرو على تأسيس مكتب تجاري لإسرائيل في بومباي، تم افتتاحه بعد شهور قليلة، ثم تحول إلى قنصلية إسرائيلية في يونيو 1953. كما بدأت الهند في مطلع 1952 في مناقشة الخطوات المطلوبة لإقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" عندما زارها "والتر إيتان" مدير عام الخارجية الإسرائيلية، إلا أن المعوقات المالية، وعدد من التغيرات السياسية الإقليمية والدولية وقفت وقتها حائلاً دون ذلك، ومع ذلك فإن الهند وهي في أوج تعاونها مع العرب خلال عقد الستينات لم تترك فرصة يمكن بموجبها أن تستفيد من إسرائيل بما يعظم مصالحها الوطنية إلا واغتنمتها، ومن ذلك الصفقة التي تمكنت الهند من إبرامها مع إسرائيل عبر بعض الوسطاء خلال حربها ضد الصين عام 1962، وتمكنت خلالها من الحصول على العديد من الأسلحة الإسرائيلية المتقدمة.
ومع وصول "فاجباي" إلى الحكم في الهند توطدت علاقات البلدين بشكل كبير، وشهدت تطوراً في العديد من مجالات التعاون، كما عززت هجمات الحادي عشر من سبتمبر من التعاون الهندي الإسرائيلي في مواجهة ما يسمى بالإرهاب، ومع زيارة شارون لنيودلهي في سبتمبر 2003، ثم زيارة وزير الخارجية "سيلفان شالوم" في فبراير من العام الحالي، طور البلدان تعاوناً مثمراً في مجال المراقبة والاستطلاع والإنذار المبكر، كما أصبحت الهند هي السوق الثالثة للصادرات العسكرية الإسرائيلية بعد الصين وتركيا.
وقد أدى تنامي العلاقات الهندية الاسرائيلية على هذا النحو إلى استياء العديد من الدول العربية، التي أبدت تخوفها من تداعيات هذا التعاون الاستراتيجي على الأمن القومي العربي، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كانت العلاقات الإسرائيلية الهندية موجهة بالأساس ضد العرب، وما يمكن أن يفعله العرب إزاء هذا الوضع، والحقيقة أن هذه القضية يجب أن تحظى بمزيد من الاهتمام من جانب الباحثين والمفكرين لبحث سبل تنمية العلاقات العربية الهندية، ووضع تصور "مناسب" للتعامل مع الهند في ظل علاقتها "الاستراتيجية" بإسرائيل، والسعي لإقامة حوار عربي هندي يمكن أن تكون له آثار إيجابية في مزيد من التقارب العربي الهندي، بما يحافظ على المصالح العربية، ويقلص من حجم المخاطر الناجمة عن العلاقات الإستراتيجية المتنامية بين الهند وإسرائيل، وعلى العرب أن يدركوا أنهم لم يفقدوا بعد كل أوراق اللعب مع الهند، ولكنهم فقط يحتاجون إلى إعادة ترتيب ما بقي من هذه الأوراق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد