حوار مع السفير السابق لأفغانستان في دولة الإمارات العربية المتحدة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 البيان: نرحب بسعادة الأخ السفير مولوي عزيز الرحمن عبد الأحد، القائم بأعمال سفارة أفغانستان الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة سابقاً، ونشكره على تلبية دعوة مجلة البيان لإجراء هذا الحوار:

 

- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: وأنا أرحب بمجلة البيان الإسلامية التي خدمت الساحة بجهدها وبتأصيلها لكثير من القضايا الإسلامية من وقت نشأتها وإلى اليوم، ولهذا نرى إقبال المسلمين على قراءتها والبحث عنها والاشتراك فيها من جميع أنحاء العالم، حتى في أفغانستان نفسها.

 

وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية مجلة البيان وإخلاص القائمين والعاملين فيهاº فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ونسأل الله أن يوفقنا وإياهم إلى الاستمرار في هذا السبيل وخدمة الإسلام والمسلمين في أي مكان.

 

البيان: بعد أحداث نيويورك وواشنطن أصرت حكومة أفغانستان على نفي أية صلة لها بتلك الأحداث، بل استبعدت أن يكون ضيوفها هم الفاعلينº ولذلك فهل تعتبر طالبان نفسها ضحية ظلم وقع عليها بسبب تهمة غير صحيحة؟

 

- في الحقيقة لا شك في أن إمارة أفغانستان الإسلامية وزعامتها سواء قبل أحداث أمريكا أو بعدها، ما كان لها أي تخطيط لأن تقوم بمثل هذه الأعمال، وخاصة أنها منشغلة بنفسها وتعمل داخل بيتها، وهناك حرب مسلطة عليها من داخل أفغانستان بإيعاز وبدعم من خارج أفغانستان، فلم يكن في نيتها إحداث مشاكل، بل هي بنفسها قررت وأعلنت سابقاً ولاحقاً وإلى اليوم في جميع المناسبات أنهم ليسوا بصدد مثل هذه الأمور، ولا يرون تقرير مثل هذه الأمور لأن تنطلق من إمارتهم، وأيضاً استبعدت ونفت عمن يعيش في داخل الأرض الأفغانية ومن هم ضيوف عليها فعل ذلكº لأنها تدرك أن أفغانستان بوضعها وظروفها وباتصالاتها وإمكانياتها ليست مهيأة لأن تنطلق من أرضها مثل هذه الأمور، وأيضاً كان هناك تطمين من ضيوف أفغانستان أنهم لن ينطلقوا من أرض أفغانستان، ولن يسببوا لها مشاكلº فبعد هذه التأكيدات صرحت إمارة أفغانستان بذلك وأعلنت على الملأ أن إمارة أفغانستان لن تكون مصدر إزعاج للدول جميعاًº ولهذا تعتبر حكومة أفغانستان نفسها أنها وقعت ضحية هذا الظلم وهذه الغطرسة وهذه الكبرياء التي تدعيها أمريكا.

 

وأمريكا نفسها وجهت التهمة من أول يوم إلى ضيوف أفغانستان، ولا شك أن هذا في أي ملة وفي أي قانون أرضي أو سماوي غير مقبول، هذا ما دامت التهمة لم تثبت، حتى في قوانين أمريكا ومحاكمها وفي كل العالم أن المتهم لا يدان إلا بعد أن تثبت التهمة عليه، أما أمريكا فبمجرد حدوث هذه الحوادث وقبل التثبت وقبل حدوث شواهد أو دلائل أعلنت التهمة، وإلى اليوم مصرة عليها، وسيرت الجيوش لذلك، وهذا دليل واضح على الغطرسة، وعلى الكبرياء وعلى الغرور، ودليل واضح أيضاً على أنه كانت هناك نوايا مبيتة ومسبقة تجاه إمارة أفغانستان الإسلامية، استغلت لها هذه الظروف إرضاء للشعب الأمريكي، ولتوسيع شحنة الغضب، ولهذا ضحوا بالشعب الأفغاني وسيروا الجيوش تجاهه استجابة لنفسية الغطرسة والغرور الذي دفع بأمريكا نفسها إلى مفارقة العقل السليم، وسيؤدي إلى دمارها وهلاكها، وهذا بسبب الظلم الواقع الآن على أفراد الشعب الأفغاني الذي كان بحاجة إلى المساعدة، ولكنهم اليوم يدمرون ويشردون الأفغان، ويدمرون بيوتهم ويقتلون نساءهم ورجالهم وأطفالهم، وهناك الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً عليهم قبل الأحداث، وكل ذلك بسعي وبدعم من أمريكاº فبناء على ذلك نحن نعتبر أنفسنا ضحية لهذا الغرور وهذه الغطرسة الأمريكية.

 

البيان: ما دمتم تنفون مسؤولية حكومة أفغانستان عن أحداث أمريكاº فما هي خلفية علاقة حكومتكم بأسامة بن لادن؟

 

- ليست هناك أي خلفيات لتلك العلاقة، سواء كانت مالية أو مصلحية أو تنظيمية أو غير ذلك، إلا أن الشعب الأفغاني فقط من طبيعتهم أنهم لا ينسون المعروف لكل من فعل المعروف معهم، وهؤلاء الضيوف فعلوا معروفاً مع الشعب الأفغاني وشاركوا في الجهاد معهم، وضحوا بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم، وكثير منهم سالت دماؤه في الجهاد الأفغاني ضد الروس والشيوعيةº فالعلاقة وخلفيات هذه العلاقة هي فقط إسلامية وإسلامية بحتة، ومع ذلك فقد تكفلت حكومة أفغانستان بعد الأحداث وحتى قبلها بأن أي مسؤولية أو التزام أو أي شواهد تثبت على أحد، فإن إمارة أفغانستان مستعدة من خلال المحاكم الشرعية أن يحاكم من تثبت ضده مسؤولية شرعية في ظل الحكم الإسلامي، ولكن إمارة أفغانستان تحس أن عدم الإصغاء لطلبها بتقديم أدلة يدل على الرغبة في إذلال وإهانة ما قامت به إمارة أفغانستان من إقامة لحكم الله على أرض أفغانستانº فهذا التطبيق للحكم الإسلامي هو شوكة في حلوق أعداء الإسلام والمسلمينº ولذا يريدون إذلال هذه الإمارة وإهانتها بأي طريقة وتحت أي ذريعة، وعرضت الإمارة أيضاً تسليم المتهمين لطرف ثالث محايد في دولة إسلامية ليحاكموا محاكمة شرعية، وعرضت أيضاً تسليمهم لمنظمة المؤتمر الإسلامي لتقوم بتشكيل محكمة من علماء وقضاة إسلاميين يتولون المحاكمة، ولكن لم نجد آذاناً صاغية ولم يُستجب لنا، وكل هذا يدل على استضعاف إمارة أفغانستان والاستهانة بها، وهي بالفعل ضعيفة بإمكانياتها ومادياتها، ولكن في الحقيقة قوية بإيمانها وبموقفها الإسلامي وتمسكها بدينهاº لأن هذا أساس وجودها وجهادها وتضحياتها ولن تفرط فيها ولن تتنازل عنها.

 

البيان: بماذا تعللون إصرار الولايات المتحدة على رفض عروض حكومة أفغانستان التفاوض بشأن تسليم الذين تتهمهم أمريكا إلى طرف محايد؟

 

- تعليلنا لإصرار الولايات المتحدة المتكرر على رفض عروض طالبان، هو أنه إذا عُرضت هذه المواضيع أو فوضت إلى محكمة محايدة في دولة إسلامية أو أي تجمع إسلاميº فإن أمريكا لن تستطيع أن تحقق أهدافها من خلالهاº لأنه ليس عندها أي شواهد أو إثباتات تقدمها لها، وهذه المحاكم بدورها لا بد أن تقول كلمتها في ضوء عدم وجود أدلةº فتكون أمريكا بذلك هي الخاسرةº فلذا ترفض كل هذا، ولو كانت أمريكا تملك أدلة وشواهد لرضيت بمحاكمة عادلة في أي مكان، وهذا يدل على غرورها وغطرستها وعدم احترامها لأي شيء إسلاميº فكل دولة في العالم من حقها أن تحاكم المتهمين من مواطنيها أو رعاياها على أرضها، فلماذا تستثنى أفغانستان من ذلك؟

 

البيان: هنا سؤال آخر مرتبط بما سبق، وهو متعلق بموقف الأمم المتحدة وإصرارها على أن لا تعطي لدولة أفغانستان مقعدها في المنظمة الدوليةº فعلامَ يدل هذا التمييز في المواقف؟ وما تعليقكم على هذا الأمر على رغم معرفتنا بأن حكومتكم ليست متلهفة إلى عضوية تلك المنظمة؟

 

- هذا يرجع أيضاً إلى السؤال الأولº فكل هذه المواقف ترجع إلى أن أصحابها لا يريدون النظام الذي تطبقه إمارة أفغانستان الإسلامية على أرضها، ويريدون من ذلك محاصرة هذا النظام، وقيادة طالبان قد أعلنت منذ ظهورها على الأمر في أفغانستان، أنها تتعامل مع المنظمات والأعراف والقوانين الدولية من منظور إسلامي، ولا تقبل أن يُفرض عليها شيء مخالف للإسلامº ولذلك فإن طلبها لهذا المقعد لم يكن إذعاناً لقوانينهم التي يشرعونها، ولكن هدفها الأساس من ذلك كان لأمرين:

 

الأول: أن ذلك المقعد كان ولا يزال يستخدم لصالح المعارضةº حيث يبثون منه النواقص والتهم ضد إمارة أفغانستان.

 

والأمر الثاني: أن إمارة أفغانستان كانت تستطيع من خلال مندوبيها أن تتكلم بكل ما يكون من مواقفها، وتعبر عن آرائها من خلال هذا المقعد، وحتى نستطيع أن نتعامل مع المجتمع الدولي من خلال قنواته.

 

ولكن الإصرار على عدم إعطاء الإمارة مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة يمثل نوعاً آخر من الحصار السياسي حتى لا تتعامل أية دولة مع دولتنا سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، ومن التناقض أن المعارضة التي لا تسيطر إلا على شيء بسيط من الأرض يتعاملون معها سياسياً واقتصادياً وثقافياً من خلال هذا المقعدº وهذا سر بقائها إلى اليوم، وإلا فإنها على الأرض تعتبر ميتة.

 

البيان: هل نستطيع أن نقول إن هذه المعارضة لو كانت مسيطرة الآن على كل أرض أفغانستان، ولكن بنهج إسلامي صحيح وواضح، هل كانت ستستهدف بالعداء مثلما هو حاصل الآن مع حكومة أفغانستان الحالية؟

 

- لا شك في ذلك، ولكن المعارضة كان يتوقع منها أن تتنازل عن مبادئها إرضاءً للغرب مثلما هو حاصل الآن، أما إمارة أفغانستان فليس همها إرضاء الناس ولكن إرضاء رب الناسº فكما يقول الحديث: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply