'السخاء' الأمريكي وراء عودة الروح لطالبان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الاعتقاد الذي ظل راسخاً لدى الولايات المتّحدة خلال الأشهر الماضية أن نظام طالبان فقد كل مقومات وجوده ونشاطه، بعدما انحسرت مصادر تمويله من الخارج، وجفت موارده الماليّة تماماً، فضلاً عن احتواء العناصر المعتدلة منه، ودمجها في الحياة السياسية الأفغانية، هذا الاعتقاد ثبت أنه كان وهماً، حيث صُدمت الولايات المتحدة منذ أيام بتصاعد جديد للمقاومة العنيفة التي تقودها حركة طالبان.

الزيارات الأخيرة التي قام بها الجنرال ديفيد بارنو قائد القوّات الأمريكيّة في أفغانستان، ورئيس القيادة الأمريكية المركزية الجنرال جون أبي زيدº إلى إسلام آباد، وإصرارهما على ضرورة قيام باكستان بعدة حملات قويّةً ضدّ تنظيم القاعدة، وحركة طالبانº جاءت نتيجة معلومات تأكدت لدى أجهزة المخابرات الأمريكية بأن طالبان قامت في الآونة الأخيرة بتدريب بضع مئات من عناصرها على التكتيكات الحديثة في حرب العصابات، كما توافرت لديها العديد من مصادر التمويل الخارجية التي اعتقدت الولايات المتحدة أنها توقفت تماماً.

ومع بروز مؤشرات على العودة القويّة لتنظيم طالبان في جنوب وجنوب شرق أفغانستان رغم ما تدعيه المصادر الحكومية في كابول من أن طالبان قد تمزقت، وتشتت أنصارها، قامت القوات الباكستانية بالتعاون مع عناصر للمخابرات الأمريكية بعدة عمليات مداهمة لعناصر طالبان على طول الحدود الباكستانية مع أفغانستان، وفي المنطقة القبليّة بوزيرستان الشمالي في باكستان، وإقليم الزابل مسقط رأس الميليشيا الطلابية الثائرة التي عرفت فيما بعد بحركة طالبان، التي استطاعت مواجهة جنرالات الحرب، وتولى السلطة في كابولº دون إراقة الكثير من الدماء في عام 1996م.

ووفقاً لبعض التقارير فإن عمليات المداهمة لعناصر طالبان قد بدأت بالفعل في شمال وزيرستان، وهذه العمليات تختلف عن تلك التي شنتها القوات الباكستانية في وزيرستان الجنوبية قبل شهور لاقتلاع طالبان والمقاتلين الأجانب، فالعمليات الجارية الآن تتم وفقاً لخطة أعدتها المخابرات الأمريكية، وحددت فيها بدقة المناطق التي سيتم مداهمتها، بحيث يتم توجيه العمليات إلى أهداف معينة في مناطق "ميران شاه"، و"داتاخيل"، وإنجازها في أقصر وقت ممكن، قبل أن تتمكن فلول طالبان من الفرار.

إحدى الغارات التي قامت بها القوات الباكستانية استهدفت منزل جلال الدين حقاني أحد القادة البارزين لحركة المقاومة الأفغانية ضد السوفييت خلال عقد الثمانينات، وأحد الشخصيات الأساسية في حركة طالبان، وقد قامت السلطات الباكستانية باقتحام منزل حقاني، واعتقال نجله سراج الدين حقاني، بزعم قيامه بأنشطة ذات صلة بتنظيم القاعدة، ومنها توظيف الشباب، وتدريبهم على أعمال حرب العصابات، والقيام بهجمات مسلحة على أهداف أمريكية.

وبخلاف استهداف طالبان كان هناك سبب آخر هام للهجوم الأخير الذي شنته القوات الباكستانية على منطقة وزيرستان الشّماليّة حيث تجمعت بعض المعلومات لدى أجهزة المخابرات الأمريكية من خلال بعض رجال القبائلº عن أحد أبرز قادة القاعدة المطلوبين وهو الدكتور أيمن الظواهري المساعد الأول لأسامة بن لادن، الذي شوهد في الفترة الأخيرة في بعض المناطق القريبة من شمال وزيرستان، وفي إقليم الزابل مركز مقاومة طالبان اليوم، كما أن مصادر قبلية أكدت مشاهدتها للملا عمر زعيم طالبان في منطقة الزابل مع بعض قادة تنظيم القاعدة، ويعتقد أنهم عقدوا عدة اجتماعات استهدفت تصعيد مستوى المقاومة ضد القوات الأمريكية، ولعل أبرز نتائج هذه الحملة كان اعتقال أحد أبرز المطلوبين لدى السلطات الباكستانية أبو الفرج الليبي الذي تم تضخيمه في الأشهر الأخيرة، وتسويقه على أنه أبرز قادة القاعدة.

لقد كانت الولايات المتّحدة حتى عام 2003 ممتنّةً للدور الذي قامت به باكستان في مطاردة عناصر تنظيم القاعدة، لكنّها مع ذلك كانت غير راضية بجهود القوات الباكستانية في مواجهة حركة طالبان، وكان رجال المخابرات الأمريكية يزعمون أن لديهم أدلة شبه مؤكدة على أن إسلام آباد ما زالت تتحالف معهم، ومع ذلك فقد وافقت الولايات المتّحدة على نصائح باكستان بدعم جنرالات الحرب الموالين لطالبان، وذلك لمساندة حامد قرضاي في انتخابات الرئاسة الأفغانية التي أجريت السّنة الماضية، وقد اعتقدت الولايات المتّحدة أن باكستان سوف تتوقف عن دعم ومساندة طالبان، وأعربت عن أملها في أن غياب الدعم المادي والمأوى الآمن لقادة وعناصر طالبان سيؤدي في النهاية إلى انتهاء المقاومة، وانهيار طالبان.

الاتفاقات التي أبرمتها الولايات المتحدة قبيل انتخابات الرئاسة الأفغانية العام الماضي مع جنرالات الحرب الموالين لطالبان من أمثال سيف الله منصور، وعبدالسلام الرقيتي تضمنت تزويدهم بالاعتمادات المالية الكبيرة لتوزيعها على رؤساء القبائل، وشراء دعمهم، ومساندتهم لقرضاي، وقد تحول جانب كبير من هذه الأموال لقادة طالبان، واستخدم في شراء الأسلحة، وتمويل التدريبات التي أجريت لعناصر التنظيم مؤخراً على أعمال حرب العصابات، وشن الهجمات المباغتة على القوات الأمريكية في أفغانستان، والنتيجة هي عودة ظهور طالبان أشد دعماً، وأكثر قوة، وأفضل تنظيماً من ذي قبل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply